يبدو أن الأحداث في سوريا أسرع من قراءة التحليلات والمقالات، فبعد أن أعلنت يوم الخميس الماضي، “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، سيطرتها الكاملة على مدينة حماة وسط سوريا، أعلنت أمس الجمعة السيطرة أيضاً على ريف حمص الشمالي، لتكون الآن على بعد 5 كيلومترات فقط من المدينة، فماذا يعني الوصول إلى حمص، ومتى تصل الهيئة إلى نقطة الذروة في امتدادها العسكري؟
استراتيجية حمص
ومدينة حمص أو “عاصمة الثورة” كما يلقبها ناشطون معارضون، شهدت كبرى التظاهرات الشعبية في عام 2011 ضد الحكومة السورية، وتعتبر ثالث أكبر مدن سوريا من حيث عدد السكان بعد دمشق وحلب، وتضم أحياء ذات غالبية علوية.
وحمص تفوق مدينة حماة من حيث أهميتها الاستراتيجية، فهي تقع وسط سوريا وتعتبر حلقة وصل بين شمالي وجنوبي البلاد، وبين الشرق (البادية السورية) والساحل الغربي، كما أنها مركز ثقل استراتيجي وعسكري واجتماعي للحكومة السورية، ومن شأن السيطرة عليها من قبل الفصائل أن يتم قطع كامل الطرق التي تستخدمها الحكومة السورية باتجاه مدن الساحل، طرطوس واللاذقية، بحسب محللين.
وأوضح مصدر عسكري في فصائل المعارضة لموقع “963+”، أن الهيئة والفصائل سيطرت على عدة مناطق استراتيجية بريف حمص الشمالي، شملت الرستن، تلبيسة، تيرمعلة، جسر الرستن، والدار الكبيرة، وباتت تبعد بضعة كيلومترات فقط عن المدينة.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال أن هناك نزوح جماعي لأبناء الطائفة العلوية من أحياء مدينة حمص، مع توجه عشرات الآلاف منهم الى مناطق الساحل السوري، خشية تقدم الفصائل إليها.
كما أفاد المرصد أن القوات الحكومية السورية انسحبت من كامل مدينة حمص، قبل أن تنقل وكالة سانا التابعة للحكومة السورية عن مصدرٍ عسكري قوله، إنه لا صحة للأنباء الواردة عن انسحاب القوات من مدينة حمص، مشيراً إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة باتجاه المدينة.
اقرأ أيضا: “ردع العدوان”.. عملية محدودة أم مقدمة لحرب واسعة؟
“السيطرة على حمص ستكون ضربة قوية لدمشق”
ويقول المحلل السياسي السوري، سامر خليوي، المقيم في لندن، أن سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مدينة حمص ستمثل ضربة قوية للحكومة السورية وحليفتها روسيا، وتهدد بفصل دمشق عن الساحل الغربي حيث النفوذ الروسي المتمثل في قواعد حيوية مثل طرطوس، وقاعدة حميميم في اللاذقية.
ويقول خليوي في تصريحات خاصة لـ”963+”: أن “السيطرة على حمص تعني الاستيلاء على التواجد العسكري الضخم لقوات النظام هناك، وسيزيد ذلك من انهياره، حيث يوجد في حمص مجمع الكليات العسكرية، والفرقة 11 والفرقة 18 المتخصصة بالدبابات وقيادة المنطقة الوسطى، وفي حال تمكنت الفصائل من الوصول إلى هذه المواقع، سيساعدها ذلك في السيطرة على كميات أسلحة كبيرة”.
اقرأ أيضاً: حماة تترقب مصير حلب وإدلب.. فهل سيتوقف هجوم “الهيئة” عندها؟
“السيطرة على حمص ستشكل ضربة قوية لإيران وحزب الله”
ويضيف المحلل السوري: ” السيطرة على حمص تشكل ضربة كبيرة لإيران وحزب الله، لأنه سيتم قطع طريق طهران بيروت وبالتالي قطع خطوط الإمداد التي يعتمد عليها الحزب، حيث تعد الأراضي السورية جسراً برياً يربطه بإيران، الممول الرئيسي له بالسلاح والمال”.
أما الخبير العسكري والعميد الركن المتقاعد، جورج نادر، من لبنان، فيقول في حديث خاص ل +963، أن “السيطرة على حمص ستؤدي إلى السيطرة على منطقة القصير المعقل الرئيسي لحزب الله منذ عام 2013 وهجّر سكانها”.
ويشير نادر، إلى أن السيطرة على حمص والقصير يعني أنه سيتم تنفيذ جزء كبير من القرار الأممي 1701، وكذلك القرار 1680 القاضي بعدم توريد السلاح وتهريبه إلى لبنان من أي دولة كانت”.
ويضيف نادر: “الكل يعلم أن الدولة التي تهرب السلاح إلى حزب الله في لبنان هي إيران، ويتم ذلك عبر سوريا والعراق، وبالتالي السيطرة على حمص والقصير من شأنها أن تقطع الشريان الأساسي المغذي لحزب الله من إيران”.
اقرأ أيضاً: القصير هدفاً.. لماذا تكثف إسرائيل هجماتها على ريف حمص السورية؟
القصير معقل أساسي “لحزب الله”
وتتمتع مدينة القصير في ريف حمص الغربي، بموقع استراتيجي هام على طريق حمص – بعلبك (شمال لبنان) الدولي، وتبعد عن الحدود اللبنانية 15 كيلومتراً، وتربط منطقة البقاع اللبنانية بمحافظة حمص عبر معبر جوسية الحدودي، وهو ما منحها أهمية مضاعفة.
ومنذ استعادة القوات الحكومية بمساعدة “حزب الله” اللبناني السيطرة على المدينة وريفها من فصائل المعارضة المسلحة في حزيران/ يونيو 2013، تؤكد تقارير أنها تحولت إلى معقل أساسي للحزب وطريق إمداد رئيسية للأسلحة القادمة من إيران.
ووضع “حزب الله” في عام 2019، شروطاً للسماح لسكان القصير بالعودة إليها، الأمر الذي أثار موجة استياء واسعة بين السوريين، على اعتبار أن الإعلان يؤكد سيطرته المطلقة عليها ويلغي أي دور للحكومة في المنطقة.
وكانت إسرائيل قد كثفت من غاراتها خلال الفترة الأخيرة على عدة مناطق في ريف حمص تحديداً مدينة القصير ومحيطها، مستهدفةً مستودعات أسلحة ومقرات قيادة تستخدمها “قوة الرضوان” ووحدة التسليح التابعتين ل”حزب الله” في القصير.
“السيناريوهات رهن اجتماع روسيا وتركيا وإيران”
ويضع الخبير العسكري اللبناني، ثلاث سيناريوهات للمرحلة المقبلة، فالسيناريو الأول، هو اكتفاء الهيئة بالسيطرة على حمص ثم الضغط على الأسد للتفاوض بعد رفضه التفاوض مع قوى المعارضة وإيجاد حل سياسي، وهذا يعني أن عملية “ردع العدوان” كانت رسالة أمريكية إسرائيلية للأسد أن “لا يلعب بالنار”، بحسب نادر.
والسيناريو الثاني، هو الاكتفاء بالسيطرة على حمص وتقسيم سوريا إلى دويلات، أما السيناريو الثالث، فهو عدم الاكتفاء بالسيطرة على حمص والتوجه إلى دمشق، وإسقاط الحكومة السورية، وهذا يعني أن العملية العسكرية للهيئة مدعومة أوروبياً ودولياً وروسياً وتركياً لإسقاط الحكومة السورية، وفق ما يراه نادر.
أما المحلل السوري، فيوضح أن السيناريوهات المقبلة هي رهن اجتماع روسيا وتركيا وايران، “فإذا قبلت روسيا رفع يدها عن الأسد هذا يعني حتماً سقوط النظام ولن تستطيع إيران وحلفاؤها إنقاذ الأسد”.
وكانت وسائل إعلام إيرانية، نقلت عن وزير الخارجية عباس عراقجي، أن وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا من المرجح أن يجتمعوا في إطار عملية “أستانا” يومي السابع والثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، لمناقشة الملف السوري على هامش منتدى الدوحة بقطر.
وينوه خليوي في حديثه أيضاً، إلى أن “النقطة الهامة في كل مايحصل، هي أن الفصائل التي قامت بإسقاط النظام لن تحكم سوريا، فمن المفترض أن يقود المواطنون الشرفاء من كافة الطوائف والأعراق المرحلة الانتقالية، ولن يرفع إلا علم الثورة، وسيكون هناك حكم وطني مدني”.
وكان زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، قد تحدث لشبكة cnn الأمريكية في أول مقابلة إعلامية يجريها منذ سنوات، عن خطط لتشكيل حكومة قائمة على المؤسسات ومجلس يختاره الشعب السوري.