باريس
يرى محللون أن روسيا لن تسمح بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد أو بخسارة قاعدتيها العسكريتين في سوريا، لكن خياراتها وقدرتها العسكرية على مساعدة حليف بات في موقع ضعيف، محدودة، كما قال محللون لوكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”.
وعلى غرار طهران الداعمة أيضاً لحكومة دمشق، فوجئت موسكو بالهجوم الخاطف الذي شنته “هيئة تحرير الشام” والفصائل المسلحة المتحالفة معها، ومكّنها من السيطرة على حلب وحماة وصولاً إلى تهديد حمص الاستراتيجية على طريق دمشق.
وما يضعف الدور الروسي الذي شكّل دعامة أساسية للأسد في النزاع الذي اندلع في عام 2011، إذ سمح للقوات الحكومية بترجيح الكفة لصالحها في الميدان، أن إيران التي تؤمن دعماً على الأرض، باتت هي أيضاً في وضع صعب.
وتوضح نيكول غراجيفسكي، من معهد كارنيغي للدراسات، أن تقدّم الفصائل المعارضة وعلى رأسها :هيئة تحرير الشام”، “لا يعكس تشتّت الاهتمام الروسي، بل تدهور القوى الخارجية الميدانية الداعمة للحكومة السورية”.
اقرأ أيضاً: روسيا: نتواصل مع تركيا وإيران لتحقيق الاستقرار في سوريا
وجعلت موسكو من سوريا نقطة ارتكاز لنفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي تحتفظ فيها منذ عام 1971 بقاعدة بحرية في ميناء طرطوس غرب البلاد، على البحر المتوسط، وتعتبر مركزاً أساسياً لإمداد وإصلاح السفن الروسية في المتوسط، ويمكنها التوجه منه إلى البحر الأسود من دون المرور بمضيقي البوسفور والدردنيل تركيا. ولروسيا ايضاً قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية، منذ عام 2015.
ويقول بيار رازو، المدير الأكاديمي لمعهد المتوسط للدراسات الإستراتيجية، لـ”فرانس برس” إن روسيا كانت لديها في سوريا في نهاية تموز/يوليو الماضي “22 طائرة مقاتلة ونحو 15 مروحية هجومية ومسيّرات، مع مجموع أربعة آلاف عسكري وثلاثة آلاف من المرتزقة”، بعد إرسال تعزيزات إلى أوكرانيا حيث تشن موسكو حرباً منذ شباط/فبراير 2022.
ثغرات في الإستراتيجية
لكن رازو لفت إلى أن هذه القوات موزعة على المناطق الساحلية، وعند الحدود التركية، وفي الرقة بشمال البلاد، وفي تدمر قرب دمشق. وإن أرادت روسيا التصدي لهجوم “هيئة تحرير الشام”، فعليها “سحب قوات من بعض المواقع الأساسية التي لا ترغب في تركها للأميركيين أو الإيرانيين أو لقوات سوريا الديموقراطية (قسد)” الذين يملك كل منهم قوات على الأرض.
ويقول ديفيد ريغوليه روز، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، للوكالة نفسها: “بدأ الروس يخشون على قاعدتيهما اللتين يريدون الاحتفاظ بهما بأي ثمن”.
اقرأ ايضاً: بوتين وأردوغان يبحثان الشأن السوري وطهران تفكر في إرسال قوات لدعم دمشق
وتواجه موسكو صعوبة في سوريا منذ أن باشرت هجومها على أوكرانيا، ولا يمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع جنود أو أسلحة في تصرف الأسد من دون إبطاء هجومه على أوكرانيا. وتؤكد نيكول غراجيفسكي أن “الثغرات في استراتيجية موسكو باتت واضحة جداً”.
ديبلوماسية وصفقات
يراهن الكرملين على الديبلوماسية، إذ أجرى بوتين الأربعاء محادثات مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان الذي يبقي على وجود عسكري في شمال سوريا ويدعم بعض الفصائل المسلحة في الشمال السوري.
وأعلن الكرملين أن الرئيسين سيبقيان على تواصل من أجل “نزع فتيل الأزمة”، وأنهما “شددا على الأهمية المحورية لتنسيق وثيق بين روسيا وتركيا وإيران لإعادة الوضع في سوريا الى طبيعته”.
ويرى رازو أن الخيارات الروسية على المدى القريب محدودة، “فالكرملين يراهن على الردع ويعد خيارات، لكن تطبيق كل شيء يستغرق وقتا، ولا بد له بالتالي من كسب الوقت”.
اقرأ أيضاً: أوكرانيا: روسيا وإيران مسؤولتان عن “تدهور الوضع” في سوريا
ويعتبر دافيد ريغوليه روز أن موسكو وأنقرة تتبعان “منطقاً ديبلوماسياً تعاقدياً”، موضحا أن “أردوغان لا يدعو الى سقوط بشار الأسد” في مواقفه الرسمية، “لكن السؤال المطروح يقضي بمعرفة إن كان بإمكانه ضبط الفصائل المدعومة من أنقرة والمشاركة في الهجوم”.
ويؤكد بعض المحللين أن موسكو تدفع باتجاه عقد قمة سورية – تركية. ويقول المحلل السياسي الروسي كونستانتين كالاتشيف لوكالة “فرانس برس”: “روسيا غير مستعدة لأن تخسر، الأسد بإمكانه أن يخسر، لكن روسيا لا. قد يكون من الأسهل على الروس إبرام اتفاق ما مع تركيا”.
في هذه الأثناء، دعت موسكو رعاياها الجمعة إلى مغادرة سوريا، وأبدى مدوّنون مؤيدون للحرب في أوكرانيا تشاؤمهم. فقتا المدوّن المعروف باسم “فايتر بومبر” (500 ألف مشترك) إن “الأولوية هي لحماية طرطوس من هجمات المسيرات ومنع السيطرة على مدينة اللاذقية الساحلية حتى لو اضطررنا إلى التخلي موقتا عن باقي الأراضي”، وفق قوله، مضيفاً: “مؤكد أننا لا نملك المبادرة”.