يتعقد المشهد في سوريا منذ أواخر الأسبوع الماضي، عقب تحولات عسكرية كبيرة على ساحة الصراع في البلاد، عقب سيطرة “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” على مناطق كانت تسيطر عليها القوات الحكومية السورية في محافظات حلب وإدلب، وحماة.
القوات الحكومية خسرت مدينة حلب وريفها الغربي والجنوبي، وكامل محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، لصالح “هيئة تحرير الشام” وفصائل معارضة مدعومة من لتركيا، في هجوم مستمر منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت عليه اسم “ردع العدوان”.
ومع التحول العسكري الكبير، أطلقت دول عربية وحليفة للحكومة السورية تصريحات داعمة لموقف دمشق أمام تمدد ما تسمية “الجماعات الإسلامية”.
والثلاثاء الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من تركيا، إن بلاده ستدرس إرسال قوات إلى سوريا “إذا طلبت دمشق ذلك”، مؤكداً على دعم بلاده الكامل للحكومة السورية.
وفقاً لوكالة “تسنيم” الإيرانية، سيتوجه وزير الخارجية الإيراني، يوم الجمعة المقبل، إلى العراق لمناقشة التطورات في سوريا مع كبار المسؤولين العراقيين.
وتأتي زيارة عراقجي بينما ألمح رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى دعم بلاده لدمشق، قائلاً إنها “لن تبقى صامتة إزاء التطورات الخطيرة في سوريا”.
اقرأ أيضاً: تعزيزات إيرانية في سوريا وإجراءات عراقية على الحدود
ومنذ إطلاق هجوم “ردع العدوان” شمالي البلاد، صدرت عدة تصريحات عربية وعراقية بدرجة أكبر ركزت معظمها على أمن الحدود رغم عدم اقتراب الفصائل من حدود العراق فيما اشترطت إيران طلب دمشق، ما يثير التساؤل حول تدخل قوات عربية أو إيرانية في الحرب إلى جانب القوات الحكومية.
استماتة إيرانية
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، منذر الحوارات، لموقع “963+” إنه من الطبيعي إبداء إيران استعدادها لدعم الحكومة السورية، لأن انهيار الأخيرة يعني زوال المشروع الإيراني بالكامل، وهذا ما ترفضه طهران بشكل قطعي.
ويرى أن إرسال قوات إيرانية أمر وارد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحكومة السورية، مشيراً إلى أن روايات تقول إن القوات دخلت سوريا أساساً.
بينما يقول الأكاديمي والكاتب مجاشع التميمي المقيم في بغداد، إن إيران حليف استراتيجي لسوريا وبينهما الاتفاقية “طويلة الأمد”، ويعتقد أن “طهران ستستمر في دعم سوريا لأنها صلة الوصل بين إيران وحزب الله، لذلك قوات الحرس الثوري موجودة أصلاً في سوريا واحتمال أن ترسل قوات إضافية”.
من جهته، يرى المحلل السياسي العراقي، إبراهيم السراج، أن إيران تحاول الحفاظ على عمقها عبر دعم الحكومة السورية، الحليف الاستراتيجي لطهران.
نفور عربي.. السبب إيران!
يضيف الحوارات أن إرسال قوات إيرانية إلى سوريا سيؤثر على العلاقات العربية مع دمشق، خاصة في ظل محاولات عربية سابقة لفك الارتباط بين الحكومة السورية وطهران لكنها باءت بالفشل، وهو ما قد يكون جزء من أسباب التداعيات الحالية، في ظل رفض إيران السابق للحلول السياسية ولم تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف.
ويشير إلى أن الموقف العربي ينطلق من شيء أساسي، وهو الحفاظ على الدولة السورية كي لا تذهب باتجاه الفوضى تتحول لمجموعة من الدويلات، لافتاً إلى أن “النظام” يحافظ على الدولة مع اشتراطات وتقديم بعض التنازلات.
اقرأ أيضاً: هل تنهي الاتصالات الدولية أكبر تحول عسكري في سوريا؟
لكن الاشتراط والقناعة العربية تقول إن إيران سبب مشاكل الحكومة السورية، لذا لا يمكن الوصول إلى حلول في سوريا إلا في حالة “الطلاق” مع طهران وإيجاد معادلة جديدة، وبالعموم هذا الطلاق يحصل في الوقت الحالي قسرياً بسبب توغل الجماعات المسلحة، على حد تعبيره.
ويستبعد الحوارات أن تتدخل الدول العربية عسكرياً إلى جانب الحكومة السورية ويصف الأمر بأنه “مستحيل”، لكن قد يقف العرب ضد ما يحصل بسبب مخاوف من تمدد الجماعات الإسلامية التي يعتبرها البعض متطرفة ووصولها إلى أعتاب دول عربية، وتؤدي إلى تغيرات جوهرية في النظام الإقليمي في المنطقة، وهذا ما لا يريده العرب، وفقاً للأكاديمي.
ويشير التميمي إلى أن إرسال قوات إيرانية “بالتأكيد يؤثر سلباً على العلاقات مع الدول العربية، خاصة أن هناك تنامي في العلاقات السورية الخليجية، لا سيما السعودية والامارات العربية، لذلك لا أتوقع أن يكون هناك طلب لإرسال قوات إضافية الى سوريا كون ذلك يؤثر على خطط دمشق على العودة الى المجموعة العربية”.
ويضيف لموقع “963+”: أن “الحكومة السورية تمر بظروف صعبة جداً، وكل الأطراف رهنت سوريا للفواعل الخارجية بين إيران وتركيا والولايات المتحدة وروسيا، وبذلك أتوقع أن الأمور ستستمر لأنه من الصعب وجود حل لتلك القضية. ثم أن الجغرافيا ظلمت سوريا بشكل كبير، لذلك فان دخول قوات إيرانية سيعقد الأزمة أكثر من يحلها”.
ويلفت إلى أن “المجموعة العربية منقسمة بين النظام في سوريا وتركيا وإيران، لكن هناك مقبولية من بعض الدول العربية الكبيرة في دعم مشروط للنظام في سوريا، في محاولة لغرض سحبه من المحور الإيراني”.
لكن الواقع يقول إن الازمة في سوريا معقدة والحلول لا يمكن أن تعالج جذرياً، ويعتقد التميمي أن الأمور ذاهبة إلى العودة إلى اتفاق أستانا الموقع سنة 2017، حيث سيعقد وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا اجتماعاً في الدوحة”.
اقرأ أيضاً: قطر تحتضن اجتماعاً حاسماً لمسار أستانا.. هل يشهد الملف السوري تحولاً جذرياً؟
وتستعد العاصمة القطرية الدوحة لاستضافة اجتماع بين وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا يومي السابع والثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وذلك على هامش منتدى الدوحة، في إطار مسار أستانا الذي طالما مثّل منصة للتباحث بشأن الأزمة السورية.
ماذا يعني انهيار الحكومة السورية؟
يعتقد التميمي أن انهيار الحكومة السورية “يعني خسارة كبيرة للمحور الإيراني، لذلك طهران ستبذل قصارى جهودها لمنع انهيار الأسد، وإذا ما تم الانهيار فسيكون أمام سوريا طريق طويل للوصول إلى الاستقرار، وربما تكون هناك فوضى أو حرب أهلية قبل أن تشكل حكومة تكون مقبولة من الشعب والمجتمع الدولي وربما تتكر تجربة ليبيا واليمن”، بحسب اعتقاده.
في حين يشير السراج لموقع “963+” إلى أن الدول العربية تقف حيال ما يجري في سوريا موقف المتفرج، على عكس إيران التي تقول علناً أنها تدعم حليفها الاستراتيجي الشرعي، ويعتبر أن انهيار الحكومة في دمشق “نكسة” للدول العربية على اعتبار أنها عضو في الجامعة العربية، ومن الممكن أن ينعكس الانهيار على الدول العربية، وإذا لم تدعم الحكومة السورية سيتكرر ما حدث في سوريا مع بلدان عربية أخرى.
اقرأ أيضاً: هل صلاحية النفوذ الإيراني في سوريا انتهت؟
بينما يقول عامر الشوبكي، مستشار الاقتصاد والطاقة الدولية، إن كثير من الدول العربية لا تريد فوضى في سوريا وتمدد الجماعات الإسلامية، وبعضها تبحث عن هدوء في سوريا بدون بشار الأسد وإيران، لافتاً إلى أن جميع المعطيات تشير إلى أن الصراع في سوريا سيستمر لفترة طويلة، وقد يكون هناك مخطط جديد للبلاد قد تتضح معالمه مع استلام ترامب مقاليد الحكم.
عوائق اقتصادية
يقول الشوبكي لموقع “963+” إن التصريحات الإيرانية بإرسال قوات، هو فقط للحصول على القبول الدولي في حال طلبت الحكومة السورية ذلك، لكن إيران ستجد صعوبة في إقناع حكومتها بإرسال دعم عسكري أو جنود بسبب الوضع الاقتصادي الصعب.
ويضيف أن إرسال إيران قوات إلى سوريا سيعرضها لعقوبات اقتصادية كبيرة في عهد الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب، والذي سيلجأ لفرض عقوبات وتقليص واردات إيران من النفط.
أما الموقف العربي، فهو معقد حيال الحكومة السورية، فقد كانت في وقت سابق ضد بشار الأسد بينما عملت لاحقاً على استمالته، مقابل خروج إيران من البلاد، لكن العرب لم يقرأوا التوغل الإيراني في سوريا، ولا يستبعد أن الحكومة السورية قد أعطت وعود بالتخلي عن طهران لكنها غير كافية، وفق قوله.
ويشير إلى أن الموقف الأميركي إزاء الرئيس السوري بشار الأسد عقد الموقف العربي، في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ومنع دول عربية من التطبيع معها، وتنفيذ مشاريع اقتصادية عبر الأراضي السورية.
اقرأ أيضاً: إيران تهيمن على الاقتصاد السوري بمشاريعٍ “طي الأدراج”
ويؤكد على أن سوريا مهمة جداً بالنسبة لإيران فهي حلقة الوصل مع العراق وطريقها إلى البحر المتوسط، وهذا ما تستخدمه إيران كورقة تفاوضية مع دول عظمى ومعها الصين، وسوريا هي القادرة على منح إيران قدرة على تنفيذ مشاريع الصين الاقتصادية، بالإضافة للأموال التي دفعتها بتدخلها العسكري والتي تصل إلى 50 مليار دولار، وأكثر من 120 مشروع اقتصادية مع الحكومة السورية.
ويلفت إلى أن غالبية دول للجوار ستتأثر بالصراع في سوريا، وفي الوقت ذاته تجمع على خروج إيران التي أحدثت فوضى في العراق والأردن، الذي يرى أن طهران مسؤولة عن تهريب المخدرات والتوترات الأمنية على حدوده الشمالية.