بين ليلة وضحاها، وجدت سوريا نفسها أمام منعطف جديد بعد هجوم مفاجئ قامت به فصائل مسلحة متعددة، تتقدمها “هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة سابقًا” بقيادة أبو محمد الجولاني، ما أدى إلى سيطرتها على أجزاء من مدينة حلب وبعض مناطق حماة تحت شعار “ردع العدوان”. هذا التطور يعيد للأذهان تجارب مشابهة من قبل جماعات أخرى في مناطق مختلفة.
انتشار هذه الفصائل في مدينة حلب يشكل تحدياً خطيراً، خاصة مع التقارير التي تشير إلى تزايد القلق بين سكان المدينة، بما في ذلك الأكراد في منطقتي الشيخ مقصود والأشرفية، والأقليات المسيحية كالأرمن في أحياء أخرى، ربما يستدعي تحرّكاً دولياً سريعاً مثلما حصل بعد سيطرة “داعش” على مدينة الموصل العراقية في العام 2014 سيما وأن فصائل “الهيئة” ومجموعات ما يُعرف بـ “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا والمشاركة في عملية “ردع العدوان” تنشر مقاطع فيديو لانتهاكاتها بالصوت والصورة.
تداعيات إنسانية وأمنية
ورصدت تقارير ممارسات وصفت بأنها انتهاكات تجاه السكان، مثل الاعتداء على أطباء في مستشفى مدني في تل رفعت وتحطيم رموز دينية وثقافية في منطقة السليمانية بحلب.
كما وثّقت مشاهد أخرى حالات عنف أثارت القلق، من بينها مقتل مدني كردي يدعى عبدو عبدالمنان عبدالله، داخل منزله في منطقة الشهباء بحلب بعد مواجهات مع مسلحين. وكان عبدالله قد أمضى سنوات طويلة في السجن على خلفية نشاطه المعارض.
كل هذه الأحداث دفعت بالعديد من السكان إلى النزوح من ريف حلب نحو مناطق شمال شرقي سوريا، في حين يبقى الوضع في منطقتي الشيخ مقصود والأشرفية غامضاً، مع استمرار محاولات بعض الفصائل المدعومة من أطراف خارجية للتقدم نحو هذه المناطق.
في هذا السياق، يرى الكاتب والأكاديمي المصري خالد منتصر لموقع “963+” أن “مثل هذه الممارسات غالباً ما ترتبط بتضييق على حقوق النساء والأقليات”، مشيراً إلى أن هذه التطورات “تتناقض مع الادعاءات التي تقول إن الهيئة قد تخلّت عن ممارساتها السابقة”.
على الرغم من انتشار مقاطع فيديو تظهر أفراداً من الفصائل يتفاعلون بشكل إيجابي مع السكان، إلا أن التقارير الواردة من حلب تشير إلى أن تحقيق الاستقرار والأمان لم يكن ضمن الأهداف الأساسية لهذه العملية.
ويرى الصحافي التونسي باسل الترجمان، لـ”963+” أن الأحداث الأخيرة “تؤكد أن الفصائل ما زالت تعمل وفق أساليبها القديمة، التي تثير تساؤلات حول مدى التزامها بمبادئ الأمن والاستقرار”.
خطة أوسع
وتتزامن هذه التطورات مع تغييرات أوسع في المنطقة، بما في ذلك التهدئة الأخيرة في جنوب لبنان وتراجع الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين هذه الأحداث والتحركات الأخيرة للفصائل المسلحة.
ويرى الترجمان، أن “هذا الهجوم قد يكون جزءاً من خطة أوسع تهدف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في سوريا، مع تزايد الدعم الذي تتلقاه هذه الجماعات من أطراف خارجية”.
ويلفت إلى أن “حجم الهجوم، والأسلحة الجديدة التي استعملتها هيئة تحرير الشام، ومستوى التدريب والتجهيزات، والملابس العسكرية التي تعود لإحدى دول أوروبا الغربية، عوامل تظهر بوضوح أن هذه العملية جرى التحضير لها بشكل كبير، حيث يظهر بوضوح هدف تحرك هيئة تحرير الشام، وهو السعي إلى تقسيم سوريا، وتهجير المسيحيين منها، وإدخالها في حروب طوائف لتحويلها إلى دويلات تتحكم في دعمها الأطراف الخارجية”.
ويشير الكاتب اليمني رياض حمادي، لـ”963+” إلى أن الأوضاع الحالية تعكس استمرار التحديات الطائفية التي لم تتم معالجتها بشكل كافٍ منذ استقلال البلاد.
وتوضح الأكاديمية الأردنية آمال جبور، لـ”963+” أن تنوع النسيج الاجتماعي السوري يعكس مخاوف وجودية تفاقمت بسبب الصراع المستمر. وتشير إلى أن هذه الأزمة أدت إلى تزايد الاستقطاب بين مكونات المجتمع المختلفة، ما ساهم في تعقيد الأزمة الإنسانية والسياسية في البلاد.
تطورات ميدانية
وتتواصل الاشتباكات بين “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا من جهة، والقوات الحكومية السورية من جهة أخرى على عدة محاور في محافظة حماة شمال غربي البلاد.
وأفاد مصدر محلي لموقع “963+”، مساء اليوم، أن “القوات الحكومية شنت هجمات في محاولة لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها الهيئة والفصائل في ريف حماة الشرقي، وسط قصف حكومي عنيف على المنطقة”.
استقدم “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا اليوم الأربعاء، تعزيزات عسكرية إلى محاور ريف منبج شمالي سوريا.
وقال مصدر محلي لموقع “963+”، إن “فصائل الجيش الوطني استقدمت مساء أمس الثلاثاء وصباح اليوم، تعزيزات عسكرية إلى مناطق سيطرتها في ريفي منبج والباب بريف حلب الشرقي”.
وأوضح المصدر، أن “التعزيزات التي انطلقت من منطقتي إعزاز والباب بريف حلب الشمالي، ضمت أرتال عسكرية مكونة من دبابات وعربات ومدافع وآليات عسكرية”، مشيراً إلى أن “بعضها استقر في بلدتي مسكنة ودير حافر شرقي حلب”.
وذكر مصدر مقرب من فصائل “الجيش الوطني” لـ”963+”، أن “الفصائل تتجهز لشن هجوم عسكري على محاور منبج”، مضيفاً أن “الهجوم مؤجل إلى حين استكمال خروج سكان حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب، وخروج وحدات حماية الشعب الكردية منهما”.