مع تصاعد حدة التوترات شمالي سوريا واشتداد المواجهات بين (هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، والقوات الحكومية، اتخذ العراق إجراءات عسكرية وأمنية مشددة لتعزيز أمن حدوده مع سوريا. يرى محللون أن هذه التحركات تعكس إدراك الحكومة العراقية للمخاطر الأمنية المتزايدة، وسعيها للحفاظ على استقرارها الداخلي ومنع تداعيات الصراع السوري من التمدد نحو أراضيها، وسط تحديات إقليمية معقدة تتطلب تنسيقاً دقيقاً وحلولاً حذرة لتجنب الانخراط المباشر في الصراعات الدائرة بالمنطقة.
وقبل يومين كانت قد أعلنت وزارة الدفاع العراقية، نشر قوات مدرعة على طول الشريط الحدودي الممتد من قضاء القائم على الحدود العراقية السورية إلى الحدود الأردنية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات الإقليمية.
وأكدت الوزارة عبر منصتها الرسمية أن “قطعات مدرعة من الجيش العراقي تتحرك لإسناد الحدود المنفتحة من القائم جنوباً ولغاية الحدود الأردنية”.
تأمين الحدود: تحركات عسكرية واستعدادات ميدانية
قادت القيادات العسكرية العراقية سلسلة اجتماعات أمنية لمتابعة التطورات في الجانب السوري. وترأس الاجتماع الأخير رئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول الركن الدكتور قيس المحمداوي، بهدف تقييم الوضع الحدودي وتعزيز التنسيق الاستخباراتي.
وصرح المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، أن “القوات المسلحة العراقية جاهزة لأي تداعيات قد تؤثر على أمن البلاد”، مشيراً إلى أن الحدود مع سوريا محصنة بشكل كامل. من جانبه، أكد نائب قائد العمليات المشتركة أن العراق لديه الإمكانات الكافية للتصدي لأي تحديات محتملة على طول الحدود.
ومع إحكام “هيئة تحرير الشام” قبضتها الأمنية على مساحات واسعة شمالي سوريا، يبدو أن العراق يدرك حجم المخاطر المحيطة به، حيث تتكثف الجهود لتأمين الحدود ومنع أي تداعيات سلبية قد تؤثر على استقراره الداخلي.
وكان قد أكد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وقوفه إلى جانب الحكومة السورية، وقال إن بلاده “لن تقف مكتوفة الأيدي”.
اقرأ أيضاً: تعزيزات إيرانية في سوريا وإجراءات عراقية على الحدود – 963+
مواجهة تداعيات الحرب السورية
تأتي هذه الإجراءات وسط تصاعد القتال بين “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة من جهة والقوات الحكومية السورية من جهة ثانية في شمالي البلاد. إذ أطلقت قبل أسبوع الهيئة عملية عسكرية باسم “رد العدوان”، سيطرت خلالها على مدينة حلب ومحافظة إدلب بالإضافة لمناطق في ريف حماة.
والسبت الماضي، أطلق الجيش الوطني السوري المعارض والمدعوم من أنقرة، عملية “فجر الحرية”، استهدف خلالها تل رفعت والشهباء في ريف حلب الشمالي.
وبناء على تلك التطورات، عززت القوات العراقية تواجدها على الحدود من خلال نشر ثلاثة ألوية من الجيش العراقي ولواءين من الحشد الشعبي.
الكاتب والباحث في شؤون الجماعات المسلحة، أحمد بان، والذي يقيم في القاهرة، يرى أن تحركات العراق الأمنية “تعكس إدراكاً عميقاً لتحديات المنطقة، خاصة مع سيطرة الجماعات المسلحة على أكثر من 20% من الأراضي السورية”.
اقرأ أيضاً: اشتباكات بين “تحرير الشام” والقوات الحكومية على محاور حماة – 963+
وأوضح بان في حديث لموقع “963+”، أن “غياب حكومة مركزية قوية في سوريا يؤدي إلى تنامي الفوضى التي تهدد الأمن العراقي ودول الجوار مثل الأردن”.
كما أشار إلى أن “التنسيق مع الحكومة السورية قد يكون محدوداً، مما يجعل البحث عن شركاء ميدانيين أكثر أهمية لضمان الأمن الإقليمي للعراق”.
الحذر من التورط الإقليمي
في السياق ذاته، حذرت الباحثة في الشأن السياسي علياء عباس، والتي تقيم في العراق، من أن الأزمة السورية الحالية “تمثل تحدياً للعراق على مختلف الأصعدة”.
وأوضحت عباس في حديث لـ”963+”، أن الحكومة العراقية “تسعى لتجنب تكرار تداعيات أزمة عام 2014 التي ألقت بظلالها على الوضع الأمني في العراق”، في إشارة لسيطرة تنظيم “داعش”.
وأضافت: “موقف العراق يعكس محاولة للنأي بالنفس عن التورط في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحه، مع التركيز على تعزيز التحصينات الحدودية واتباع الديبلوماسية كأداة للحد من التداعيات”.
وأشارت عباس إلى أن موقف الحكومة العراقية يبدو متوازناً، “حيث تسعى بغداد للعب دور إقليمي فعّال من دون الانخراط المباشر في الصراعات، خاصة في ظل التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط، والتي تشمل الحرب في غزة والأزمة اللبنانية”.
وتزامنت التحركات العراقية مع تقارير تفيد بأن فصائل مدعومة من إيران دخلت الأراضي السورية لتعزيز مواقعها في شمال البلاد. ووفق ما نقلت “رويترز”عن مصدر عسكري سوري، فإن هذه الفصائل تشمل كتائب “حزب الله العراقية ولواء فاطميون، حيث تسعى لدعم القوات الحكومية السورية في مواجهة المعارضة المسلحة.
وأكد وزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي في تصريحات له أن “الجيش العراقي يواصل مهامه لحماية الحدود من أي خطر”، مشدداً على أن “الجيش لن يسمح بتسلل الإرهابيين أو المخربين إلى أرض العراق”.
وكان قد أجرى رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، اتصالاً مع الرئيس السوري بشار الأسد، أعرب فيه عن استعداد العراق لتقديم الدعم في “مواجهة الإرهاب”.