يشهد الشمال السوري، تصاعداً للتوترات بين (هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً)، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، في ظل صراعٍ على النفوذ والسيطرة بين الجانبين يعكس اختلافات عميقة في الرؤى والاستراتيجيات. وبينما يحارب كلا الطرفين جنباً إلى جنب كحليفين على مشارف محافظة حماة السورية، تكشف التحركات العسكرية والتصريحات المتبادلة بينهما عن انقسامات يهدد تحالفهما الراهن.
ويرى محللون أن هذا التصعيد يعكس مرحلة معقدة من التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، حيث تلعب تركيا دوراً محورياً عبر دعمها للجيش الوطني، ما يضعها في مواجهة ضمنية مع “هيئة تحرير الشام” التي تسعى لفرض هيمنتها. وهذه الديناميكيات، وفقاً للمحلل السياسي والعسكري الأردني عامر السبايلة، “قد تعمق الانقسامات وتخلق مشهداً أكثر تعقيداً، مع احتمالات لتغييرات دراماتيكية في خريطة السيطرة شمال سوريا”.
بيان ضد “الهيئة”
في بيان صدر اليوم الثلاثاء، أدانت فصائل غرفة عمليات “فجر الحرية” ممارسات “هيئة تحرير الشام” التي اعتبرتها “متناقضة مع دعوات الوحدة”.
وأكدت الفصائل على “التزامها التاريخي بمواجهة النظام السوري وميليشياته”، محذرة من أن تصرفات الهيئة “تعزز المكاسب الحزبية على حساب المصلحة العامة للثورة، مما يضعف الجهود المشتركة لتحقيق تطلعات الشعب السوري”.
وأشار البيان إلى أن “المرحلة الحالية تتطلب توحيد الجهود ونبذ الخلافات لمواجهة التحديات وضمان الحرية والكرامة للشعب السوري”.
اقرأ أيضاً: “تحرير الشام” والفصائل تواصل الهجوم في حماة من 4 محاور – 963+
توسع عسكري يفاقم الخلافات
كشف مصدر من فصائل المعارضة المسلحة لـ”963+” أن الخلافات نشبت بعد مطالبة “هيئة تحرير الشام” من فصائل “الجيش الوطني” بإخلاء المواقع التي سيطروا عليها شمال حلب.
وأضاف: “عملية ردع العدوان التي أطلقتها الهيئة أدت إلى توسيع سيطرتها في إدلب وريف حلب الغربي. ومع ذلك، أثارت هذه التحركات غضب فصائل الجيش الوطني، التي اعتبرتها تهديداً مباشراً لنفوذها”.
وأشار المصدر إلى أن “الهيئة طالبت بعض فصائل الجيش الوطني بإخلاء مواقعها شمال حلب، ما زاد من حدة التوترات. فمثل هذه الممارسات تعكس اختلافاً جوهرياً في الاستراتيجيات”.
لكن مصدراً آخر مقرّباً من “هيئة تحرير الشام” كشف لـ 963+ أن أسباب التوترات الحالية بين الهيئة والفصائل المدعومة من تركيا والتي تطفو على السطح تعود لمقتل عنصرٍ من “الهيئة” على يد مقاتل ينتمي للفصائل المتحالفة معها جرّاء نشوب خلافٍ بين الطرفين في موقعٍ كانت قد انسحبت منه القوات الحكومية السورية.
وُعِرف عن الفصائل المدعومة من تركيا منذ سيطرتها في شمال سوريا، الاقتتال الداخلي في صفوفها لاسيما مع تعدد أسمائها وقادتها وشعارتها، وهو الأمر الذي حصل مراراً وأدى لفوضى أمنية عارمة في عدّة مدنٍ سورية تخضع لسيطرتها مثل جرابلس والباب وعفرين، وفق ما أوردت منظمة حقوقية دولية بينها “هيومن رايتس وتش”.
اقرأ أيضاً: جرحى مدنيون بهجوم “الجيش الوطني” على الشيخ مقصود بحلب – 963+
البعد الإقليمي والدولي
اعتبر المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة، في حديث لـ”963+” أن تصاعد الخلافات بين فصائل المعارضة “يعكس اختلافاً عميقاً في الولاءات والتحالفات”.
وأوضح أن تركيا، التي تدعم الجيش الوطني السوري، “تجد نفسها في مواجهة مع هيئة تحرير الشام، خاصة مع سعي الهيئة لتقديم نفسها كقوة قائدة للمشهد”.
وأشار السبايلة إلى أن هذه الخلافات “قد تدفع تركيا إلى محاولة إدانة هيئة تحرير الشام كـ”حركة إرهابية”، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد للمشهد”.
كما حذر من “خطر الانقسامات الداخلية، متوقعاً أن تمتد التحركات إلى مناطق أخرى مثل دير الزور والبوكمال، في ظل تصاعد التنافس على النفوذ”.
وأضاف أن “تداخل المصالح الإقليمية والدولية، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة وروسيا، يزيد من تعقيد الوضع، خاصة مع انشغال موسكو بملفات مثل الحرب الأوكرانية، ما يتيح فرصاً لتحولات ميدانية سريعة”.
وتواصل “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا هجماتها في محافظة حماة شمال غربي سوريا، في محاولة للوصول إلى مركز المحافظة، في إطار عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها في السابع والعشرين من الشهر الماضي، وسيطرت خلالها على مدينة حلب ومحافظة إدلب.
والسبت الماضي، كان قد أعلن الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، بدء عملية “فجر الحرية” في ريف حلب الشرقي. وقال الجيش في بيانات متتالية، حينها، إنه سيطر على عدة قرى ومناطق ومطار عسكري شرقي حلب.