تجلس سميرة بدري (30 عاماً) على أطراف مخيم مؤقت في مدينة الطبقة بريف الرقة، شمالي سوريا، وهي تحتضن والدتها المسنّة التي لم تتوقف عن السعال منذ وصولهما. تقول سميرة بحسرة لموقع “963+”: “عندما كنا في مخيمات الشهباء، كنا نحلم بالعودة إلى عفرين، أما الآن، بعد نزوحنا الثاني، صار الحلم مستحيلاً. خرجنا من تل رفعت دون أن نحمل شيئاً، حتى أدوية والدتي تركناها خلفنا”.
سميرة هي واحدة من آلاف النازحين الذين وصلوا أمس الاثنين، إلى مدينة الطبقة، قادمين من منطقة الشهباء وتل رفعت في ريف حلب الشمالي. هؤلاء النازحون، ومعظمهم من مهجري مدينة عفرين، اضطروا للرحيل مرة أخرى بعد تعرضهم لحصار وقصف من فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا.
مأساة النزوح تتكرر
وصلت الدفعة الأولى من النازحين إلى الطبقة، بحسب ما ذكر شيخوس أحمد مدير مكتب شؤون النازحين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مشيراً إلى أن العدد الإجمالي قد يتجاوز 120 ألف نازح مع وصول دفعات أخرى.
وأوضح أحمد لموقع “963+”، أن النازحين يشملون مهجري عفرين، بالإضافة إلى أهالي الشهباء وتل رفعت، وبعض سكان السفيرة والنبل والزهراء، الذين غادروا مناطقهم بسبب التصعيد العسكري الأخير.
وأضاف أحمد: “بين النازحين أطفال ونساء وكبار في السن، تعرضوا للبرد القارس والجوع والعطش ووقفوا لساعات في العراء قبل إجلائهم. ناشدنا المنظمات الدولية لدعمنا في استقبالهم وتأمين المستلزمات الأساسية لهم، لكن الإمكانيات المتاحة لدينا محدودة جداً”.
تصعيد عسكري وحصار خانق
التصعيد العسكري بدأ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عندما شنت فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا عملية “فجر الحرية” في ريف حلب الشمالي والشرقي، تزامناً مع عملية “ردع العدوان” التي نفذتها “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، ضد القوات الحكومية السورية وفصائل موالية لإيران في ريف حلب الغربي وإدلب الشرقي.
هذا التصعيد أدى إلى حصار عشرات الآلاف من المدنيين في منطقة الشهباء، ما دفع مجلس شعب عفرين والشهباء إلى إصدار بيان عاجل صباح الاثنين، أعلن فيه قرار الخروج “منعاً للمجازر بحق الأبرياء”.
اقرأ أيضاً: الآلاف عالقون.. فصائل سورية معارضة تمنع أهالي الشهباء من العبور
وقال مصدر محلي لموقع “963+”، أمس، إن “فصيل “العمشات” التابع للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، منع أكثر من 100 ألف شخص من الخروج من الشهباء نحو مناطق شمال شرقي البلاد”.
ولكن وبعد تنسيق مع الفصائل المسلحة والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بدأت القوافل بالخروج باتجاه الطبقة والرقة. إلا أن مصادر محلية أفادت لـ”963+” بأن بعض القوافل لا تزال عالقة بسبب أعطال ميكانيكية، مما يزيد من معاناة النازحين.
وبتنهيدة يقول آلان محمد (63 عاماً)، وهو نازح آخر وصل إلى الطبقة، لـ”963+”: “برد وقصف وجوع وبكاء أطفال، الوضع كارثي. ما يحدث هو إبادة بحق الكرد”.
اقرأ أيضاً: الآلاف من مهجري الشهباء يصلون الرقة وغوتيريش يدعو لوقف التصعيد في سوريا
أزمة طبية خانقة
مصادر طبية في الطبقة أكدت لـ”963+” أن الأعداد الكبيرة للنازحين فاقت طاقة المراكز الصحية، خصوصاً مع وجود عدد كبير من المرضى من كبار السن والأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة وأعراض البرد القارس.
وأوضح أحد الأطباء في الطبقة، أن “الطواقم الطبية تعمل بكامل طاقتها لكنها بحاجة ماسة لدعم دولي يشمل الأدوية والمعدات الأساسية”.
ويرى الحقوقي السوري خالد جبر، أن ما يحدث في الشهباء وتل رفعت وأحياء أخرى في حلب هو “تهجير قسري” يرقى إلى كونه “جريمة ضد الإنسانية” وفق القانون الدولي.
ويؤكد جبر لـ”963+” أن “هذه العمليات تتم على أيدي جماعات مصنفة على قوائم الإرهاب ومدعومة من دول إقليمية، وعلى رأسها تركيا”.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات قد تؤدي إلى تغييرات ديموغرافية خطيرة في المنطقة، مما يهدد مستقبل النسيج الاجتماعي السوري.
ووسط هذه المعاناة، دعت منظمات حقوقية سورية المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لفتح ممرات إنسانية آمنة، وتأمين وصول المساعدات الغذائية والطبية. كما طالبت بمراقبة دولية لحماية المدنيين وضمان تطبيق القوانين الدولية التي تحمي النازحين.
أعداد النازحين
بحسب الإحصائيات الرسمية ل”مجلس شعب عفرين والشهباء”، كان يعيش نحو 200 ألف نازح في خمسة مخيمات بمنطقة الشهباء وتل رفعت قبل النزوح الأخير. ومع استمرار وصول القوافل إلى الطبقة والرقة، تتفاقم الحاجة إلى جهود دولية عاجلة لاحتواء الأزمة.
في مدينة الطبقة والرقة، تتكدس الأسر في خيام ومراكز إيواء مؤقتة، أقيمت مؤخراً في الملعب بالطبقة والرقة إضافة لوضع عائلات في المدارس. بينما يواجه الأطفال والنساء وكبار السن معاناة مضاعفة.
وعلى الرغم من الجهود المحلية لتأمين الحد الأدنى من المساعدات، تبقى الحاجة إلى دعم دولي حتمي لإنقاذ حياة هؤلاء النازحين، الذين وجدوا أنفسهم عالقين في دوامة النزوح المستمرة.