شهدت مناطق شمال غرب سوريا تطورات عسكرية متسارعة، حيث سيطرة “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وفصائل عسكرية موالية لتركيا على كامل محافظة إدلب ومدينة حلب وريفها الغربي، وأجزاء من ريف حماة خلال أربعة أيام فقط.
في نهاية أواخر اليوم الرابع، أعادت القوات الحكومية السورية انتشارها على مشارف مدينة حماة التي كانت قاب قوسين من دخول “الهيئة” والفصائل المشاركة معها في الهجوم، وأعاقت قدمها، لتبدأ الطلعات الجوية لطائرات الحربية الحكومية والروسية على مناطق بأرياف حلب وإدلب وحماة.
منذ الأربعاء الماضي، تشنّ “هيئة تحرير الشام” وفصائل موالية لتركيا عملية عسكرية أسمتها “ردع العدوان”، التي بدأت بريفي حلب الغربي وإدلب، حتى وصلت إلى حماة جنوباً وريف حلب الشرقي.
العملية العسكرية، حازت على ردود فعل واهتمام دولي، بسبب التمدد السريع وانهيار شبه كامل للقوات الحكومية التي استجمعت قواها بريف حماة الشمالي. ويرى محللون أن القوات الحكومية ستستعيد ما خسرته من مناطق كما أن الهجوم سيؤدي إلى إنهاء الفصائل المشاركة في إدلب.
التدخل الدولي
علقت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والجامعة العربية على الأحداث التي تشهدها سوريا، وسيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا على مدينة حلب ومناطق بريفها وريف إدلب وحماة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت في بيان أمس الأحد، إن “الولايات المتحدة ليس لها علاقة بالهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، التي تصنف منظمة إرهابية”.
فيما يتهم مصطفى رستم، محلل سياسي يقيم في دمشق، تركيا وإسرائيل بالضلوع والتخطيط للهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام” وفصائل عسكرية معارضة مدعومة من أنقرة على القوات الحكومية في في محافظات حلب وإدلب وحماة.
اقرأ أيضاً: سوريا محور مباحثات دولية والإدارة الذاتية تطالب بدعم لحماية المنطقة
ويوضح في تصريحات لموقع “963+”، أن الهجوم كان ورقة أخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن فشل في الحصول على تنازلات من الحكومة السورية، على حد قوله.
ويضيف أن القوات الحكومية أعادت انتشارها وتمركزها بشكل جيد، وأعاد “تحرير الشام” والمجموعات التي تدعمها أنقرة إلى حجمها الطبيعي، وبدأ الجيش بكيل الضربات لتلك الجماعات، طبقاً لقوله.
قبل ذلك، بحث الرئيس السوري بشار الأسد السبت الماضي، في اتصالات هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، آخر التطورات في سوريا وملفات إقليمية أخرى.
وأكد السوداني أنّ أمن سوريا والعراق هو أمر مشترك بين البلدين، مشدداً على استعداد بغداد لتقديم كل الدعم اللازم لدمشق لمواجهة الإرهاب وكافة تنظيماته، مشيراً لتمسك بلاده باستقرار سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها.
وقبل عرقلة الهجوم، بحث الأسد أيضاً مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، التطورات الأخيرة في سوريا وعدداً من الملفات الإقليمية.
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) حينها إنّ “الرئيس الأسد شدد خلال الاتصال على استمرار سوريا في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين وداعميهم، وهي قادرة وبمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما اشتدت هجماتهم”.
لكن، رستم يشير إلى أن الاتصالات الدولية لن توقف الهجمات التي شنتها الجماعات المسلحة على القوات الحكومية، لأن وضع المعارك اختلف ووضع الحكومة السورية إقليمياً ودولياً كذلك، وكانت الاتصالات مجرد تأكيدات من الدول التي أعادت علاقاتها مع دمشق على دعمها وتوفر الغطاء السياسي.
وأمس الأحد، أعلنت وزارة الخارجية السورية، عن إجراء بسام صباغ محادثات هاتفية مع نظيريه في الأردن وفنزويلا ونائب رئيس الوزراء العراقي تناول فيها الأوضاع في سوريا، والتطورات العسكرية الأخيرة.
يتابع رستم، بالقول أن الاتصالات الدولية التي أُجريت مع دمشق، هي تبرئة تلك الدول لساحتها، خاصة أن بعضها كان في وقت سابق داعماً للمعارضة المسلحة ضد الحكومة السورية، في حين تؤيد في الوقت الحالي حق دمشق في الدفاع عن نفسها.
انتشار إلى ما بعد أستانة
توقع أن يعود انتشار القوات الحكومية إلى ما بعد اتفاق أستانة، مشيراً إلى أن مسلحي “تحرير الشام” والفصائل العسكرية سيدفعون ثمن توسعهم الكبير في المنطقة التي سيطروا عليها دون معدات، بسبب إعادة القوات الحكومية لتنظيم صفوفها وانتشارها من جديد.
ويعتقد أن “الأسابيع القادمة حبلى بإنجازات للجيش السوري”، الذي سينهي أي تواجد عسكري لتلك الجماعات، ستنتهي جميع المظاهر المسلحة خارج جسم الدولة، ومن ثم سيبدأ العمل على تسوية للأزمة السورية.
اقرأ أيضاً: تباين في قراءة زيارة عراقجي.. صراع المصالح وتحوّلات النفوذ في سوريا
ورفض المحلل السياسي اتهام روسيا بالتخاذل أمام تحركات “هيئة تحرير الشام”، مشيراً إلى أن لروسيا مصالح عليا تفوق تنفيذ اتفاقات الدفاع المشترك مع الحكومة السورية، إذ أن لموسكو مصالح استراتيجية في سوريا تتعلق بأمنها القومي.
ويوضح رستم أن السيطرة على حي أو قرية كان يحتاج إلى قتال لمدة أسبوع من قبل “تحرير الشام” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، لكن في هذا الانتشار الواسع والسريع كان هناك فخ، لذا فإن مستقبل العمليات العسكرية ستؤدي إلى ما بعد حدود أستانة وبالتالي موتها سريرياً وضمنياً، والبدء بمرحلة جديدة لإنهاء الأزمة السورية، لكن الأمر سيطول وفق اعتقاده.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت في بيانه: “سنواصل الدفاع والحماية الكاملة للأفراد الأميركيين والمواقع العسكرية الأميركية، والتي تظل ضرورية لضمان عدم تمكن تنظيم داعش من الظهور مرة أخرى في سوريا”.
وذكر البيان، أن “الرئيس السوري بشار الأسد فقد السيطرة على مدينة حلب بسبب اعتماده على روسيا وإيران، إلى جانب رفضه المضي قدماً بعملية السلام التي حددها مجلس الأمن الدولي عام 2015″، معتبراً أن “هناك حاجة لتسوية سياسية جادة في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254”.
وأشار، إلى أن “واشنطن كانت على اتصال مع العواصم الإقليمية خلال الـ48 ساعة الماضية لبحث التطورات”، وقال إن “الولايات المتحدة تحث على وقف التصعيد وحماية المدنيين والأقليات”.
فيما دعت فرنسا جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني وحماية السكان المدنيين في مدينة حلب، بعد هجوم “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا عليها.
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان، إن “باريس تتابع بانتباه التطورات العسكرية التي وقعت في حلب، التي تعتبر هي الأولى بهذا الحجم منذ أعوام في سوريا”.
وبينما تهاجم “هيئة تحرير الشام” والفصائل المشاركة معها القوات الحكومية، وجّهت إنذاراً لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) للإخلاء من مدينة حلب والعبور إلى مناطق شمال وشرق سوريا.
في خضم ذلك، أطلق “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا عملية عسكرية أسماها “فجر الحرية” هاجم فيها نقاط انتشار “قسد” في ريف حلب، وسيطر مسلحوه أمس الأحد، على بلدة تل رفعت عقب انسحاب قوات تحرير عفرين وسكان البلدة منها.
وعشية ذلك، بحث وزير الخارجية التركي في اتصالات هاتفية مع نظيره السعودي والعراقي، التطورات المتلاحقة في سوريا، فيما لم تذكر الخارجية التركية مزيداً من التفاصيل.
اقرأ أيضاً: تصعيد عسكري في تل رفعت: معارك عنيفة بين “قسد” والفصائل الموالية لتركيا
والأحد، أيضاً أبلغ الوزير التركي نظيره الأميركي أنتوني بلينكن بأنّ أنقرة لن تسمح بـ”التهديدات الإرهابية لأمنها أو المدنيين السوريين”. ودعا فيدان في اتصال هاتفي مع بلينكن إلى إحراز تقدم في العملية السياسية بين الحكومة والمعارضة في سوريا لاستعادة السلام.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّ تل أبيب تتابع ما يجري في سوريا، مضيفاً أنّ الجيش سيرد بقوة على أي انتهاك لوقف إطلاق النار في لبنان.
وخلال زيارته قاعدة الاستقبال والفرز في تل هشومير بإسرائيل اليوم الأحد، قال نتنياهو: “نحن نتابع بشكل مستمر ما يحدث في سوريا، ومصممون على حماية المصالح الحيوية لدولة إسرائيل والحفاظ على إنجازات الحرب”.
الموقف الأميركي
يقول حازم الغبرا، مستشار سابق في وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة لم تنخرط بما يجري في شمال غربي سوريا، ولم تقدم أي شكل من أشكال الدعم سواء المادي أو الاستخباراتي.
ويضيف الغبرا في تصريح لموقع “963+”، أن موقف واشنطن من “هيئة تحرير الشام”، واضح، إذ أنها مدرجة على القائمة السوداء، كجماعة إرهابية دولية، ولم يتغير. لكنه لم يستبعد أن يتغير الأمر مستقبلاً مع توجهات وبنية “الهيئة”، على حد قوله.
ولا يعتقد المستشار السابق المقيم في واشنطن أن الولايات المتحدة تبحث عن حرب جديدة في المنطقة التي عانت من حروب خلال العام الماضي بعضها لا يزال مستمراً، ويشير إلى أن واشنطن “قلقة وتراقب بحذر ما يجري في سوريا”.
وعلقت الأمم المتحدة على مستجدات الوضع السوري بالقول، إنّ النزاع في سوريا يترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي. وحثّ منسق المنظمة الدولية للشؤون الإنسانية في سوريا جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية على الفور، مؤكداً أنّ الحوار بين الأطراف هو السبيل الوحيد لحل الأزمة.
وتدرك واشنطن أن ما يجري في سوريا نتيجة طبيعية نتيجة فشل كل من روسيا والحكومة السورية في تنفيذ بنود مباحثات اللجنة الدستورية والعمل بالقرار الأممي 2254 المتعلق بإيجاد حل للأزمة السورية عبر انتقال سياسي، وفقاً للغبرا.
ويلفت إلى أن “النظام السوري” تعامل مع الشعب في شمال غربي سوريا كعدو في مرحلة قبل مباحثات اللجنة الدستورية وما بعدها وليس من السوريين، ثم أن الشعب هناك سئم من إطالة أمد الحل السياسي.
اقرأ أيضاً: قمحانة وخطاب.. خط الدفاع الأخير لحماة أمام تقدم “تحرير الشام”
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مساء أمس الأحد، إنّ “ما يحدث في سوريا هو نتاج فعل الرئيس السوري بشار الأسد، لكننا قلقون أن هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية لها دور فيما يحدث”.
وأضاف في تصريحات صحفية، أنّ “الحكومة السورية وداعميها يعانون من أجل تحقيق مكاسب على الأرض”. وأشار إلى أنّ “القوات الأميركية في سوريا موجودة لمحاربة تنظيم داعش وليست طرفاً فيما يحدث”.
لكن، بشار الأسد، شدد أمس الأحد، على أنّ “الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة، وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاته”، خلال اتصال هاتفي مع القائم بصلاحيات الرئيس في جمهورية أبخازيا باردا غومبا.
فيما أكد البيت الأبيض، أنّ اعتماد الحكومة السورية على كل من روسيا وإيران، كان العامل الأكثر حسماً وراء خسارته لمناطق في محافظات حلب وإدلب وحماة لصالح “تنظيمات إرهابية”.
ويشير الغبرا إلى عدم وجود نية أميركية أو موعد لتغيير انتشارها في سوريا، لا سيما في شمال شرق البلاد، ويرى أن واشنطن قد تزيد من قواتها إذا ما رأت أي تهديد لجنودها هناك.
ويتابع أن الولايات المتحدة قد تزيد من عدد جنودها في سوريا في حال وجود أي تهديد لشركائها أيضاً، ويتوقع أن تدافع واشنطن عن قوات سوريا الديموقراطية (قسد) إذا ما كان هناك خطر متزايد.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي في تصريحاته الصحفية: “لا نعتقد أن ما يحدث يشكل خطراً إضافياً على قواتنا”، مضيفاً: “نراقب عن كثب ما يحدث في سوريا ونحن على تواصل مع شركائنا في المنطقة بهذا الشأن”.
اقرأ أيضاً: واشنطن تتهم الأسد بما يحدث في سوريا وعراقجي يصل إلى دمشق
ويضيف الغبرا أن قواعد الاشتباك بالنسبة للقواعد الأميركية واضحة، وهي أنه لا يمكن لأي قوات غير صديقة الاقتراب من تلك القواعد دون أن يكون هناك رد أميركي سريع وفعّال.
ويقول: إنه “أكبر خطأ قد ترتكبه هيئة تحرير الشام هو التوجه نحو شرق سوريا حيث تتواجد قسد، لأنه لن يكون هناك لهذه الجماعات سوى الموت”.
لكن في الوقت ذاته، لا ترغب الولايات المتحدة بأن تكون مدافعة عن “النظام السوري” عبر دخول مواجهة مباشرة مع “هيئة تحرير الشام”، وهذه الأخيرة والفصائل تعي ذلك، لكنها تواجه أيضاً ضغوطاً تركية للتوجه شرقاً إلى مناطق سيطرة “قسد”، على حد قول الغبرا.
واعتبر المستشار السابق أن توجّه الفصائل المدعوم و”تحرير الشام” صوب مناطق “قسد” والتحالف الدولي، فكرة سيئة لأنها “ستنتزع هزيمة” في خضم نجاحاتها ضد القوات الحكومية.