وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في الشمال السوري، وتحولات سياسية قد تعيد تشكيل خارطة النفوذ الإقليمي، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى دمشق وأنقرة لتسلط الضوء على الصراع المتشابك بين القوى المؤثرة في الملف السوري. الزيارة التي تُفسَّر على أنها محاولة إيرانية لإعادة تثبيت موقعها في المنطقة تواجه قراءات متباينة تكشف عن تصادم المصالح الإقليمية والدولية.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن زيارة يجريها عراقجي، إلى العاصمة السورية دمشق اليوم الأحد، قبل أن يتوجه إلى العاصمة التركية أنقرة، لبحث التطورات الأخيرة شمالي سوريا.
وقالت الخارجية الإيرانية في بيان إن عراقجي سيتوجه إلى دمشق اليوم الأحد لإجراء محادثات مع مسؤولي الحكومة السورية، ومن ثم سيغادر إلى أنقرة، مضيفة أنه بعد التشاور مع السلطات التركية سيغادر إلى الوجهة التالية، دون أن تحددها.
وبحسب البيان، فإن عراقجي “سيتوجه قريباً إلى عدة دول في المنطقة للتشاور حول القضايا الإقليمية، وخاصة التطورات الأخيرة”.
حالة ضعف غير مسبوقة
أكد المحلل السياسي السوري، جودت الجيران، والذي يقيم في ألمانيا، أن زيارة عراقجي إلى دمشق تأتي “في وقت يعاني فيه النظام السوري من حالة ضعف غير مسبوقة”.
ويرى الجيران، في تصريحات لموقع “963+” أن إيران، “رغم دعمها المتواصل للحكومة السورية، أصبحت غير قادرة على تقديم دعم نوعي كما في السابق، مما يجعل هذه الزيارة تندرج ضمن إطار الدعم المعنوي”.
اقرأ أيضاً: ماذا علقت واشنطن وباريس والجامعة العربية على أحداث سوريا؟ – 963+
وتأتي زيارة عراقجي، بعد أيام من عملية عسكرية أطلقتها “هيئة تحرير الشام” تحت اسم “ردع العدوان” كانت قد شهدت تقدماً سريعاً في الأيام الماضية حيث سيطرت خلالها على مدينة حلب ثم محافظة إدلب، وأمس السبت أعلنت سيطرتها أيضاً على عدة بلدات وقرى مثل في ريف حماة، وهي: كفرنبودة، اللطامنة، ومورك، ما دفع القوات الحكومية لتعزيز دفاعاتها حول حماة.
ورغم أن تلك الفصائل لا تتحرك إلا بأوامر من تركيا، إلا أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قال إن بلاده “ليست منخرطة في الصراعات الدائرة في حلب”، مؤكداً في الوقت نفسه أن أنقرة “تتخذ احتياطاتها، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى موجهة هجرة جديدة”.
ولكن الجيران يرى أن “الفصائل المسلحة حصلت على دعم تركي مباشر، وسط تراجع واضح في الموقف الروسي، ما يعزز احتمالات إعادة صياغة المعادلة الميدانية في الشمال السوري”.
كما يلفت إلى أن “التحركات الأميركية قد تكون رسالة ضمنية للحكومة السورية للحد من اعتمادها على طهران، مما يضع الحكومة أمام خيارات صعبة تتعلق بتحالفاتها الإقليمية”.
اقرأ أيضاً: اشتباكات في حلب و “تحرير الشام” والفصائل تسيطر على مناطق جديدة – 963+
التناقض مع الرؤية الإيرانية
يشير الجيران إلى أن زيارة عراقجي “تهدف إلى فهم مستقبل الدور الإيراني في سوريا، وسط تحركات تركية جريئة تسعى لاستثمار الضعف الروسي لتحقيق مكاسب ميدانية”.
ويعتبر أن “الحكومة السورية قد فقدت فرصة استعادة المناطق الكبرى شمال البلاد، مما يعمق حاجتها إلى حلفاء أقوى أو إعادة النظر في استراتيجيتها”.
بينما يرى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، الذي يقيم في إسطنبول، أن زيارة عراقجي “تمثل أهمية لإيران، التي تخشى فقدان نفوذها الإقليمي الممتد إلى لبنان عبر سوريا”.
ويؤكد جوناي، في تصريحات لـ”963+” أن المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة مؤخراً، خاصة أطراف حماة وسط سوريا وسعيها للوصول إلى محافظة حمص، “تعد شرايين حيوية للإمدادات الإيرانية إلى حزب الله”.
ويرى المحلل السياسي التركي، أن “تركيا تسعى لتغيير ديناميكيات الصراع عبر دعم الفصائل المسلحة، لكنها تواجه تناقضات داخلية في سياساتها تجاه الحكومة السورية”.
وفي الوقت نفسه، يحذر جوناي، من أن “غياب البديل لنظام الأسد قد يؤدي إلى فراغ تستغله الجماعات المتطرفة، مما قد يبرر تدخلات دولية جديدة، خاصة من قبل إسرائيل”.
التعارض التركي-الإيراني
قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأحد، في كلمة أمام البرلمان: “ليس لدينا أي أطماع تجاه حدود الدول الأخرى، ونؤمن بأن دول المنطقة يجب أن تحل مشاكلها عبر الحوار”.
وأوضح: “في الظروف الراهنة، من الضروري تحسين العلاقات مع الدول المجاورة وحل سوء الفهم عبر الحوار، إيران الآن في وضع أفضل مقارنة بالماضي”.
لكن جوناي يشدد على أن تركيا تسعى “لإضعاف الدور الإيراني في سوريا، خاصة عبر دعم الفصائل المسلحة التي تهدد الإمدادات الإيرانية إلى لبنان”. كما يلفت إلى ضرورة “مراقبة التحركات الإيرانية التي قد تسعى إلى تعطيل مشاريع تركيا في الشمال السوري، بما في ذلك محاولات التقارب بين دمشق وأنقرة”.
أما المحلل الإيراني كميل البوشوكه، والباحث في مجال القانون الدولي في معهد الحوار، في لندن، فيرى أن التطورات الأخيرة “تشكل صدمة لطهران، التي ترى في فقدانها لمناطق شمال سوريا تهديداً مباشراً لنفوذها الإقليمي”.
ويشير البوشوكه في حديث لـ”963+” إلى أن “الحكومة السورية بدأت تظهر تراجعاً في التزامها بالتعاون مع إيران، مما يفرض على طهران اتخاذ خطوات طارئة لضمان مصالحها الاستراتيجية”.
ويرى المحلل السياسي الإيراني، أن إيران تسعى من خلال زيارة عراقجي “إلى تهدئة الوضع مع أنقرة ومحاولة منع تقاربها مع دمشق”.
لكنه يشير إلى أن “تركيا تستغل ضعف إيران لتعزيز نفوذها، خصوصاً في ظل دعم أميركي محتمل للتحركات التركية في سوريا”.
اقرأ أيضاً: ماذا علقت واشنطن وباريس والجامعة العربية على أحداث سوريا؟ – 963+
تناقض داخلي في الموقف الإيراني
يشير البوشوكه إلى أن إيران “تعيش مرحلة دفاع عن مكتسباتها الإقليمية، وسط ضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة”. كما يلفت إلى أن زيارة عراقجي “تمثل محاولة لإعادة التوازن الإقليمي، لكنها قد لا تكون كافية في مواجهة التحولات الميدانية المتسارعة”.
وقال الرئيس الإيراني، إنه “يتوجب على الدول الإسلامية التدخل حول ما يجري في سوريا لمنع استغلال واشنطن وتل أبيب للصراعات الداخلية في الدول، ووضع حد لاستمرار هذه الأزمات”.
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت، قال في بيان سابق اليوم، إن “الرئيس السوري بشار الأسد فقد السيطرة على مدينة حلب بسبب اعتماده على روسيا وإيران، إلى جانب رفضه المضي قدماً بعملية السلام التي حددها مجلس الأمن الدولي عام 2015″، معتبراً أن “هناك حاجة لتسوية سياسية جادة في سوريا وفق قرار مجلس الأمن 2254”.