دعت حكومة “الإنقاذ”، التي تتخذ من محافظة إدلب السورية الواقعة شمال غربي البلاد، مقرّاً لها، والعاملة تحت مظلة (هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً)، روسيا إلى إعادة النظر في ارتباط مصالحها بالحكومة السورية، ويأتي ذلك بينما تؤكد الباحثة في العلاقات الدولية بمدرسة الاقتصاد العليا بموسكو، لانا بدفان، أن دعم موسكو لدمشق “يمثل خياراً استراتيجياً يصعب التخلي عنه”.
ووجهت حكومة “الإنقاذ”، أمس الجمعة، رسالة إلى روسيا بالتزامن مع التطورات الميدانية في الشمال السوري، حيث دخلت “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المشاركة في عملية “ردع العدوان” مدينة حلب مساء الجمعة.
وأكد بيان صادر عن “إدارة الشؤون السياسية” أن “الثورة السورية لم تكن موجهة ضد أي دولة أو شعب، بما في ذلك روسيا”، مشدداً على أن هدفها الأساسي هو “تحرير الشعب السوري من العبودية وبناء دولة حرة مستقلة”.
ودعا البيان، الذي صدر باللغات العربية والروسية والإنجليزية، موسكو “إلى عدم ربط مصالحها بالحكومة السورية أو بشخص بشار الأسد، بل بالشعب السوري”. كما أكد البيان على “استعداد السوريين للتعاون مع روسيا كشريك محتمل في بناء مستقبل مشرق لسوريا”.
موقف روسيا بين الاستراتيجية والديبلوماسية
بالتزامن مع ذلك، علقت الباحثة في العلاقات الدولية بمدرسة الاقتصاد العليا بموسكو، لانا بدفان، على التحركات السياسية الأخيرة، مشيرة إلى أن “موسكو ترى في مثل هذه البيانات شكلًا من أشكال الضغط السياسي”، لكنها تؤكد في الوقت نفسه لموقع “963+” أن “دعم الحكومة السورية يمثل خياراً استراتيجياً يصعب التخلي عنه”.
وأوضحت بدفان أن “روسيا قد تأخذ بعين الاعتبار أهمية التواصل مع مختلف أطياف الشعب السوري بحسن نية، باستثناء المجموعات المصنفة “إرهابية” وفق المعايير الدولية، إذا كان ذلك يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي”.
وأشارت إلى أن موسكو تسعى “لتعزيز دورها كوسيط رئيسي في أي عملية سياسية، مع الالتزام بمصالحها الاستراتيجية والحفاظ على دعمها للحكومة السورية كركيزة أساسية لسياستها”.
رسالة “الإنقاذ” التي بدت تصالحية تجاه روسيا تتناقض مع التصريحات السابقة لـ”هيئة تحرير الشام”. ففي تموز/ يوليو الماضي، صرحت الهيئة بأن “أي وجود عسكري روسي في سوريا يمثل احتلالًا يدعم نظاماً قتل وهجّر الملايين من السوريين”، مؤكدة على “مشروعية مقاومة هذا الوجود بكل الوسائل”.
ذا التناقض، وفق محللين، قد يعكس انقسامات داخل أجنحة المعارضة، أو محاولة لتقديم خطابات متعددة تستهدف توسيع نطاق الدعم الدولي والإقليمي.
تحذيرات متبادلة وتصعيد ميداني
على صعيد متصل، نفت حكومة “الإنقاذ” مزاعم روسية بوجود عناصر تابعة للاستخبارات الأوكرانية في إدلب، معتبرة أن “هذه الادعاءات تهدف إلى تشويه الثورة السورية وتحويل الشمال الغربي إلى ساحة صراعات دولية”.
وبعد الدعوة التي وجهتها حكومة الإنقاذ لروسيا، شنت الأخيرة غارات جوية على مناطق هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية، في شمال غربي سوريا.
وشن الطيران الروسي قبل قليل غــارة على منطقة الصوامع بمحيط مدينة الباب شمالي سوريا.
ومساء أمس الجمعة، أعلن الجيش الروسي، عن تنفيذ عدة ضربات ضد فصائل المعارضة التي تتقدم في معارك بمواجهة القوات الحكومية السورية في محافظتي حلب وإدلب شمال وشمال غربي البلاد.
وقال قائد القوات الجوية الفضائية الروسية ونائب رئيس مركز المصالحة بين الأطراف المتصارعة في سوريا (CRPS) أوليغ إغناتسيك، في مؤتمر صحفي، إنّ “القوات الروسية بالتعاون مع قوات الحكومة السورية تواصل تنفيذ عملية صد الهجمات الإرهابية في محافظتي حلب وإدلب”.
وأضاف إغناتسيك: “سجل مركز المصالحة بين الأطراف المتصارعة تصاعداً مستمراً في الوضع في سوريا نتيجة لهجوم مشترك شنّته جماعة جبهة النصرة ومجموعات معارضة مسلحة أخرى على مواقع القوات الحكومية في محافظتي حلب وإدلب.”
وأوضح أنّ القوات الجوية الروسية، التي تدعم القوات الحكومية، تنفذ ضربات صاروخية وقصفاً على المعدات والقوى البشرية، ومراكز القيادة، والمستودعات، ومواقع المدفعية التابعة للفصائل.
وكشف المسؤول الروسي، عن “تدمير ما لا يقل عن 200 إرهابي خلال الـ 24 ساعة الماضية، وتستمر العملية لصد العدوان”.
كما أفادت مراصد عسكرية محلية أمس، بأنّ الطيران الروسي “شنّ غارات جوية بالصواريخ الفراغية على قريتي فركيا والبارة بريف إدلب الجنوبي، مما أدى لوقوع عدة إصابات بصفوف المدنيين”.
اقرأ أيضاً: “تحرير الشام”والفصائل تسيطر على كامل إدلب وتتقدم في حلب
وفي حلب المدينة سيطرت وحدات حماية الشعب على عدة أحياء تقع داخل المدينة وفي اريافها الشرقية.
وكانت فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، قد أطلقت في وقت سابق من اليوم السبت، معركة أسمتها “فجر الحرية” ضد القوات الحكومية وسيطرت على بلدة تادف بريف حلب الشرقي، بحسب مصدر محلي.
كما سيطرت أيضاً على بلدات عندان وحيان ورتبان وبيانون وحريتان شمال غربي حلب قرب بلدتي نبل والزهراء، بالتزامن مع انسحاب القوات الحكومية من مدينة السفيرة بريف حلب الجنوبي الشرقي، نحو بلدة أثريا في ريف الرقة الغربي.
والأربعاء الماضي، أطلقت “هيئة تحرير الشام” رفقة فصائل معارضة مدعومة من تركيا، عملية عسكرية ضد القوات الحكومية السورية وفصائل موالية لإيران بأرياف حلب وإدلب، أطلقت عليها اسم “ردع العدوان”، وسيطرت لاحقاً على عشرات القرى والبلدات ودخلت مدينة حلب.