منذ توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حزب الله” في لبنان و”حركة حماس” في قطاع غزة، كان التدخل الإسرائيلي عبر القصف الجوي يتصاعد في سوريا، ليكون السؤال الأكثر طرحاً اليوم، ماذا عن النفوذ الإيراني في البلاد التي مزّقتها الحرب منذ عام 2011 وهل بات على وشك الانتهاء؟
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، أي منذ اندلاع النزاع في غزة بين “حركة حماس” وإسرائيل، تصعّد تل أبيب من قصفها داخل سوريا، حيث تستهدف مواقعاً ومقرّات للفصائل الموالية لإيران ولـ “حزب الله” المدعوم منها، كما يستهدف قيادات من الحزب اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني، ناهيك أيضاً عن استهداف القوات الأميركية لمواقع إيرانية داخل سوريا والعراق المجاور.
مساع أميركية وإسرائيلية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا
في هذا السياق يرى الدكتور علاء الدين آل رشي، رئيس المركز التعليمي لحقوق الإنسان في ألمانيا، أن “هناك مساعٍ أميركية وإسرائيلية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بغية تحقيق المعادلة الصفرية في الساحة السورية، فلا رأس ولا حربة ولا أي ظفر يمكن أن يخدش الخرائط الراهنة التي ترسمها الولايات المتحدة، لهذا تستهدف تل أبيب الفصائل الموالية لإيران بضربات جوية”.
ويقول الأكاديمي السوري في تصريحات خاصة لموقع +963 إن “أميركا تريد تقليص النفوذ الإيراني ليس كرهاً في إيران، لأن الولايات المتحدة هي من مهدت لدخولها للأراضي السورية، وإنما لأن الدور الوظيفي لإيران وميلشياتها لابد من تقليمه بعد أن قاموا بنحر الشعب السوري وقمع أي صوت يمكن أن يعارض النظام”، وفق قوله.
ويتابع آل رشي أن ” إسرائيل تريد أيضاً التخلص من النفوذ الإيراني، لذلك نراها تنتهج سياسة واسعة من الضربات الجوية ضد المواقع التي تشتبه بأن إيران تستخدمها لتطوير الصواريخ والأسلحة، وتركز هذه العمليات على منع إيران من تحويل سوريا إلى منصة عسكرية تهدد إسرائيل مباشرة”.
ويوافق آل رشي في طرحه، الدكتور مسعود إبراهيم حسن، الباحث في الشأن الإيراني، فيقول في حديث خاص لـ +963، أن “لدى الولايات المتحدة وإسرائيل خطط كثيرة ومساعي مستمرة للقضاء على النفوذ الإيراني، والدليل هي الإستهدافات الإسرائيلية لمواقع الفصائل الموالية لإيران وقيادات الحرس الثوري”.
استياء بين السوريين من ترسيخ النفوذ الإيراني
ووسط كل ذلك، تصاعد الاستياء الشعبي من الوجود العسكري لإيران و”حزب الله” في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية، حيث جنّدت إيران مقاتلين سوريين في صفوف قواتها بعد إغرائهم برواتب شهرية، علاوة على استحواذها على عقارات في مناطق مكتّظة تقع في ريف العاصمة دمشق.
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” قد كشفت سابقاً في تقريرٍ لها، أن إيران تسعى لشراء المزيد من المنازل والمحال التجارية في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق لتوسيع نفوذها في المنطقة أكثر، وسط حالة من الاستياء لدى أهالي المنطقة من استمرار وجود إيران و”حزب الله” وهيمنتهما على المنطقة.
ويلاحظ الاستياء الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، فعقب كل استهداف إسرائيلي، تخرج ردود غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيكتب أحدهم: “لماذا تخزّن إيران الأسلحة ولماذا تُأجّر الشقق لهم، معقول كل يوم نأكل رعبة بكل المحافظات ويموت مدنيين”، ويكتب آخر: “ارحلوا عنا فقد اكتوينا كثيراً بنار الحرب، ومن يريد القتال فليذهب إلى بلده ويقاتل من أرضه”.
وفي هذا الصدد يقول الباحث المصري، مسعود حسن: “بالفعل هناك استياء شعبي كبير من التواجد الإيراني، فالمتضرر الأول والأخير هو الشعب السوري، كون الاستهدافات التي طالت المواقع الإيرانية قضت على أحياء سكنية كاملة وبنى تحتية”، مشيراً إلى أن “إيران حولت الأراضي السورية إلى ساحة للصراع وتصفية الحسابات مع إسرائيل وأميركا”
.
اقرأ أيضاً: إيران تهيمن على الاقتصاد السوري بمشاريعٍ “طي الأدراج”
موقف دمشق من الاستهداف الإسرائيلي للنفوذ الإيراني
وإزاء هذا التصعيد الإسرائيلي والاستياء الشعبي، وقفت الحكومة السورية على الحياد في النزاع المستمر بين إسرائيل و”حماس”، وهو الموقف الذي اتخذته حيال الحرب في لبنان أيضاً، حتى أن بعض الأوساط الإيرانية كانت قد عبرت عن غضبها من الموقف السوري ووصفته بـ “الخجول” من التصعيد الحالي الذي تشهده المنطقة بأكملها.
ونشرت أكثر من وكالة إيرانية مؤخراً، أن هناك مسؤولين سوريين كبار متورطين في الضربات الإسرائيلية الأخيرة لمواقع وقيادات إيرانية على الأراضي السورية، موضحةً أن إيران تحقق في الأمر وباتت متيقنة أنه لولا وجود جهات سورية تمنح إسرائيل الإحداثيات لما استطاعت الأخيرة استهداف القنصلية الإيرانية بحي المزة في دمشق، وتدمير منازل لقيادات إيرانية في كفر سوسة.
وحول الصمت الحكومي من الاستهدافات الإسرائيلية، كانت قد ذكرت تقارير إسرائيلية أن الإمارات أرسلت رسائل إلى الرئيس السوري بشار الأسد تحذره فيها من أي تدخل لسوريا في الحرب الدائرة في غزة أو هجمات ضد تل أبيب من الأراضي السورية.
روسيا وتركيا مرشحتان لملء الفراغ الإيراني
ويذهب الأكاديمي آل رشي في قراءة المشهد الحالي إلى التأكيد على أنه في حال تراجع النفوذ الإيراني فإن كلا من روسيا وتركيا مرشحتان لملء هذا الفراغ، كلٌ بناء على مصالحه وأهدافه، فيقول: “روسيا الحليف الأقوى للنظام وتسعى لتثبيت نفوذها في المناطق الاستراتيجية مثل الساحل ودمشق”، ويرى أن “روسيا ستكون الخيار الأرجح لملء أي فراغ إيراني”.
ويتابع بأن: “تركيا تركز على المناطق الشمالية من سوريا، وتسعى لمنع تشكيل كيان كردي يهدد أمنها القومي، ومع ذلك يمكن أن توسع نفوذها السياسي والاقتصادي في حال انسحبت إيران جزئياً من المعادلة، خصوصاً عبر بناء تحالفات محلية في المناطق ذات الأغلبية السنية”.
بينما يوضح حسن، أن “مسألة تخلي إيران عن نفوذها وقدراتها في سوريا أمر صعب، فهي ركيزة مهمة بالنسبة للمشروع الإيراني في المنطقة، وإيران ستحارب من أجل استمرار هذا النفوذ”.
ويضيف: “لو حصل وانتهى النفوذ الإيراني فإن روسيا هي من ستملأ الفراغ، وأعتقد أن الرئيس السوري يسعى لذلك، خاصة أنه كانت هناك زيارات متبادلة بين دمشق وموسكو، وهناك رؤية من الجانب الروسي حول قدرته على التواجد في الجنوب السوري بدلاً من إيران والقضاء على المعارضة السورية الموجودة هناك”.
طهران ربطت دمشق بعشرات الاتفاقيات
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قد كشفت في وقت سابق عن مساع إسرائيلية وأميركية لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، بالتعاون مع الأسد، موضحة أن تل أبيب وواشنطن تريدان مساعدة الرئيس السوري في منع إيران من الاستمرار في إمداد “حزب الله” عبر الحدود السورية .
وعلى الرغم من أن الحكومة السورية قد تتلقى دعماً مادياً وسياسياً إذا انخرطت في أي تعاون لتحجيم إيران، إلا أن قدرتها الفعلية على الحد من النفوذ الإيراني تبقى محل شك، فلدى إيران النفوذ العسكري والاقتصادي الواسع في سوريا، وهو ما يجعل أي تقليص لهذا النفوذ يتطلب قرارات استراتيجية صعبة، قد لا تمتلك دمشق القدرة أو الإرادة على اتخاذها.
واستبعد آل رشي وحسن، أن يكون لدى دمشق أي توجه حقيقي للانفكاك عن إيران أو مطالبتها بالانسحاب العسكري من سوريا، كونها ربطت دمشق خلال الصراع السوري بعشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتعليمية والسياسية، ونشرت الفصائل الموالية لها في كافة المناطق السورية.
اقرأ أيضاً: رسائل وتحركات مكوكية: ماذا تخفي زيارة الصباغ لطهران؟
الزيارات المتبادلة بين طهران ودمشق
يشار إلى أن مسؤولين سوريين وإيرانيين كبار تبادلا الزيارات الرسمية خلال الأسابيع الماضية. وقد بدأ أولى الزيارات إلى دمشق علي لاريجاني، مبعوث المرشد الإيراني علي الخامنئي، تلاها حضور وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، وبعدها زيارة وزير الخارجية السوري، بسام صباغ إلى طهران.