استقر مبعوث الأمم المتحدة إلى دمشق، غير بيدرسون، في العاصمة السورية، بعد جولة مكوكية في إطار المساعي لتفعيل اللجنة الدستورية وهي مسار سياسي لحل الصراع في البلاد.
وصل بيدرسون في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، إلى دمشق في زيارة استمرت لعدة أيام أجرى خلالها لقاءات رسمية للبحث في ملف “اللجنة الدستورية”.
وبعد خمسة أيام من وصوله إلى العاصمة دمشق، التقى بيدرسون، وزير الخارجية السوري بسام صباغ. وقال المبعوث عقب اجتماعه إنه “من الضروري للغاية إنهاء الحربين في لبنان وقطاع غزّة لعدم جرّ سوريا إلى الصراع في المنطقة”.
وأضاف: “نمرّ بمرحلة صعبة جداً في المنطقة. علينا أن نجنّب جرّ سوريا الصراع الدائر في لبنان وغزة”. مضيفاً: أن “أكثر من 400 ألف سوري عادوا من لبنان، وهذا يضع مسؤولية جسيمة على الحكومة السورية، وعلى المجتمع الدولي أن يزيد من إمداداته المالية لسوريا”.
ورحّب بيدرسون بالجهود التي تقوم بها الحكومة السورية والتسهيلات المقدّمة للوافدين من لبنان. قال إن “كل هذه القضايا متصلة ببعضها والأهم هو البدء بالعملية السياسية وعودة استئناف عمل اللجنة الدستورية”.
تعطيل روسي
قبيل اللقاء الذي جمع بيدرسون بالصباغ، توقعت مصادر لصحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة السورية، أن يستمر تعطل انعقاد “الدستورية” حتى يحصل توافق على مكان الانعقاد، مع استمرار الرفض الروسي لجنيف كمان للقاء، ورفض المعارضة والولايات المتحدة العواصم العربية كخيار بديل.
وأضافت أن لبيدرسون، قناعة أنه لا بد من انعقاد الاجتماعات في إحدى العواصم العربية المرشحة لاستضافتها (بغداد، والرياض والقاهرة)، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف.
ورجّحت مصادر “الوطن” استمرار تعطل الاجتماعات في ظل هذه المعطيات الحالية، وبانتظار حصول توافق على مكان انعقادها.
ويقول المستشار حسن الحريري، وعضو اللجنة الدستورية لموقع “963+”، إن المسارات المختلفة وصراعات النفوذ تؤثر على اللجنة، إذ أن “هذه الصراعات تحول دون إتمام أعمالها كون هذه القوى لها مصالح وجعلت النزاع السوري ورقة سياسية”.
ويرى أنه “ليس هناك أي مواعيد مقترحة بخصوص انعقاد الجولة التاسعة لأعمال اللجنة الدستورية حتى الآن، وإنما هناك مساعي من قبل المبعوث الدولي لكسر الجمود الذي تمر به العملية السياسية بشكل عام”.
ويوضح أن الجمود “بسبب عدم تجاوب النظام أولاً، وكذلك الموقف الروسي المتضمن عدم السماح لوفد النظام بالمشاركة بحجة أن جنيف غير محايدة”.
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية: مصير اللجنة الدستورية غامض وغير معروف
ويستبعد الحريري تحقيق نجاح من قبل المبعوث الدولي، كون الظروف التي حالت دون انعقاد اجتماعات “الدستورية” ما زالت حاضرة، ولم يتم تخطيها، إذ أن “روسيا متمسكة بعدم الاجتماع بجنيف، والنظام سعيد بهذا الموقف كونه يطيل بأمده”.
وفي 11 من الشهر الجاري، أعربت روسيا عن أملها بحث استئناف اجتماعات “اللجنة الدستورية” السورية، المتوقفة منذ نحو عامين، مع بيدرسون. وقال ممثل الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إن روسيا تأمل في تحديد مكان انعقاد “الدستورية” بحلول نهاية العام الحالي.
وقال لافرنتييف لوكالة “تاس” الروسية، إن سلطنة عمان والسعودية والعراق، عرضت استضافة اجتماعات اللجنة الدستورية. كما عرضت مصر خيارها، القاهرة، وهذا الخيار لا يزال على الطاولة وكانت هناك مقترحات أو خيارات لتنظيم الدورات المقبلة في الرياض.
ما هي اللجنة الدستورية؟
تضم اللجنة الدستورية 50 عضواً ممثلين للحكومة السورية، و50 آخرين من المعارضة، و50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء. وتهدف “اللجنة” للوصول إلى دستور توافقي بين الأطراف السورية.
انطلقت الجولة الأولى من أعمال اللجنة الدستورية في 30 من تشرين الأول/أكتوبر 2019، بمشاركة 150 عضواً، وسط ترحيب ودعم دوليين. فيما عقدت آخر اجتماعاتها في عام 2022، وبقيت خططها معلّقة بعرقلة من روسيا والحكومة السورية منذ ذلك الحين.
وفي منتصف حزيران/يونيو 2022، اقترح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ثلاث عواصم عربية يمكن أن تحتضن اجتماعات “اللجنة” بدلاً من جنيف السويسرية.
وقال لافرنتييف، إن روسيا اقترحت نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو أبو ظبي أو الجزائر، وأشار المبعوث إلى أن استمرار العمل في جنيف بالنسبة لروسيا أصبح صعباً، بسبب الموقف “غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا”، وفق قوله.
اقرأ أيضاً: لافرنتييف يبحث مع المعارضة السورية استئناف محادثات اللجنة الدستورية
وتعتبر روسيا أن سويسرا مكان غير محايد لعقد جلسات “اللجنة”، بسبب موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية الذي أزعج موسكو، في حين لم تمانع روسيا حضور اجتماعات في جنيف متعلقة بقضايا أخرى مثل مناقشات “جنيف الدولية” حول الصراع في جورجيا.
وتتهم روسيا بالوقوف خلف عرقلة مسار “اللجنة الدستورية”. ففي أيار/مايو الماضي، اعتبرت السفارة الأميركية في سوريا أن عدم عقد اجتماعات اللجنة في جنيف “ادعاءات” من روسيا والحكومة السورية؛ هي “تكتيك للمماطلة لتجنب الاستجابة للإرادة المشروعة للشعب السوري وحل الصراع السوري”.
وذكرت أنه في عام 2023، شاركت روسيا في مناقشات “جنيف” الدولية حول الصراع في جورجيا، في إشارة إلى أن موسكو لا تملك مشكلة مع إقامة اجتماعات أخرى في جنيف باستثناء اللجنة الدستورية.
مشكلة في الهيكلية
تقول السياسية والأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية، سميرة مبيّض، إنها صاحبة مبادرة لإعادة هيكلة اللجنة الدستورية لتصبح مسار قادر على البناء والتقدم نحو دولة سوريا الحديثة.
ولفتت إلى جهود بيدرسون حول إعادة تفعيل اللجنة عبر لقاءات مع دول الجوار، اعتمدت على التوصيات لعدة أطراف دولية وإقليمية بضرورة في المسار الدستوري وتفعيل اللجنة.
وتشير إلى أن هذه التحركات والتوصيات اقتصرت على الأطراف الدولية التي ساهمت بشكل مباشر في ارتكاب انتهاكات بحق السوريين، ما جعلها “تحركات عقيمة”.
وتضيف لموقع “963+” أنه لا يمكن للجهات التي تسعى اليوم للدفع بحل سياسي في سوريا، أن تقنع السوريين ممن تم انتهاك حقوقهم لعقود وبشكل خاص في العقد الأخير بأن يأتي الحل عبر هذه المنظومة “الهمجية”، والأطراف التي انتهكت حقوق الإنسان والمواطنة.
وتوقعت أن تبقى تلك التحركات دون جدوى، خاصة مع الشكل القديم للجنة الناتج عن المنظومة القديمة في المنطقة.
وتطرقت إلى تحركات بعض تشكيلات المعارضة في سياق اللجنة الدستورية ووصفتها بأنها “شديدة الخطورة”، لأنها تسعى للهيمنة على المدنيين، في ظل تورط هذه التشكيلات في انتهاكات بحق السوريين، وفق رأيها.
وتابعت: أن “مساعي تلك التشكيلات لفرض نفسها كممثل للمجتمع المدني لن تؤدي لأي نتائج، حتى وإن كان هناك لقاءات موظفين في منظمات”.
اقرأ أيضاً: اللجنة الأممية بشأن سوريا تحذر من أزمة إنسانية وتصاعد العنف
وتحذر مبيّض من أن تتورط منظمات مجتمع مدني في دول لجوء السوريين في تأييد تلك التشكيلات وإعطائها صوتها، كي لا تصبح منظمات مؤدلجة، وتابعة لتلك التشكيلات السياسية.
وتضيف: أن “هناك إجماع دولي وتوافقات إقليمية، وضرورة حيوية داخلية محلية سورية، بأن يكون مسار حل دستوري في البلاد، ووضع دستور جديد يؤسس لدولة حديثة”.
وتعتقد الأكاديمية السورية بضرورة تصويب الأخطاء السياسية والتي أدت إلى ما وصل إليه الحال في سوريا، وإنتاج اللجنة المصغّرة بشكلها القديم، والتي فشلت كونها لا تمثل السوريين، وإعادة هيكلة اللجنة الدستورية انطلاقاً من الجغرافية السورية والاعتراف بالواقع في البلاد.
وتقول إن “بيدرسون يحابي ويتواطأ مع تشكيلات المعارضة، ومن ثم يذهب ليفعل مسار سياسي فاشل على جميع الصعد وغير فاعل، ولن يسهم بأي تقدم بحل الأزمة في سوريا”.