كشف مستشار المرشد الأعلى في إيران، علي لاريجاني، عن موافقة كل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، على مطالب للمرشد الإيراني علي خامنئي، في رسالة حملها إليهما لاريجاني خلال زيارته الأخيرة للبلدين.
وكانت قد كشفت إيران عن زيارة قام بها علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلى سوريا ولبنان، حاملاً رسائل مباشرة إلى الأسد وبري. الزيارة التي وصفتها وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية بأنها “محورية”، أثارت اهتماماً إقليمياً ودولياً في ظل تصعيد التوترات في المنطقة.
وقال لاريجاني في حوار أجرته معه الوكالة الإيرانية: “إن هناك أمراً واحداً واضحاً بشأن الاستعدادات والخلفية اللازمة للرحلة الأخيرة، لأن البلدين اللذين سافرت إليهما وسلمت رسالة المرشد الأعلى، هما الدولتان اللتان تشكّلان الطليعة في هذه المهمة؛ فالصراع في كل من سوريا ولبنان، يوضّح حاجتنا للتحدث مع الأصدقاء في هذين البلدين والتعبير عن دعم إيران لحكومة وشعب لبنان وسوريا”.
ووفق تصريحات لاريجاني، تضمنت الرسائل تأكيداً على أهمية التنسيق مع “جبهة المقاومة” وتعزيز العلاقات مع الحلفاء لمواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة، خاصة في ضوء الأوضاع في لبنان وسوريا. وأشار إلى أن ما يحدث في لبنان، بما في ذلك تحركات “حزب الله”، يتجاوز حدوده الوطنية ويمثل جزءاً من الأمن القومي الإيراني وأمن المنطقة ككل.
وتأتي زيارة لاريجاني في توقيت حساس، إذ تتزامن مع رسالة أميركية تم تسليمها إلى نبيه بري، عضو مجلس النواب اللبناني. الباحثة والمحللة السياسية اللبنانية سوسن مهنا، تشير في تصريحات لموقع “963+” إلى أن هذه الرسالة “تحمل معانٍ متعددة، إذ يبدو أن إيران تسعى لتوجيه رسائل سياسية هامة من خلال التواصل المباشر مع أبرز الشخصيات في كل من سوريا ولبنان”.
ويواصل المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين، تحركاته المكثفة لبحث فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، بموجب مقترح أميركي يقضي بانسحاب الحزب من المناطق الحدودية وانتشار الجيش اللبناني هناك، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وسط تفاؤل بقرب التوصل لاتفاق.
اقرأ أيضاً: هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل لإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار
ردود فعل الأسد وبري على الرسالة
أكد لاريجاني أن الأسد وبري أبدياً دعماً كاملاً لمضمون الرسالة، واعتبرا أن خامنئي يتمتع برؤية استراتيجية لحل أزمات المنطقة. وأضاف أن الجانبين رحبا بمزيد من التعاون مع طهران لتعزيز الاستقرار في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
وخلال زيارته للبنان، التقى لاريجاني رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي شدد على أهمية احترام القرار الدولي 1701، مع ضرورة وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على لبنان. وأكد ميقاتي على أولوية الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن أي تحركات يجب أن تراعي التوازن الداخلي الحساس. من جهته، أكد لاريجاني أن طهران تدعم أي قرار يتفق عليه اللبنانيون، بما في ذلك ملف انتخاب رئيس جديد.
وأكد لاريجاني أنّ طهران تدعم أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية، لا سيما القرار 1701، كما تدعم انتخاب أي رئيس يتوافق عليه اللبنانيون.
اقرأ أيضاً: قادماً من دمشق.. لاريجاني يؤكد دعم بيروت لوقف إطلاق النار
وشددت الباحثة السياسية اللبنانية، على أن الرسالة الموجهة لنبيه بري “قد تعكس دوراً مستقبلياً له كقيادة شيعية ذات طابع سياسي، قد تقبل بشروط مثل سحب سلاح حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني”.
وأوضحت مهنا أن إيران استغلت “حزب الله”، “لترسيخ نفوذها الإقليمي وإنشاء فصائل في مناطق متعددة كاليمن والعراق والبحرين. ومع استمرار استهداف القيادات الإيرانية والإمدادات بين سوريا ولبنان، يبدو أن إيران تراجع استراتيجيتها لضمان بقاء نفوذها، وإعادة ترتيب أوراقها في ظل الضغوط الدولية والإقليمية، في المرحلة المقبلة”.
ورجحت الباحثة السياسية أن المرحلة المقبلة قد تتجه خلالها إيران نحو التهدئة، لكنها لن تكون قريبة، إذ قد تستغرق شهرين أو أكثر حتى يتسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مقاليد الرئاسة، وتتضح السياسة الأميركية في المنطقة، “إذ تسعى إيران إلى استنفاد كامل قدرات حزب الله الميدانية قبل أي تغيير جذري في استراتيجيتها”.
اقرأ أيضاً: رسائل وتحركات مكوكية: ماذا تخفي زيارة الصباغ لطهران؟
أهداف التحرك الإيراني
بالنسبة لسوريا، تأتي هذه الزيارة وسط تقارير عن تغيرات في التحالفات الإقليمية، حيث تواجه إيران تحديات متزايدة في سوريا مع توجه دمشق نحو تعزيز علاقاتها مع الدول العربية التي قد تساهم في إعادة الإعمار. ومع ذلك، تسعى إيران إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا ولبنان، وتعزيز التعاون مع الحلفاء لمواجهة ما وصفه لاريجاني بـ”مشروعات أميركية وإسرائيلية تهدف لإعادة رسم خريطة المنطقة”.
وأكد الأسد خلال لقائه لاريجاني على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وصمود لبنان في مواجهة التصعيد الإسرائيلي. كما تطابقت مواقف البلدين، بحسب وزير الخارجية السوري بسام الصباغ، حول مواجهة إسرائيل ومحاسبتها.
وكان محللون قد أشاروا في تصريحات لـ”963+”، أن “الأسد بات يتجه مؤخراً نحو الدول العربية التي يمكنها دفع فاتورة إعادة الإعمار، متخلياً عن إيران التي باتت عبئاً اقتصادياً وسياسياً”.
وشهدت دمشق خلال الأشهر الأخيرة زيارات مكثفة لمسؤولين إيرانيين، بينهم وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده ومستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني. وجاءت في وقت تصاعدت فيه التهديدات الإسرائيلية ضد الفصائل الإيرانية في سوريا، وأشارت مهنا، إلى أن إيران “لا تعنيها تلك الفصائل بقدر ما يعنيها أهدافها السياسية في المنطقة خلال الفترة المقبلة”.
زيارات المسؤولين الإيرانيين، جاءت عقب تصريحات أطلقها المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إذ هاجم فيها إيران. وأشار في حديث لوكالة “نوفوستي” الروسية إلى أن هناك أطرافاً تحاول استغلال الوضع في المنطقة من أجل مصالحها، مؤكداً على ضرورة عدم الانجرار إلى النزاع في سوريا.
وأوضحت مهنا، أن إيران، التي بنت نفوذها في المنطقة على مدار أربعة عقود، “لن تتخلى بسهولة عن بشار الأسد، الذي يعتبر عنصراً أساسياً في تعزيز نفوذها في سوريا”. مضيفةً أن إيران تسعى “للبقاء لاعباً أساسياً في المنطقة عبر التفاوض، وتركز على إبراز دورها في تحقيق الأمن الإقليمي، بما في ذلك أمن إسرائيل، كوسيلة للضغط على القوى الدولية”.
وأشارت أيضاً إلى أن “إيران تركز الآن على شخصيتين محوريتين في استراتيجيتها المستقبلية، وهما بشار الأسد في سوريا ونبيه بري في لبنان، مع تحول في الدور من الطابع العسكري إلى السياسي”.