خاص – سلطان الإبراهيم
عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحديث مجدداً عن “استعداد بلاده للتدخل والتعامل مع الأوضاع في سوريا وحماية الأمن القومي التركي”، والجاهزية للعمل مع روسيا والقوات الحكومية السورية في حال انسحاب القوات الأميركية من شرق البلاد، رغم اللهجة “الحادة” التي خرجت من المسؤولين الروس ضد الوجود التركي في سوريا مؤخراً.
وقال أردوغان للصحفيين على متن الطائرة خلال عودته من قمة مجموعة العشرين في البرازيل الأربعاء الماضي، إن “تركيا تحاول إعادة هيكلة الوضع في سوريا بما يخدم مصلحة الجميع، وتعمل على إجراء المفاوضات اللازمة مع روسيا بشأن هذه القضية”، مضيفاً أن “بلاده لن تتسامح مع أي كيانات تهدد أمنها من خارج الحدود، ومستعدة للتعامل مع التغيرات الناتجة عن أي انسحاب أميركي من سوريا”.
ورغم عدم إبداء الحكومة السورية أي تجاوب مع الدعوات التركية المتكررة لتطبيع العلاقات و”التعاون” لمحاربة قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، جدد الرئيس التركي دعوة دمشق في هذا الشأن، وذلك بعد أيام فقط على تصريحات لوزير خارجيته هاكان فيدان خلال مقابلة مع قناة “أ خبر” المحلية التركية، قال فيها إن “تركيا مستعدة لشن عملية عسكرية ضد “قسد” في أي وقت”.
روسيا ترفض أي عملية عسكرية تركية في سوريا
وكان ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، قد قال في تصريحات لوكالة “سبتوتنيك” الروسية في أعقاب اختتام الاجتماع الـ22 من “مسار أستانا” بشأن سوريا مطلع الشهر الجاري، إن “تركيا تتصرف كدولة احتلال في سوريا”، مضيفاً أن “الوجود التركي يصعّب على الحكومة السورية القبول بالتفاوض، دون وجود ضمانات واضحة من الجانب التركي بشأن الانسحاب من الأراضي السورية”.
كما عبّر المبعوث الروسي، عن رفض روسيا لأي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، وقال، إن “مثل هذه العملية يمكن أن يكون لها عواقب سلبية ولن تكون حلاً، وستؤدي إلى تفاقم الوضع”، وذلك في أعقاب تصريحات لأردوغان أشار فيها إلى “استعداد الجيش التركي لاستكمال الحزام الأمني بعمق أكثر من 30 كيلومتراً على الحدود مع العراق وسوريا”.
اللهجة الروسية التي وصفت بـ”الحادة” تجاه تركيا في سوريا بعد اجتماع “أستانا” الأخير، قد تكشف برأي محللين عن توجه روسي جديد، ومحاولة استعادة نفوذ أوسع في البلاد مع استلام دونالد ترامب مهامه رسمياً كرئيس للولايات المتحدة بعد أسابيع، لاسيما في ظل التقارير عن مساع روسية جدية نحو تقليص نفوذ إيران الحليف الآخر للقوات الحكومية السورية، ودفع الأخيرة لاتخاذ إجراءات والقيام بتحركات تخدم هذا التوجه.
اقرأ أيضاً: آمال أنقرة وتعنّت دمشق.. تركيا تلوّح بورقة الجيش الوطني
طلب ود روسيا قبل أي انسحاب أميركي محتمل
الأمين العام للحركة الشعبية الديبلوماسية السورية محمود الأفندي، يرى أن “تصريحات أردوغان تفهم في سياق توقعاته بالانسحاب الأميركي من سوريا خلال حكم ترامب، لذلك فهو يعول على التعاون مع الجيش السوري لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية وإبعادها عن الحدود، خاصةً أن ترامب سبق وأن أنهى الحرب السورية فعلياً عندما أوقف دعم المعارضة وأغلق الغرف العسكرية، كما أنه كان سينسحب نهائياً خلال ولايته الأولى لولا الضغوط الأوروبية والخليجية، وعليه فإنه من المرجح الانسحاب الأميركي”.
وبشأن الموقف الروسي من تركيا، يوضح الأفندي خلال تصريحات لموقع “963+”، أن “هناك توافق بين روسيا وتركيا في بعض الملفات وخلافات في ملفات أخرى أبرزها الملف السوري من حيث دعم “هيئة تحرير الشام”، إلا أنه يبقى هناك تعاون بين الجانبين حيث أنه بالنسبة لموسكو فأنقرة هي الضامن لمسار أستانا وخفض التصعيد في سوريا”.
سبق تصريحات أردوغان الأخيرة، حديث وسائل إعلام مقربة من الحكومة السورية عن “مساع تركية للإطاحة بزعيم “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً” أبو محمد الجولاني، ووضع بديل عنه لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة الهيئة”، وهو ما يعكس بحسب الأكاديمي السوري الدكتور زارا صالح، رغبة أنقرة في استعجال تطبيع العلاقات مع دمشق، واستغلال الأخيرة للحاجة التركية للتطبيع من أجل تنفيذ اتفاقات 2020، واستعادة طريقي “m4 و m5″ في بعدهما الاقتصادي”.
أردوغان يرغب بالتطبيع مع دمشق لتعويض الخسائر
ويعتبر الأفندي، أن “المضي في تطبيع العلاقات هو رغبة تركية وليس سورية، حيث يسعى أردوغان لتعويض الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها تركيا جراء الحرب في سوريا وقطع العلاقات مع دمشق ودعم المعارضة وإغلاق المعابر ووجود اللاجئين السوريين على أراضيها، حيث أن سوريا تعتبر المفتاح التجاري لها نحو الشرق الأوسط”.
اقرأ أيضاً: التطبيع بين دمشق وأنقرة.. مزاجيات متقلبة ومعطيات دولية مؤثرة
ووسط كل هذه المعطيات، تصطدم الدعوات التركية المتكررة لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، بإصرار الأخيرة على شرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ورفض روسيا لأي عملية عسكرية تركية جديدة، لذلك يبقى هذا الملف معلقاً وأفقه مجهولاً بانتظار حدوث تطورات إقليمية ودولية.
وانطلق مسار تطبيع العلاقات بين تركيا والحكومة السورية منذ كانون الأول/ ديسمبر 2022، من خلال لقاء وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الجانبين بالعاصمة الروسية موسكو برعاية روسية، قبل أن يلتقي في أيار/ مايو 2023 وزيري خارجية البلدين آنذاك مولود جاويش أوغلو، وفيصل المقداد ضمن لقاء رباعي في موسكو أيضاً إلى جانب وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والإيراني آنذاك حسين أمير عبداللهيان.
وشهد المسار جموداً منذ ذلك الحين، في ظل جملة من العراقيل أبرزها إصرار دمشق على انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أو على الأقل جدولة هذا الانسحاب ووقف دعم من تسميها دمشق بالفصائل الإرهابية، فيما ترفض أنقرة بحث مسألة الانسحاب قبل التطبيع، وتطالب بجدولتها ضمن الملفات اللاحقة.