خاص – هولير حكيم
أحبطت روسيا، مساء الاثنين الماضي، مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي، يدعو لوقف الحرب وحماية المدنيين في السودان، في خطوة تؤكد بحسب محللين أن السودان تحوّل لساحة صراع بين قوى دولية تريد تغذية الصراع لتحقيق المكاسب.
مشروع قرار بريطاني
وطرحت بريطانيا وسيراليون، مشروع قرار يتضمن 15بنداً في مجلس الأمن الدولي، يدعو طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لوقف الأعمال القتالية على الفور وحماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتوفير المساعدات الإنسانية للمتضررين، وتنفيذ بنود “إعلان جدة” الذي وقّع في 15 أيار/مايو العام الفائت.
روسيا تستخدم الفيتو
وعرقلت روسيا مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن، عقب تأييده من قبل 14 عضواً في المجلس، حيث واجه المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي القرار بحق النقض “الفيتو” ، مما استقطب انتقادات شديدة وملاسنات بينه وبين مندوبتي الولايات المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، وبريطانيا باربرا وودوارد.
واتهم بوليانسكي مؤيدي مشروع القرار ب”ازدواجية المعايير” مشيراً إلى أنهم في الوقت الذي سمحوا لإسرائيل بمواصلة انتهاك القانون الإنساني الدولي في غزة، هم يريدون إيقاف الأعمال العدائية في السودان.
لكن الرد جاء سريعاً من قبل وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الذي تترأس بلاده مجلس الأمن، حيث وصف الخطوة الروسية بأنها “وضيعة وبذيئة وخبيثة” حسب تعبيره، وتبعث برسالة إلى الطرفين المتحاربين مفادها أنه “بإمكانهما فعل أي شيء بدون عقاب”.
“روسيا تريد موطئ قدم في البحر الأحمر من بوابة السودان”
ويرى دكتور العلوم السياسية بجامعة قناة السويس بمصر، سعيد الزغبي، أن روسيا تعمدت رفض مشروع القرار البريطاني، لأن الفيتو الروسي جاء لصالح الجيش السوداني الذي لا يريد إيقاف الحرب، وبالتالي “سيحتاج لأسلحة روسية والأخيرة ستقدم له ذلك مقابل مكاسب أخرى”.
ويقول الزغبي في حديث خاص لموقع 963+، أنه بعد ترسيخ الوجود الروسي على البحر المتوسط عبر بوابة سوريا، فإن روسيا تريد تعزيز حضورها في البحر الأحمر، من بوابة السودان، موضحاً أن “مؤخراً كان هناك مسودة اتفاق على منح روسيا مركز دعم لوجستي عسكري في بورتسودان على البحر الأحمر لتقديم الدعم للجيش السوداني”.
ويضيف الدكتور المصري، أن “روسيا تطمح مستقبلاً توسيع هذا المركز حتى يصبح مركز لشن عمليات عسكرية منه بالنسبة لروسيا في المنطقة، وهو بالضبط ما حصل في سوريا، ففي عام 1971 أنشأ الاتحاد السوفيتي منشأة بحرية على ميناء طرطوس، وتحول في عام 2017 إلى قاعدة ضخمة وكبيرة لروسيا على البحر المتوسط”.
وكان مساعد قائد الجيش السوداني، ياسر العطا، صرّح في 24 أيار/مايو الماضي، إن روسيا طلبت إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل إمداد الجيش بالأسلحة والذخائر، وأضاف أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، سيوقّع على اتفاقيات مع موسكو قريباً.
ويعتقد الزغبي أيضاً، أن روسيا اتخذت حق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار البريطاني، لأن الولايات المتحدة مؤخراً قدمت صواريخ أمريكية وبريطانية طويلة المدى لضرب العمق الروسي.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، أعطى الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام صواريخ أمريكية وبريطانية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، وبالفعل أطلقت أوكرانيا وابلاً من صواريخ “ستورم شادو” البريطانية على روسيا، والتي ترى فيه الأخيرة بأنه بمثابة “صب الزيت على النار” في صراعها مع جارتها أوكرانيا.
“روسيا ترى في إفريقيا محطة استعمارية”
ومن جهته، يرى المحلل السياسي التونسي، صهيب المزريقي، أن روسيا دولة توسعية تهدف لبسط نفوذها في أفريقيا مستغلة التوازنات العالمية وتلعب على التناقضات الدولية خاصة بعد خسارة الدول الغربية مثل فرنسا لبعض الدول الإفريقية كمالي والنيجر.
وقال المزريقي في حديث خاص لموقع +963، أن “روسيا ترى في البلدان الأفريقية مثل السودان محطة استعمارية لها حتى تكون خلفاً للاستعمار الغربي الكلاسيكي، خاصة لما تزخر به المنطقة من ثروات طبيعية وبشرية”.
وتابع: ” القارة السمراء أصبحت محط أنظار القوى العالمية لذلك أصبحنا نرى القمم الأفريقية الروسية والأفريقية الصينية والأفريقية اليابانية، على غرار القمة الفرانكفونية أو القمة الأمريكية الأفريقية”.
وأشار المحلل التونسي، إلى أن إفريقيا ككل والسودان بشكل خاص تحولت إلى ساحة للصراع الدولي، موضحاً أن “من سيطر عليها فقد سيطر على الأمن الغذائي العالمي واستطاع استغلال الدول المجاورة وابتزازها غذائياً”.
أقرأ أيضاً: اتفاق على توفير ممرين للمساعدات الإنسانية في السودان
حصيلة الحرب
ومنذ منتصف نيسان/أبريل من عام 2023، انطلقت الرصاصة الأولى واندلعت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو والمعروف ب “حميدتي”، بسبب الخلاف على خطة مدعومة دولياً لإطلاق فترة انتقالية جديدة مع القوى المدنية، ودمج قوات الدعم السريع في الجيش ووضع الأخير رسمياً تحت إشراف مدني.
وتسببت الحرب بمقتل نحو 150 ألف شخص ونزوح أكثر من 11 مليون سوداني في حين يواجه نحو 26 مليون نسمة، أي نصف سكان السودان تقريباً، انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، إلى جانب خسائر اقتصادية قدرت بمئات المليارات من الدولارات، ودماراً هائلاً في البنية التحتية.
وفشلت حتى الآن 10 مبادرات لوقف الحرب في السودان، كانت آخرها اجتماعات جنيف في سويسرا برعاية أميركية، والتي عقدت خلال الفترة من 14 إلى 24 آب/أغسطس الفائت وغاب عنها وفد الحكومة والجيش السوداني.