حذرت وزارة الخارجية الأميركية، منذ أيام، الحكومة التركية من مواصلة العمل كالمعتاد مع حركة “حماس”، بعد انتشار تقارير تفيد بأن بعض قيادات الحركة التي كانت في قطر انتقلت إلى تركيا.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال مؤتمر صحفي، إن “هناك عدداً من أفراد حركة حماس مدرجون على قوائم الإرهاب من قبل واشنطن، ينبغي تسليمهم للولايات المتحدة، إذا كانوا في تركيا. مضيفاً أن “الولايات المتحدة لا تعتقد أن زعماء منظمة إرهابية شرسة مثل حماس ينبغي أن يعيشوا حياة مريحة في أي مكان”.
وجاءت التحذيرات الأميركية عقب انتشار تقارير تفيد بأن دولة قطر أبلغت قيادات حركة “حماس” بإغلاق مكتبها في الدوحة، بالتزامن مع إعلانها تعليق جهود الوساطة التي عزتها إلى “غياب جدية” طرفي الصراع بإنهاء الحرب.
وتكررت خلال أشهر أنباء انتقال قيادات “حماس” إلى تركيا، بسبب ضغوط من قبل دولة قطر التي تقود جهود الوساطة. لكن ماجد الأنصاري المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، أشار منذ أيام إلى أن التقارير المتعلقة بمكتب “حماس” في الدوحة “غير دقيقة”.
كما انتشرت معلومات عن طلب الولايات المتحدة الأميركية من الدوحة تعليق نشاط مكتب “حماس”. فيما تبدي تركيا استعدادها لاستقبال قياديي “حماس”، وفق ما تشير تقارير. فهل يتسبب انتقال “حماس” إلى أنقرة توتراً مع واشنطن؟
توترات أميركية تركية
توقع مصطفى أمين عامر باحث مصري متخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، أن لا تحدث قطيعة بين واشنطن وأنقرة، لكن قد تتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في حال انتقلت حركة “حماس” بكامل قيادتها التنفيذي إلى أنقرة.
لا سيما أن الموقف الأميركي واضح تجاه حركة “حماس”، إذ تنظر لها واشنطن كجماعة “إرهابية” في العلن، لكن ذلك لا يمنع نوع من المواءمة السياسية بينهما عبر دولة قطر التي تمثل دور الوسيط بين الطرفين، بحسب الباحث.
ويضيف مصطفى عامر لموقع “963+”، أن تخلي قطر عن “حماس” في هذا التوقيت، قد يجعلها ترضخ لصفقة سياسية، لإنهاء وجودها السياسي والعسكري في الأراضي الفلسطينية.
ويلفت إلى أن التصريحات الأميركية تشكل عامل ضغط على “حماس”، خاصة أنها تعاني في الوقت الحالي من عدم الاتزان؛ نتيجة الضربات “الموجعة” التي تلقتها مؤخراً، وفقدانها الدعم الإقليمي باستثناء إيران والجماعات المتحالفة معها في المنطقة.
ويتابع أن ذلك قد يجبر “حماس” على القبول بصفقة تفرضها الولايات المتحدة، التي ستمارس ضغوطاً لإنهاء وجود “الحركة” قبيل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سيمارس ضغوطاً بشكل أكبر بعد استلام مهامه.
ويرى الباحث المصري أن تماهي تركيا مع “حماس” في هذا التوقيت، “يضر بنظامها، ويدفع أميركا إلى ممارسة ضغوط على أنقرة”، مشيراً إلى أن ترامب “سيكون رابحاً إذا ما انتقلت حماس إلى أنقرة، لأن ذلك سيعطي الرئيس الأميركي ورقة للضغط على تركيا”.
اقرأ أيضاً: تحالفات متغيرة: تقارب حماس مع دمشق لا يُسكت نعي المعارضة للسنوار
ويعتقد عامر أن أيدلوجيا “حماس” تمنحها نقطة قوة في الضفة الغربية، ووجودها على الأرض في غزة، مما يجعل مهمة القضاء عليها صعبة، لذا ستسعى أميركا للضغط على الحركة سياسياً وفرض هدنة دائمة، وضمان عدم مهاجمتها لإسرائيل.
ويضيف أن الولايات المتحدة ستسعى لإقصاء “الحركة” من جميع المحافل الدولية، وهو استكمالاً لتقويض إسرائيل لوجود “حماس” عسكرياً في غزة.
ابتزاز سياسي
يصف صلاح الخواجة، خبير في شؤون الاستيطان، التصريحات الأميركية بأنها “فقاعات سياسية”، كون الولايات المتحدة تحافظ على علاقاتها الجيدة مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتركيا إحدى الدول المهمة في الحلف.
ويرى أن أميركا تحاول “ابتزاز” الدول العربية والإسلامية، للحصول على مواقف داعمة لإسرائيل. ويعتقد أن التصريحات الأميركية “ابتزاز سياسي إضافي”، لمحاصرة حركة “حماس”
فيما يقول عمر رحال، أستاذ في العلوم السياسية، ويقيم في الضفة الغربية لموقع “963+”، إن الولايات المتحدة “لا يمكن لها تؤثر على تركيا لاعتبارات كثيرة كونها دولة وزانة، ولها حضورها على المستوى الدولي وعضو في الناتو”.
ويضيف: أن “السياسة الخارجية لتركيا ليست مرتبطة بسياسة أميركا الخارجية ودوافعها. وهناك عديد من المصالح التي تربط بين واشنطن وأنقرة، كالقواعد العسكرية، إضافة العلاقات الاستراتيجية”.
لكن، يعتقد رحّال أن تركيا تستخدم “حماس” وغيرها من المنظمات كواحدة من الأوراق الهامة في السياسة الخارجية التركية، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى قناعة بأنه لن يُفتح الباب لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
لذا استدار أردوغان شرقاً ووطد علاقاته مع روسيا ودول أخرى وجماعات، وهي رسائل للولايات المتحدة وأوروبا أن تركيا لاعب أساسي في المنطقة وأن سياستها الخارجية مستقلة، وفقاً لرحال.
ويوضح أن رسالة أردوغان “إذا أردتم الحديث مع المقاومة ممكن أن يكون عبر تركيا”، وأضاف “أنا لا اعتقد أن يكون قطيعة بين أمريكا وتركيا، لأن أميركا بحاجة أن يكون هناك خطوط مفتوحة مع المقاومة، لذلك هم بحاجة إلى تركيا”.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد ذكرت أن رئيس الشاباك، رونين بار، قام بزيارة سرية إلى تركيا لمناقشة ملف صفقة الرهائن في غزة، وسط تقارير عن تدخل تركيا كوسيط جديد بعد تراجع قطر عن دورها، وهذا ما يفتح المجال أمام التكهنات حول إمكانية انتقال المكتب السياسي لحماس إلى تركيا، قبيل استئناف ربما جولة جديدة من المفاوضات.
وتابع رحّال: أن “هناك اتفاقاً في الرؤى بين واشنطن وتل أبيب حول اجتثاث المقاومة أياً كان شكلها. اليوم؛ الولايات المتحدة تمثل رأس الحربة في الاستعمار الحديث”.
لذلك لم تقف الولايات المتحدة يوماً من الأيام مع حركات التحرر، الأمر الذي يعني أن واشنطن عازمة ليس فقط القضاء على حماس، وإنما على كل قوى المقاومة، وحركات التحرر في العالم والقوى التقدمية بحيث أن لا يكون من يهدد مصالحها”، وفق رأيه.
لكن ما يميز “حماس” لديها بنية عسكرية وسياسية لا يمكن غض الطرف عنها، لذا “لا يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة التأثير على حماس بالقتل أو بالاعتقال أو ما شابه ذلك، ولن تصل إلى مرحلة الاجتثاث، فحماس موجودة بقوة في الشارع الفلسطيني، حتى أن هناك في اليسار من يتحدث عن الحركة بإيجابية”.