خاص ـ القنيطرة
في خطوة تهدف إلى ترسيخ حضورها العسكري في جنوب سوريا، أنشأت القوات الروسية تسع نقاط مراقبة جديدة في المنطقة بالتنسيق مع القوات الحكومية السورية. وتأتي هذه التحركات عقب توغلات إسرائيلية داخل منطقة “فصل القوات” جنوبي سوريا، ما يمثل انتهاكاً لاتفاقية فك الاشتباك لعام 1974.
وأكد نائب قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، الجنرال ألكسندر روديونوف، أن هذه النقاط تستهدف تنفيذ عمليات مراقبة جوية وبرية على امتداد منطقة الفصل، نافياً تقارير تحدثت عن انسحاب القوات الروسية، واصفاً تلك الأخبار بأنها “عارية عن الصحة”.
في المقابل، أشارت مصادر ميدانية إلى أن تعزيز الوجود الروسي في المنطقة يعكس محاولة “لطمأنة الجانب الإسرائيلي وضمان استقرار الحدود الجنوبية، خاصة مع تزايد النشاط العسكري الإسرائيلي”.
يقول خالد حميدي، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات في بيروت، لـ”963+”، إن “المشهد السوري يعد جزءاً من الصورة الإقليمية الأوسع”، مشيراً إلى أن التحالفات الإيرانية الروسية، وخاصة تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا وإمداد روسيا بالطائرات المسيرة، تجعل موسكو لاعباً إقليمياً مؤثراً على الحدود الشمالية لإسرائيل”.
روسيا تتوسع بعد التوغلات الإسرائيلية
التقارير الأخيرة تكشف عن تحركات إسرائيلية مكثفة في الجولان المحتل وريف القنيطرة، حيث شملت الأنشطة شق طرق عسكرية وتوسيع المناطق.
وأظهرت صور أقمار صناعية، نشرتها وكالة أسوشيتد برس، أن إسرائيل بدأت مشاريع بناء على طول “الخط ألفا”، الذي يفصل الجولان المحتل عن الأراضي السورية.
تشمل هذه المشاريع تعزيز التواجد العسكري الإسرائيلي في قرى حدودية مثل كودنة وحضر، بريف القنيطرة، حيث تجري عمليات حرق المزارع وتجريف البساتين لتأمين الطرق والمواقع الجديدة.
ويأتي ذلك في ظل استراتيجية إسرائيلية واضحة لتحييد أي تهديدات محتملة من إيران أو “حزب الله”، ومنع تحول الجنوب السوري إلى منصة عمليات ضدها.
ومع تصاعد التوترات في الجبهة الجنوبية، أكد المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرونتييف، أن “أي اجتياح إسرائيلي للجنوب السوري سيواجه برد فعل روسي سلبي”، مشيراً إلى أن بلاده تعمل على منع أي تصعيد يهدد استقرار المنطقة.
ورغم هذه التحذيرات، يبدو أن التحركات الروسية تحمل طابعاً مزدوجاً، حيث تهدف نقاط المراقبة الجديدة إلى طمأنة إسرائيل بأن الجنوب السوري “لن يكون مصدر تهديد لها من قبل الفصائل الإيرانية المنتشرة في المنطقة”.
ويرى حميدي أن “الوجود الروسي في جنوبي سوريا، لا يشكل صمام أمان، بل يرتبط بمصالح تتقاطع مع الأهداف الأميركية والإسرائيلية”.
ويضيف أن هذا التقاطع يظهر بوضوح من خلال “الصمت الروسي حيال الاختراقات الإسرائيلية المتكررة للعمق السوري واستهداف المواقع المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني”.
على الجانب الآخر، تواجه الحكومة السورية انتقادات بسبب صمتها إزاء التوغلات الإسرائيلية. ورغم تصريحات محدودة تنفي وجود توسع إسرائيلي في الجولان، فإن التقارير الميدانية تشير إلى تراجع قوات الحكومة من نقاط حدودية محاذية، ما يعزز الشعور بعدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
ويعتقد حميدي أن الحكومة السورية، “تسعى للحفاظ على استمرارها عبر تقديم خدمات تتماشى مع المصالح الإقليمية المعقدة”، مشيراً إلى أن “الحكومة قد لا يكون ضد الإجراءات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني، خاصة في ظل التقاطع الذي كان قائماً مع إيران وروسيا”.
وتنظر الحكومة السورية للتحركات الإسرائيلية في الجولان من منظور “مصلحتها في البقاء في السلطة، بعيداً عن مسألة السيادة” بحسب مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات، مشدداً على أن روسيا وإسرائيل تسعيان لحماية مصالحهما في المنطقة.
روسيا وإيران: تعقيد المصالح
الوجود الروسي جنوبي سوريا لا يُنظر إليه فقط كخطوة تهدف إلى مواجهة التصعيد الإسرائيلي، بل يعكس أيضاً محاولة روسية للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومع زيادة الزيارات الإيرانية إلى دمشق وتكثيف التنسيق مع الحكومة السورية، تبدو موسكو حريصة على تحجيم أي تحركات إيرانية قد تؤدي إلى تسخين الجبهة الجنوبية.
من جهة أخرى، تثير التحركات الإيرانية قلقاً لدى إسرائيل، التي ترى في وجود فصائل مدعومة من طهران تهديداً مباشراً لأمنها.
وتعتقد روسيا أن السيطرة على الجبهة الجنوبية في سوريا، تُمكنها من تحقيق توازن بين الأطراف المختلفة، بما يحفظ مصالحها الاستراتيجية في سوريا ويمنع تصاعد التوترات مع تل أبيب، وفق مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات.
وعلى الجانب الإسرائيلي، أدى الدعم الأميركي المستمر، لا سيما خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، إلى تعزيز الطموحات الإسرائيلية في الجولان المحتل.
وخلال ولايته السابقة، اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، ومع فوزه بولاية جديدة، يعول قادة إسرائيل على دعم إضافي لتوسيع نطاق السيطرة على الجولان، ما يهدد بجعل استعادة الأراضي المحتلة أو التوصل إلى أي تسوية مستقبلية أمراً بالغ الصعوبة.
وفي ظل التحركات الإسرائيلية المستمرة والتوترات الناتجة عنها، يبقى المشهد في الجنوب السوري معقداً.
وتشير التقديرات إلى أن روسيا تسعى جاهدة لتجنب أي تصعيد قد يهدد استقرارها العسكري في سوريا، فيما تواصل إسرائيل استغلال الأوضاع لتعزيز سيطرتها على المنطقة.
ويقول حميدي، أن “الجميع، بما في ذلك الحكومة السورية، يعمل لتحقيق مصالح مشتركة في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا”.