دمشق
نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز”، تقريراً يتناول المشهد السوري الراهن في ظل التصعيد العسكري والإنساني المستمر. وبينما يغرق البلد في فوضى غير مسبوقة، يظل الرئيس السوري بشار الأسد ثابتاً على عرشه، يراهن على استراتيجيات البقاء رغم التحديات التي تهدد نظامه. التقرير يكشف عن كيفية استغلال الأسد للتحولات الإقليمية وتكتيكاته الماكرة للبقاء في السلطة، حتى في وقتٍ تبدو فيه سوريا تحترق من كل جانب.
في الشهور الأخيرة، اشتدت الضربات الإسرائيلية على مواقع داخل سوريا، مستهدفة مراكز عسكرية حساسة، بما فيها مصنع تديره إيران وسوريا و”حزب الله” في قلب معقل الطائفة العلوية. في المقابل، صعّدت الفصائل المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في شرقي سوريا، ما دفع واشنطن للرد بقوة.
تركيا بدورها كثفت هجماتها على مناطق شمال شرقي سوريا، في أعقاب هجوم على منشأة دفاعية في أنقرة. أما في إدلب، فقد صعّد الجيش السوري وروسيا ضرباتهما، ممهّدين لحملة برية محتملة، بينما عاد تنظيم “الدولة” ليظهر في البادية، مضيفاً تهديداً جديداً للساحة السورية المتفجرة.
ووسط هذا المشهد المتفجر، تتفاقم الأزمة الإنسانية مع تراجع المساعدات الدولية لنحو 17 مليون سوري. وفي ظل تصاعد الحرب في لبنان، لجأ أكثر من نصف مليون شخص، بين سوريين ولبنانيين، إلى الداخل السوري، ما يزيد الضغط على بلد منهك بالفعل، بحسب تقرير الصحيفة.
استراتيجية الأسد: التوازن في الضعف
يراهن الرئيس السوري على البقاء رغم كل التحديات. فهو يدرك أن إيران و”حزب الله”، رغم دعمهما الحاسم له، باتا في موقف ضعف، مما يمنحه فرصة لتعزيز اعتماده على روسيا والسعي إلى علاقات أفضل مع دول الخليج.
مع ذلك، يواجه الأسد معضلة دقيقة. فقد استخدم الجنوب السوري لإطلاق صواريخ ومسيرات نحو إسرائيل، مما يضعه أمام خطر رد إسرائيلي شامل قد يهدد نظامه، وفق تقرير فاينانشال تايمز. كما أن موقفه الحذر من التطورات في غزة يعكس حرصه على تجنب استفزاز إسرائيل، إلى جانب توتر علاقته مع حركة حماس التي دعمت الثورة السورية في الماضي.
محاولات لكسر العزلة
ذكر تقرير الصحيفة، أن الأسد، يسعى لاستغلال التغيرات الإقليمية والدولية لإعادة تأهيل نظامه. حضور الأسد لمؤتمر الرياض الأخير ولقاؤه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي لعب دوراً في عودته إلى الجامعة العربية، يشيران إلى طموحه لاستعادة مكانته الإقليمية.
كما أبدت دول أوروبية، مثل إيطاليا وهنغاريا واليونان، اهتماماً بالتخلي عن سياسة العزلة تجاه الأسد، أملاً في تسهيل عودة اللاجئين السوريين. لكن الأسد يستغل هذه المساعي للحصول على الدعم المالي والسياسي، دون تقديم تنازلات حقيقية تتعلق بالمصالحة أو الأمن.
ويعتمد الأسد على سياسة “الانتظار والمماطلة”، معتقداً أن الظروف ستتغير لصالحه. يقدم محادثات حول قضايا مثل عودة اللاجئين ومكافحة تجارة المخدرات كوسائل للضغط على الدول الأجنبية لتقديم تنازلات، دون أن يلتزم هو بأي خطوات ملموسة.
ورغم اهتمام تركيا بالتطبيع معه، يصر الأسد على انسحاب القوات التركية من الشمال السوري كشرط مسبق، وهو ما لا يمكن لأنقرة قبوله حالياً. كذلك، يحاول استغلال الأزمة اللبنانية إذا ما نجحت روسيا في إدخاله في صفقة إقليمية لإنهاء الحرب هناك.
ولا يزال الأسد يرفض تقديم أي تنازلات حقيقية، معتبراً أن التنازل ضعف. استراتيجيته واضحة: “البقاء مهما كان الثمن، حتى لو استغرق الأمر سنوات من الانتظار”. وبينما يتشبث بسلطته، يظل الشعب السوري هو الضحية الأكبر لرهاناته الخطرة، بحسب تقرير “فاينانشال تايمز”.