خاص ـ دمشق
شهدت العاصمة الإيرانية طهران مؤتمراً صحفياً مشتركاً بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره السوري بسام الصباغ، تناول فيه الطرفان القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية. وأكد المسؤولان على ضرورة تعزيز التعاون بين بلديهما لمواجهة التحديات المشتركة.
وكانت مصادر ديبلوماسية سورية مطلعة من العاصمة دمشق لـ”963+”، قد كشفت أمس الاثنين، عن وصول الصباغ إلى إيران في زيارة رسمية. وكانت قد توقعت أن يكون الملف الأساسي للزيارة، هو “الرد السوري على رسالة المرشد الإيراني التي أوصلها كبير مستشاريه علي لاريجاني إلى الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام”.
صمت أم مناورة؟
وأعرب الصباغ، خلال المؤتمر، عن تطابق وجهات النظر بين البلدين بشأن “محاسبة إسرائيل على جرائمها”، مؤكداً على ضرورة “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي العربية، بما في ذلك الجولان السوري المحتل”.
ولكن ومنذ الأيام الأولى للحرب في غزة بين حركة “حماس” وإسرائيل، التزمت الحكومة السورية الصمت واكتفت بدور المتفرج، رغم وعود دمشق بالوقوف مع الشعبين الفلسطيني واللبناني. وكانت قد ذكرت تقارير إسرائيلية أن الإمارات أرسلت رسائل إلى الأسد تحذره فيها من أي تدخل لسوريا في الحرب الدائرة في غزة أو هجمات ضد تل أبيب من الأراضي السورية.
وأشار الصباغ إلى أن “المناقشات تناولت جهود محاربة الإرهاب وتجفيف منابع دعمه، موجهاً الشكر لإيران على دعمها المتواصل لسوريا في مواجهة المجموعات الإرهابية”.
وأكد الصباغ أن “دمشق ملتزمة بالتصدي لأي مشروع أميركي-إسرائيلي يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة”، مشيراً إلى أن “سوريا حققت تقدماً في طرد الجماعات الإرهابية، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة شمال البلاد”.
ويرى المحلل السياسي ناجي ملاعب، في حديث لـ”963+” أن “دمشق تحاول النأي بنفسها عن الصراع بين إيران وإسرائيل، لكنها تظل مكبلة بديونها الكبيرة لطهران، مما يدفعها لمغازلة الدول العربية بهدف تخفيف الضغط. وفي الوقت ذاته، تستمر سوريا بالسماح بمرور السلاح إلى حزب الله عبر أراضيها، ما يؤدي إلى تصعيد الغارات الإسرائيلية”. وأكد ملاعب أن هذا الوضع “يمثل تحدياً مؤقتاً، لأن الإدارة الأميركية الجديدة لن تتسامح مع استمرار هذا الواقع، وستتخذ خطوات تخدم مصالحها الاستراتيجية أولاً”.
تحالفات في الميزان
من جانبه، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال المؤتمر بأن بلاده “ستقف إلى جانب سوريا ضد التهديدات الإسرائيلية”، مشدداً على العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين.
وأشار عراقجي إلى أن “إيران تدين بشكل قاطع الجرائم الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا”، داعياً الأمم المتحدة للتحرك لإدانة هذه الأعمال.
وأكد عراقجي أن هناك رغبة متبادلة لتوسيع العلاقات الثنائية، مشيداً بدور سوريا في “دعم المقاومة”، واستضافتها للنازحين اللبنانيين.
وطغى خلال الفترة الماضية حديث عن توجّه دمشق للتضييق على الوجود الإيراني و”حزب الله” في سوريا، بينما تحاول طهران التمسك بدمشق وتثبيت حضورها سياسياً واقتصادياً وعقد المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة السورية.
وأوضح عراقجي أن بلاده “ترحب بتحسن العلاقات السورية مع الدول العربية وتدعم الحوار بين دمشق وأنقرة شريطة احترام السيادة السورية”.
وكان محللون قد أشاروا في تصريحات لـ”963+”، أن ” “الأسد بات يتجه مؤخراً نحو الدول العربية التي يمكنها دفع فاتورة إعادة الإعمار، متخلياً عن إيران التي باتت عبئاً اقتصادياً وسياسياً”.
كما أعلن عن انعقاد لجنة اقتصادية مشتركة قريباً في دمشق لمناقشة سبل تعزيز التعاون الاقتصادي، مشدداً على أن إيران ملتزمة بدعم سوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لمواجهة أي تهديدات.
وكانت قد أوضحت مصادر ديبلوماسية قبل أيام لـ”963+”، “أن دمشق طلبت قبل أيام من طهران إعفائها ديون مالية، مقابل الاستمرار بتزويد حزب الله اللبناني بالسلاح عبر الأراضي السورية”.
ورجحت المصادر أنه “من الممكن أن الوزير صباغ سيشرف على عملية إعفاء الديون لأن طهران لا تملك خياراً آخر، خاصة بعد المطالب العربية والروسية بإيقاف السماح لإيران بنقل السلاح إلى لبنان عبر سوريا”.
زيارات مكثفة ومساعٍ لتعزيز التحالف
وشهدت دمشق خلال الأشهر الأخيرة زيارات مكثفة لمسؤولين إيرانيين، بينهم وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده ومستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني. وجاءت في وقت تصاعدت فيه التهديدات الإسرائيلية ضد الفصائل الإيرانية في سوريا، بالتزامن مع تقارير عن توترات بين إيران وروسيا بشأن إدارة النفوذ في سوريا، بينما تحاول طهران التمسك بدمشق وتثبيت حضورها سياسياً واقتصادياً وعقد المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة السورية.
زيارات المسؤولين الإيرانيين، جاءت عقب تصريحات أطلقها المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إذ هاجم فيها إيران. وأشار في حديث لوكالة “نوفوستي” الروسية إلى أن هناك أطرافاً تحاول استغلال الوضع في المنطقة من أجل مصالحها، مؤكداً على ضرورة عدم الانجرار إلى النزاع في سوريا.
ويرى المحلل السياسي ناجي ملاعب أن زيارة لاريجاني إلى سوريا هي “الأثقل سياسياً لأنه مبعوث المرشد الإيراني الذي يملك القرار في طهران، أما زيارة وزير الدفاع الإيراني فهي تأتي في إطار الزيارة الحكومية ولا تحمل ثقلاً في المعادلة الإقليمية، لأن الحكومة في إيران أساساً لا تملك القرار”.