تزداد التكهنات حول مستقبل السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً دونالد ترامب فيما يخص الملف السوري، إذ لم يبد اهتماماً واضحاً بهذا الملف خلال حملته الانتخابية، بعكس ملفي أوكرانيا وحرب غزة اللتين ألقى فيهما جملة من التصريحات تكشف أسلوب تعامله المرتقب معهما. كذلك، ليس سراً أن الملف السوري، بكل تعقيداته، لم يعد على قائمة أولويات السياسة الخارجية الغربية عموماً، لا الأمريكية منها ولا الأوروبية، إذ باتت الدول الغربية تقتصد في الموارد المالية والبشرية المخصصة لسوريا من أجل ضخها في جهود دعم الحرب في أوكرانيا ودعم اللاجئين والنازحين فيها وفي فلسطين ولبنان. يبدو إذاً أن ما بقي من اهتمام أمريكي محدود أصلاً بسوريا، سيتضاءل أكثر في ظل إدارة ترامب إلى ما تفرضه الحدود المشتركة لها مع إسرائيل.
من حيث المبدأ، تتمحور سياسة ترامب الخارجية في الشرق الأوسط حول ضمان أمن إسرائيل ودعم تطلعاتها القومية، ويظهر ذلك في تعييناته الجديدة في السلك الدبلوماسي لولايته المقبلة والتي تضم أشد المؤيدين لإسرائيل وحكومة نتنياهو، من مايك هاكابي المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، والمعروف بتأييده لبناء المستوطنات وضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، إلى ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية والذي انتقد إدارة الرئيس بايدن بعدم تقديم الدعم الكافي لإسرائيل في حربها. أضف إلى ذلك أن تصريحات ترامب مطلع مارس الماضي حول دعمه الحرب في غزة، وبالطريقة التي تجري فيها هذه الحرب لأنه “عليك أن تحل المشكلة”، تعني، من جهة، أن وعوده بإنهاء الحرب في غزة مرتبطة بالقضاء على حماس، وهو ما قد يمكن جره على لبنان وحزب الله كذلك، كما تعني، من جهة أخرى، أن ترامب مستعد لتقديم كل ما يلزم لدعم إسرائيل في جهودها لـ “حل المشكلة”. ولعل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يتسرائيل كاتس مؤخراً حول تمكن بلاده من إلحاق الهزيمة بحماس وحزب الله من الناحية التنظيمية، تمهيد يدعم التكهنات حول إعلان نتنياهو وقف إطلاق النار في يناير المقبل كهدية لترامب على هذا التوجه.
لا تشكل سوريا بحد ذاتها جزءاً من المشكلة التي يبدي ترامب لإسرائيل استعداده المساعدة في حلها، إنما المشكلة هي في علاقتها مع طهران وكونها جسر عبور للدعم الإيراني الواصل لحزب الله. تشير انتقادات ترامب الحادة لتراخي إدارة بايدن في التعامل مع إيران ودورها في الشرق الأوسط (والذي أدى حسب رأيه إلى وقوع حرب غزة بالدرجة الأولى) إلى أنه يعطي دوراً كبيراً في هذه المشكلة لإيران، لذا يمكن القول إن تمحور السياسة الخارجية لترامب في الشرق الأوسط حول ضمان أمن إسرائيل، إنما تعني في المقابل أنها تتمحور حول إلحاق الأذى بإيران. ووفق هذه القراءة، فإن تكهنات المبعوث السابق لترامب في ولايته الأولى للشرق الأوسط، جيمس جيفري، بانفتاح أمريكي وإسرائيلي على دمشق بهدف “وقف تدفق السلاح إلى حزب الله في لبنان، وابتعاد الأسد عن إيران”، وهي خطوة سبقه إليها حلفاؤه العرب في الخليج دون نجاح يذكر، قد تبدو متحفظة بعض الشيء أمام إجراءات أكثر حزماً متوقعة ضد إيران قد تشمل الحد من نفوذ ميليشياتها في عموم سوريا.
في ظل هذا التركيز على الهدف الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، قد يصبح العداء لإيران وإمكانية لعب دور في الحرب ضدها معياراً وحيداً لتصنيف أصدقاء أمريكا من أعدائها بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وهو ما يعني أن التقارب المتوقع مع دمشق لا ينفي إمكانية التقارب مع القوى الأخرى في سوريا وخارجها، سواء في المعارضة أو عبر زيادة الدعم لقسد، أو مع الدول الإقليمية المتعاملة مع إيران مثل تركيا وقطر، وذلك بافتراض قدرة هذه القوى على إقناع الولايات المتحدة بدورها ورغبتها في الحد من النفوذ الإيراني. حينها لن تملك دول الإقليم رفاهية التعامل مع إيران ومع أعداء إيران في الوقف نفسه، وإن كانت هذه السلوكيات الانتهازية مقبولة في ظل إدارة بايدن، رغبة من الأخير بالإبقاء على الوسطاء، إلا أن ترامب المعروف عنه المباشرة وعدم رغبته بالمرور عبر الوسطاء قد لا يكون مستعداً لتقبل مثل هذه الانتهازية. وبالنظر إلى حجم التغلغل الإيراني في مفاصل النظام السوري، وإلى حجم الاستفادة التركية من خرق العقوبات الغربية على طهران، فمن الوارد أن يكون الطرفان من أقل القوى قدرة على التأقلم مع الشرط الأمريكي الجديد في الشرق الأوسط.