خاص – حسين الخطيب / حلب
تشهد مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا تصاعداً ملحوظاً في معدلات الجريمة، مما يزيد من المخاوف الأمنية للسكان الذين يعانون من أوضاع معيشية متدهورة وانعدام شبه كامل للأمان. ومنذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وثق موقع “963+” وقوع جرائم قتل واغتيال واختطاف أثارت القلق في أوساط الأهالي، حيث تبرز هذه الحوادث كجزء من سياق أوسع لانفلات أمني تعجز السلطات المحلية عن احتوائه.
رجل يبحث عن الأمان وسط الفوضى
محمد الأحمد، أحد سكان مدينة أعزاز، يعمل في توزيع وبيع المواد الغذائية، ويضطر يومياً للتنقل بين مدن وبلدات الريف الحلبي على طرقات طويلة أحيانًا مهجورة.
يقول الأحمد لـ”963+”: “كنت أقود سيارتي يوماً وأشعر بالخوف كل مرة أن أكون هدفاً للقتل أو السرقة. الآن، أعمل على حماية نفسي بتوظيف مرافق يرافقني في عملي، فهو يخفف عني أعباء الشعور بالخوف”.
هذا الخوف دفع الأحمد إلى تقليل ساعات عمله، خاصة خلال الليل، وتجنب الطرق المهجورة التي كانت جزءاً من مساره اليومي. يقول: “الجرائم المتكررة دفعتني إلى تغيير حياتي. حتى مسار العمل اليومي أصبح مرتبطًا بتأمين نفسي”.
شهادة الرجل تلقي الضوء على واقع آلاف السكان الذين يواجهون تهديداً يومياً على حياتهم وأعمالهم.
أنماط متكررة وأسباب مجهولة
ومنذ بداية نوفمبر، شهدت مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي عدة جرائم خطيرة، توزعت بين القتل، والاغتيالات، والاختطاف، وسط غياب دور السلطات المحلية المتمثلة بالشرطتين العسكرية والمدنية (قوى الشرطة والأمن العام الوطني) في ملاحقة ومتابعة المطلوبين للحد من الانفلات الأمني المتواصل.
كان أبرز تلك الجرائم، مقتل امرأة على يد زوجها المدمن على المخدرات في مدينة أعزاز، في الثامن من هذا الشهر، حيث طعنها وخنقها أمام أطفالهما ثم فرّ هارباً قبل أن يتم القبض عليه.
وفي تفاصيل الحادثة، فإن المدعو “م.أ” يتعاطى المواد المخدرة، وينحدر من قرية كفر حلب، ونازح إلى مدينة أعزاز.
وفي حادثة أخرى، جرت في الرابع من الشهر، أطلق مجهولون النار على سليمان عز الدين، الذي ينحدر من قرية البطرانة التابعة لناحية تل الضمان الواقعة في ريف حلب الجنوبي، أثناء مروره أمام مطعم شعبي في أعزاز، دون معرفة أسباب الحادث أو هوية الجناة.
كما لقي عدنان شحيمة مصرعه، في الثالث من الشهر، أثناء حراسة بستان الزيتون قرب قرية ندة (3 كيلو متر شرق أعزاز)، حيث أطلق عليه لصوص النار خلال محاولتهم سرقة محصول الزيتون.
ومن بين الجرائم، مقتل رئيس التفتيش القضائي محمد زيدان في منطقة الراعي، في الثالث من الشهر. قُتل زيدان على يد عناصر حاجز عسكري يتبع لأحد الفصائل المسلحة التابعة للجيش الوطني في قرية دلحة التابعة إداريا لمدينة صوران، قرب الحدود السورية التركية، وأصيب شقيقه. ورغم اعتقال المتورطين، وهم أربعة عناصر ينتمون لفصيل السلطان مراد في الفيلق الثاني ضمن مرتبات الجيش الوطني، إلا أن الأسباب الحقيقية للجريمة لم تُكشف، مما يعكس انعدام الشفافية في معالجة مثل هذه القضايا.
وفي سياق منفصل، فقد اختطف شاب بعد إطلاق الرصاص عليه في بلدة الغندورة بريف حلب الشرقي من قبل مجهولين يستقلون سيارة جيب، السبت الماضي، دون ورود أنباء عن هوية المختطف والجهة الخاطفة.
وسبق أن قتل محامي وأصيبت زوجته في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب شمال غربي سوريا، بعد تعرضهما لإطلاق نار من قبل مجهولين، دون معرفة أسباب الاغتيال التي أودت بحياة الرجل.
وخلال أكتوبر الماضي، شهدت منطقة جرابلس ثلاث حوادث اغتيال واحدة منها طالت أحد عناصر الشرطة العسكرية في بلدة الغندورة من قبل مجهولين، والثانية قتل شاب أمام المدرسة المحدثة في جرابلس بدافع الثأر، والأخيرة في قرية التوخار الكبير حيث قتل مدني بطلقات نارية مجهولة المصدر.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل نحو 14 شخصاً، بأساليب وأشكال متعددة ضمن سيطرة فصائل الجيش الوطني في ريفي حلب الشمالي والشرقي، خلال أكتوبر الماضي بينهم 6 أفراد من المدنيين، و8 ينتمون لفصائل عسكرية فقدوا حياتهم خلال الاقتتال الأخير بين تحالف الجبهة الشامية من جهة والقوة المشتركة من جهة أخرى.
أسباب ارتفاع معدلات الجريمة
ترتبط الجرائم في ريف حلب الشمالي والشرقي بعوامل متعددة، منها الخلافات الشخصية والعائلية، والخلافات المالية، والسرقات، فضلًا عن الصراعات الفصائلية التي تساهم في خلق بيئة مشجعة على الجريمة. انتشار المخدرات بين السكان، خصوصًا بين المسلحين، يُعد عاملاً رئيسياً في زيادة معدلات الجريمة، حيث يلجأ المدمنون لارتكاب الجرائم للحصول على المال.
ويرى الحقوقي يوسف حسين، في حديث لـ”963+” أن “مشكلات اجتماعية خطيرة تسببت في زيادة معدلات الجريمة سواءً بين المدنيين أو المنخرطين في العمل المسلح، لأن معظمها ترتبط بخلافات مالية واجتماعية، وضعف المؤسسات الأمنية”.
ويقول: “إن انتشار المخدرات وحاجة المدمن إليها يدفعه إلى ارتكاب جريمة مقابل الحصول على المال، أو بهدف السرقة، وهذا ما يحصل في العديد من الجرائم المرتكبة”.
ورغم وجود قوى أمنية مثل الشرطة العسكرية والمدنية، إلا أن تأثيرها يبدو محدوداً للغاية في مواجهة الانفلات الأمني، بحسب حسين. ويضيف: “ضعف الأجهزة القضائية، وتدخل الفصائل المسلحة في حماية المتورطين بالجرائم، إضافة إلى فرار الجناة إلى مناطق أخرى أو إلى تركيا، يزيد من تعقيد الأوضاع”.
ويوافقه في ذلك الباحث المختص في قضايا السكان والمجتمع ضمن مركز “جسور”، بسام السليمان، ويزيد عليه القول بأن “ضعف تنفيذ الأحكام القضائية يعزز الشعور بعدم وجود عدالة. حتى عندما يُلقى القبض على القتلة، لا يتم تطبيق العقوبات عليهم بسبب التعقيدات الأمنية والسياسية”.
ويشير في حديث لـ”963+” إلى أن “التدخلات والصراعات الفصائلية في المجتمع مما يتسبب في دعم عوائل أو أفراد ضد آخرين مما يؤجج الصراع”.
ويحذر السليمان من تكرار الجرائم “يهدد السلم الأهالي ويعطل الحياة المدنية، وينذر بتفكك النسيج الاجتماعي، مما ينعكس على الترابط والعلاقات المجتمعية بين السوريين”.
مخاوف السكان من استمرار الفوضى
حالة الخوف والقلق أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة سكان ريف حلب الشمالي والشرقي. ياسر النجار، مزارع خمسيني، يعبر في حديث لـ”963+” عن مخاوفه من أن يؤدي انتشار السلاح إلى تعريض أبنائه للخطر.
يقول النجار: “لم يعد بإمكاننا العمل بأمان. نخشى أن يتم استهدافنا في أي وقت، سواء بهدف السرقة أو لأسباب مجهولة.”
المخاوف لا تقتصر على المزارعين أو العاملين في المناطق الريفية، بل تشمل جميع السكان الذين يشعرون بأن حياتهم اليومية باتت مهددة.