رزق العبي – إسطنبول
تشير التطورات الأخيرة في مجلس الشعب السوري إلى تصاعد التوتر بين رجال الحكومة وأذرعها الأمنية، حيث أقدمت السلطات على اتخاذ إجراءات استثنائية بحق بعض أعضائه، من فصل وإسقاط عضوية إلى الملاحقات القضائية، وكان آخرها الحجز على أموال محمد حمشو، تحت ذرائع تتراوح بين ازدواج الجنسية ومزاعم فساد. يبرز هذا الوضع كإحدى بوادر صراع متنامٍ على النفوذ بين الأطراف المختلفة داخل الحكومة، مع دلالات محتملة عن تدخلات إقليمية ودولية تؤثر في رسم هذه الأحداث.
إجراءات مفاجئة وإشارات صدامية
شهدت الدورة الحالية لمجلس الشعب – الرابعة منذ بدء الحرب السورية في 2011 – سلسلة من القرارات غير المسبوقة، أبرزها إسقاط عضوية ثلاثة نواب، كان أبرزهم محمد حمشو، رجل الأعمال المقرّب من ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد. جاءت هذه الإجراءات متزامنة مع قرارات الحجز على أموال حمشو، الأمر الذي كشف عن صدامات بين قوى اقتصادية وأمنية داخل الحكومة.
إسقاط العضوية شمل أيضاً أنس محمد الخطيب وشادي دبسي، على خلفية حملهما جنسيات أخرى (الأردنية والتركية، على التوالي)، بينما تم التصويت على منح الإذن بملاحقة آخرين بتهم تشمل الفساد والانتهاكات.
ووفقاً لمصادر أمنية مطّلعة، لـ”963+”، جاء قرار الحجز على أموال حمشو بضغط مباشر من القصر الجمهوري، ما دفع شخصيات داخل حزب البعث، مثل الأمين القطري المساعد إبراهيم حديد، للاعتراض. هذا التحدي العلني، على حد تعبير المراقبين، يعكس الانقسام داخل النخبة الحاكمة، حيث بات الجهاز الأمني يبدو أكثر جرأة في مواجهة بعض الشخصيات النافذة المرتبطة بمراكز القرار.
الأسئلة حول التوقيت
في ظل الطبيعة الأمنية الصارمة للحكومة السورية، تُثار تساؤلات حول كيفية السماح لهؤلاء النواب بالترشح ثم اكتشاف ازدواج جنسياتهم لاحقاً. هذا الغموض يعزز التكهنات بأن القرارات ليست مجرد تنفيذ للدستور، بل تحمل أهدافاً سياسية تهدف لإعادة تشكيل ميزان القوى داخل الحكومة، وربما تحجيم نفوذ شخصيات ترتبط بدوائر أمنية أو اقتصادية بعينها.
إسقاط عضوية حمشو، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع ماهر الأسد، يحمل رسائل أبعد من تطبيق القوانين، ويُعتقد أنه جزء من محاولة تقليص هيمنة ماهر الأسد نفسه، وهو إجراء قد يرتبط بضغط روسي على الحكومة لتخفيف قبضة ما يعتبرونه “تأثيراً سلبياً” لسيطرة العائلة الحاكمة على بعض مراكز النفوذ الاقتصادي.
وشغل محمد حمشو عضو مجلس الشعب في دورتي عام 2012 و2016، كما ترشّح في عام 2020 للمجلس إلا أنه انسحب، ثم عاد للترشح والفوز في عام 2024.
وكان حمشو من أوائل رجال الأعمال السوريين الذين وُضعت أسماؤهم على قائمة العقوبات الأوروبية، حيث أدرجه الاتحاد الأوروبي عام 2011 على قائمة العقوبات، وتم رفع العقوبات عنه في عام 2014، إلا أنه عاد وفرضها مجدداً عام 2015، كما جمَّد أمواله ومنعه من دخول دول الاتحاد الأوروبي. كما أدرج اسمه على قوائم العقوبات الأميركية.
نظرة قانونية وسياسية
قانونياً، استند مجلس الشعب إلى المادة الدستورية التي تشترط أن يكون المرشح سورياً منذ عشر سنوات على الأقل، وألا يحمل جنسية أخرى. لكن وفق ما قاله القانوني عروة السوسي، لـ”963+”: “لم تكن هذه المادة تُطبّق سابقاً على أعضاء البرلمان الذين حملوا جنسيات أجنبية”. هذا التناقض يُفسَّر بأن الحكومة تسعى الآن لاستخدام القوانين كأداة سياسية لتمرير رسائل محلية ودولية.
على الصعيد السياسي، يرى مراقبون أن القرارات الأخيرة تعكس ديناميكيات السلطة داخل الحكومة، حيث تتصارع أجهزة مختلفة لتعزيز موقعها. المحلل السياسي وائل الخالدي يرى في حديث لـ”963+” أن “فصل حمشو وما تلاه من قرارات يُظهر أن التوجيهات الأمنية تتجاوز أحياناً رغبات القيادة العليا، مما يطرح احتمال وجود تصدعات داخل دائرة القرار”.
وتشير تقارير إلى أن مجلس الشعب لا يتمتع باستقلالية حقيقية، بل يُستخدم كأداة لتنفيذ أجندات الحكومة، كما أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الأخير، الذي وصف الانتخابات البرلمانية لعام 2024 بأنها غير شرعية وتفتقر إلى النزاهة والشفافية.
الشبكة رأت في الإجراءات الانتخابية “مجرد غطاء قانوني لاستمرار سطوة الأجهزة الأمنية”، مشيرة إلى أن الدورة الحالية “تسعى في الأساس إلى تعديل الدستور للسماح لبشار الأسد بالترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية في 2028”.
وجرت الانتخابات في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية متدهورة، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتشريد ملايين السوريين. ومع ذلك، شهدت الدورة الحالية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المرشحين، حيث بلغ 9194 مرشحاً مقارنة بـ1658 في الدورة السابقة، مما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا الارتفاع ومدى تأثيره على مصداقية العملية الانتخابية.
الصراع على النفوذ وتأثير القوى الخارجية
وجاءت قرارات إسقاط عضوية بعض أعضاء البرلمان في وقت حساس تشهد فيه الحكومة ضغوطاً اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. التدخلات الإقليمية، خاصة من روسيا، قد تلعب دوراً في دفع الحكومة لإعادة هيكلة علاقاته الداخلية والتخلص من بعض الشخصيات ذات التأثير المتزايد.
ويرى الخالدي أنه “نحن في دولة “أمنية” بامتياز لا يمكن أن يتمّ تمرير أي شيء واكتشافه لاحقاً، خصوصاً عندما يتمتع الأمر بشخصيات ستتولى مناصب في الدولة”.
تشير الخطوات الأخيرة لمجلس الشعب السوري إلى أن الحكومة تخوض معركة داخلية متعددة الأبعاد، تتشابك فيها المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. بينما تبدو القرارات المعلنة محاولة لتعزيز صورة الحكومة ككيان قادر على المحاسبة والالتزام بالقانون، إلا أن التوقيت والسياق يشيران إلى أبعاد أعمق تتعلق بصراعات النفوذ داخل الحكومة، وربما بإملاءات خارجية تهدف لإعادة ترتيب المشهد السياسي السوري بما يخدم مصالحها.
وأصدر بشار الأسد في 11 آب/أغسطس 2024 المرسوم رقم 204 للعام 2024 القاضي بدعوة مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع للانعقاد لأول مرة في 21 من الشهر ذاته.