خاص – أسعد الأسعد / إدلب
تشهد مخيمات النازحين السوريين حالةً من الفقر الشديد، يدفع بالأهالي – وخصوصاً النساء – إلى امتهان أعمال شاقة، يكاد لا يحتملها الرجال، والهمّ الدائم هو تأمين القوت للأطفال، فيما يعجز الرجال عن إيجاد فرص عمل يمكن أن تسد الرمق.
تقيم ياسمين فؤاد (47 عاماً) في مخيم الكريم قرب مدينة معرّة مصرين، شمال محافظة إدلب. تغادر المخيم يومياً مع نساء أخريات، يأتين من مخيمات مجاورة، فيقصدن جميعاً سوق الهال في معرّة مصرين، حيث يعملن في أعمال صعبة، مقابل أجر زهيد. تقول لـ”963+”: “أذهب فجراً إلى سوق الهال، فأعمل في تنظيف البطاطا حيناً، وفي تعليب الخضار والفواكه أحياناً، 12 ساعة متواصلة، مقابل 70 ليرة تركية (2 دولار تقريباً) فقط”.
تضيف: “عندما أعود إلى المخيم، علي أيضاً أداء واجباتي المنزلية، من تنظيف وغسل ملابس والاعتناء بالأطفال وطهو الطعام للعائلة، ليتكرر يومي هذا كل يوم، من دون راحة، والمال التي نتقاضاه يكاد لا يأمن يؤمن لنا كفاف يومنا، لا أكثر”.
الأضرار الجسدية التي تتعرض لها النساء اللواتي يعملن في هذه الأعمال المرهقة لا تمنعهن من الذهاب في كل يوم إلى عملهن. فهينّ المعيلات الوحيدات لأطفالهن، بعدما عجز رجالهن عن إيجاد فرصة عمل.
10 ساعات مضنية
وصال لطوف (37 عاماً) واحدة من اللواتي دخلن سوق العمل لإعالة أسرهن، وهي تعمل في ورشة لفرز فوط الأطفال التي تأتي بشكل عشوائي من المستورد. تقول لـ”963+”: “زوجي تجاوز السبعين، ولا يستطيع العمل، كما يعاني أمراضاً وإصابة حربية، وهذا ما دفعني للعمل في هذه المهنة الشاقة التي تحتاج مني جلوساً في وضعية واحدة 10 ساعات على الأقل، ما سبّب لي آلاماً حادة وتشنجات كبيرة في ظهري، وذلك كله مقابل 100 ليرة تركية (4 دولارات تقريباً).
كشفت دراسة أجراها الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) في عام 2023، بنت على مقابلات مع 1746 إمرأة في شمال غرب سوريا، أن الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي الحالي في المنطقة يعزز الحاجة إلى مشاركة المرأة في العمل ودعم الأسرة، كأحد الحلول التي تسعى النساء من خلالها إلى تحسين واقع أسرتها ومجتمعها في مواجهة الظروف، مظهرةً أن نسبة النساء العاملات من إجمالي المشاركات بلغت 29%، في حين أن 71% من النساء غير عاملات.
وبحسب الدراسة نفسها، تتحمل 6% من هؤلاء المساء مسؤولية إعالة أسرهن، ومعظمهن أرامل. وتعتمد أغلبيتهن على المساعدات الإنسانية ومساعدات الأقارب كمصدر رئيسي للدخل. وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن 45% من العاملات تعرضن لمضايقات في أماكن العمل، بينما أظهرت 32% منهن مشاعر عدم الثقة بقدراتهن من قبل الزملاء وأصحاب العمل.
مشكلات عائلية
تعمل الأخصائية الاجتماعية فادية برغل مع منظمات عدة من المجتمع المدني، بينها منظمة حماية المرأة. تقول لـ”963+”: “ينتشر موضوع عمل المرأة في الآونة الأخيرة بشكل كبير مع ارتفاع منسوب الفقر في منطقة شمال غرب سوريا، إضافة إلى أن ندرة فرص العمل للذكور تجبر النساء على الانخراط في سوق العمل، فبتنا نرى السوريات يعملن أعمالاً لم نعتد على رؤيتهن يعملن فيها، ومنها أعمال شاقة جداً”.
تضيف: “تخلق هذه الأعمال المجهدة مشكلات أخرى في اللواتي يعملن فيها، ومنها أمراض جسدية ومشكلات أسرية يمكن أن تصل حدود الطلاق وانهيار الأسرة، وذلك كله بسبب انشغال النسوة في أعمالهن، وإهمالهن شؤون منازلهن وأطفالهن… لكن، للظروف أحكام، والظروف قاسية جداً”.
وعن الحلول، تقول إنها واضحة جداً: “تأمين فرص عمل للرجال ولأزواج اللواتي اضطررن إلى العمل الشاق، وهذا يؤمن الاكتفاء المنزلي في حده الأدنى”.
تعنيف وأرامل
إلى ذلك كله، يضاف التعنيف الذي تتعرض له المرأة من سلطات الأمر الواقع. فبحسب تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الصادر في حزيران/يونيو 2023، عمدت “هيئة تحرير الشام” وفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا إلى ترهيب وتقييد بعض أنشطة الاتصال والتوعية المتعلقة بالعنف ضد النساء أو أنشطة تتعلق بمواضيع معينة كزواج القاصرات، وواجه بعض النشطاء والناشطات العاملين على مناصرة حقوق المرأة مضايقات وخطاباً سلبياً من السلطات، من دون أن ننسى العادات والتقاليد في المنطقة، والتي تقيّد عمل النساء في الورش الزراعية، وتمنعهن من متابعة تحصيل العلم، هذا يضعف فرصهن في الفوز بوظائف أجورها جيدة.
أما الأرامل، فقد أنشئت في الشمال السوري مخيمات قرب حدود التركية منذ منتصف عام 2012، خصصت لهن، تؤوي النساء فاقدات المعيل، وتُؤمَّن وجبات يومية لهن في 24 تجمعاً. وتقول “حكومة الإنقاذ” إن نحو 2500 عائلة تعيش في هذه المخيمات من أصل نحو 200 ألف عائلة تعيش في أكثر من 1127 مخيماً في مناطق إدلب.