خاص – أنقرة
على الرغم من أنّ قطار التطبيع بين سوريا وتركيا لا يزال يراوح في محطته الأولى التي بدأت في أنقرة ويبدو أنها حتى الآن متوقفة فيها، في ظلّ تعنّت الحكومة السورية بشرط يتعلق بتواجد القوات التركية، إلّا أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “لا يزال يأمل في لقاء مع الأسد”، وفق آخر تصريح رسمي له أمس الأربعاء.
وسبق تصريحات أردوغان التي أعرب فيها عن أمله بإمكانية اللقاء مع الرئيس السوري، المضي في تطبيع العلاقات بين الجانبين. تصريحات لوزير الدفاع التركي يشار غولر في لقاء متلفز على إحدى وسائل الإعلام التركية، تحدث خلالها عن التطبيع وتطرق للجيش الوطني السوري المعارض.
وبخصوص المصالحة والتطبيع مع دمشق، قال الوزير التركي في مقابلة تلفزيونية مع قناة “TV100” التركية، الثلاثاء الماضي، إن “هذه المصالحة ستكون إيجابية للأسد الذي يفتقر إلى قاعدة شعبية حقيقية”، لكنّ “الجيش الوطني سيكون جزءاً من مستقبل سوريا إذا بقيت دولة واحدة” وفق غولر.
أردوغان والأسد: أمل اللقاء
ورأى غولر أنّ عرض أردوغان للأسد من أجل التطبيع هو “فرصة لتحقيق السلام في سوريا، لكنّ أنقرة لن تسحب قواتها من سوريا دون شروط واضحة، وهذا ليس خياراً مطروحاً حالياً”.
ويرى الكاتب والباحث السوري مصطفى النعيمي، أنّ “تركيا تنطلق من أنّ المناخ الدولي مناسب جداً من أجل إنجاز حلول مستدامة في الملف السوري وبعد الرفض المتكرر من قبل (النظام السوري) والمتغيرات التي طرأت على الساحة اللبنانية وانعكاساتها على الساحة السورية وكذلك التهديدات الإسرائيلية للأسد بشكل مباشر بأنه سيلاقي مصير حسن نصر الله إن لم يلتزم بعدم تقديم الدعم العسكري واستخدام أراضيه منطلقاً لعمليات عدائية تجاه الجانب الإسرائيلي”.
ويضيف النعيمي لموقع “963+” أنه بناء على ذلك فإن “صانع القرار في أنقرة على ثقة تامّة بأنه لا دور للنظام السياسي الحاكم في سوريا الآن في مستقبل سوريا فبالتالي القوى العسكرية الموجودة ضمن مناطق النفوذ التركي تعتبر هي الجهة البديلة في حال انهيار الفصائل الموالية لطهران بمسمياتها المختلفة وبناء عليه عدم التنسيق مع الأسد بات سيّد المشهد في المرحلة القادمة وربما انعكاسات القمة العربية ستكون كبيرة جداً على الملف السوري”.
وتريد أنقرة من خلال هذه التصريحات توجيه رسائل واضحة لدمشق، بحسب النعيمي، “أولها بأنّها تدرس احتمالات لعدم التطبيع، وأهمها إطلاق يد الجيش الوطني بشكل أكثر فاعلية، وهو ما قد يعني تهديداً بتمدد عسكري إلى مناطق في ريفي إدلب وحلب عبر الجيش الوطني”، خصوصاً وأنّ “تركيا تقرأ التهديدات الإسرائيلية في سوريا من منظور أبعد وتراها قد تهدد الحدود معها”.
الجيش الوطني ومستقبل سوريا
وقال مصطفى أحمد الشيخ، رئيس المجلس العسكري للجيش السوري الحر سابقاً وخبير عسكري، في حديث لـ”963+” أن “دمج الفصائل السورية المسلحة مع الجيش السوري خلال المرحلة الانتقالية يعدّ خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار في سوريا”. وأشار الشيخ إلى أن الفصائل، التي يُعرف بعضها بتسليح أفضل وتنظيم أكثر من الجيش السوري، يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في إعادة تشكيل القوات المسلحة خلال هذه المرحلة، خاصة في ظل تفكك البنية العسكرية للجيش النظامي وارتفاع نسب التخلف عن الخدمة العسكرية بين الشباب السوري.
وأضاف الشيخ أن “تجارب دول أخرى، التي نجحت فيها دمج الفصائل المتمردة في الجيش، تدل على جدوى هذا الحل”، مشيراً إلى “استعداد فصائل الشمال السوري (باستثناء هيئة تحرير الشام) للالتزام بأي قرار دولي يتضمن دمج الجيش الوطني مع الجيش النظامي”.
ولكن تقارير وأحداث تدور على الأرض في مناطق شمال وشمال غربي سوريا، تشير إلى عكس ذلك. إذ في أغلب الأوقات ما تشهد تلك المناطق اقتتالات بين فصائل معارضة منضوية تحت لواء “الجيش الوطني السوري”، لأسباب تتعلق بالنفوذ في منطقة محدودة الموارد، في مؤشرات لفوضى تضرب تلك المناطق.
وحاول موقع ”963+” التواصل مع عدد من قادة الجيش الوطني السوري للوقوف عند التصريحات التركية الأخيرة، إلّا أنّه لم يتلق أي إجابات.
التواجد التركي: ورقة تفاوض
وخلال السنوات الأخيرة تراجعت أنقرة عن مواقفها السابقة، المناهضة للأسد، ووصلت تصريحات المسؤولين الأتراك إلى حد استجداء الأسد للقبول بالجلوس على طاولة الحوار، إلا أن المحاولات التركية قُوبلت بصد من المسؤولين في دمشق، والذين أكدوا أن تركيا “ليست جدية” في محاولاتها.
ويبدو أنّ أردوغان لا يزال متفائلًا بشأن الأسد، ولا يزال لديه أمل في أن يتمكن من الاجتماع معه، وأن يضع رفقة الأسد العلاقات السورية التركية على المسار الصحيح، وفق ما صرّح به أمس.
وقال أردوغان في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية: لقد مددنا أيدينا إلى الجانب السوري فيما يتعلق بالتطبيع، ونعتقد أن هذا التطبيع سيفتح الباب أمام السلام والهدوء في الأراضي السورية”، مشيراً إلى أنه “يجب على الأسد أن يدرك ذلك، ويتخذ خطوات لإدخال مناخ جديد في بلاده، التهديد الإسرائيلي المجاور لهم ليس قصة خيالية، ويجب ألا ننسى أن النار من حولهم سوف تنتشر بسرعة في الأراضي غير المستقرة” وفق الرئيس التركي.
وفي آذار/مارس 2012، قررت تركيا إغلاق سفارتها في دمشق، مُبررة ذلك بتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، وقمع السلطات السورية للمحتجين، وجرى تنظيم مؤتمرات عديدة للمعارضة في تركيا، هدفها الاتفاق على خطة موحدة للإطاحة ببشار الأسد.
ويعتبر التواجد التركي في شمالي سوريا أبرز التحديات التي تحول دون تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، إلى جانب موقف تركيا من فصائل المعارضة السورية، وهما شرطان يُصر عليهما الأسد للقاء أردوغان.
وأشار الشيخ إلى أن “النظام السوري هو من يسعى لتصوير تركيا كدولة محتلة”، معتبراً أن “التدخل التركي كان ضرورياً، ولا أرى أن أنقرة تسعى للبقاء الدائم في سوريا”.
وشدد على أن “هذا الوجود مرتبط أساساً بالأمن القومي التركي، وسيظل مؤقتاً”، مؤكداً أن “تركيا قد تبدأ سحب قواتها فور ضمان عدم تقسيم سوريا”.