خاص ـ حلب
تتواتر زيارات السيدة الأربعينية أم حسن إلى طبيب الصدرية عدنان الشهابي في حي سيف الدولة بحلب السورية، على أمل أن يُشفى طفلها البكر حسن ذو الـ9 سنوات من مرض الربو الذي استقر بصدره كما استقرت الحرب في سوريا.
ومنذ عام وحتى اللحظة، زارت أم حسن كل المشافي والأطباء في حلب، لكن طفلها لم يشفَ بعد من الربو الذي بدأ معه منذ سنتين، وتروي السيدة الحزينة لـ”963+” تفاصيل الإصابة منذ أن بدأت عندما استخدمت الحطب في التدفئة بدلاً عن المحروقات في شتاء 2022.
وتقول إن “غلاء المحروقات وشحها دفعني لشراء الحطب والبيرين (مادة قابلة للاشتعال مكونة من مخلفات عصر الزيتون)، كنت أظن أنني سأحمي أطفالي من البرد، لكن لم يخطر في بالي أبداً أن ذلك سيسبب الأمراض لطفلي البكر، فبدأ بالسعال وعند مراجعة الطبيب قال لي إن الربو مستفحل في صدره”.
مارثون دون نتائج
يعد الحصول على مازوت التدفئة في مناطق سيطرة الحكومة السورية صعب جداً، وخاصة مع انعدام الكهرباء والغاز، مما يدفع الناس إلى استخدام القماش والحطب والبيرين كمصدر للدفء، حيث تقول أم حسن إن “الأطفال لا يتحملون البرد وأنا كذلك، فكنت العام الماضي اشتري كيلو الحطب بـ3000 ليرة سورية (20سنت أميركي) وأقوم بإشعاله داخل المدفئة لأولادي، لكن ذلك يؤدي إلى أمراض خطيرة ومع الأسف لم أعلم ذلك إلا بعد مرض طفلي”.
وأم حسن من الأرامل في حلب، بعدما قتل زوجها عام 2019 في حي الفردوس الشهير في المدينة جراء انفجار لغم من مخلفات الحرب، وهي تعمل الآن في ورشة تطريز أقمشة في حي سيف الدولة، لكن ذلك لم يشفع لها كحال غالبية سكان حلب، في الحصول على مازوت التدفئة.
وتضيف أن “الحصول على مازوت التدفئة أشبه بالمارثون دون نتائج، فهي 50 ليتر ولا نحصل عليها إلا في الصيف وهذا حال غالبية المناطق في حلب، غير أنها بسعر 250 ألف ليرة سورية (ما يعادل 17 دولار أميركي) وهي غالية مقارنة بالرواتب والأجور، وكنت العام الماضي طوال الصيف أجمع بقايا القماش من الورشة التي أعمل بها وأخزنها للشتاء وأقوم بإشعالها داخل المدفئة، لقلة المازوت وغلاءه، ما تسبب بمرض طفلي في الربو”.
ويبلغ سعر كيلو الحطب حالياً في أسواق مدينة حلب 4500 ليرة سورية لحطب الزيتون (قرابة 25 سنت أميركي)، وهو ما يعني ارتفاع أسعاره في ذروة الشتاء مع ازدياد الطلب عليه.
ويقول تاجر حطب في سوق الفحم بحي بستان القصر لـ”963+” إن “سعر الحطب ارتفع قرابة 1500 ليرة سورية عن العام الماضي، ونحن الآن في بداية الشتاء، مما يعني أنه سيرتفع أكثر في قادم الأيام”.
ويرجع التاجر ارتفاع سعر الحطب إلى عدة أسباب أهمها “نقله من الريف إلى المدينة ودفع رسوم دخوله للمدينة (وهو إجراء تقوم به الفرقة الرابعة في القوات الحكومية وتقول إنه لرفد خزينة الدولة)”.
ويشير إلى أن غالبية الأهالي أصبحوا يستخدم الحطب في التدفئة لأنه الأرخص بالنظر إلى أسعار الغاز التي بلغت 550 ألف ليرة للجرة (ما يعادل 33 دولار أميركي) والمازوت الذي لامس سعر الليتر منه عتبة 22 ألف ليرة لليتر الواحد (قرابة 1.5 دولار أميركي).
لا جديد
بالنظر إلى رواية الحكومة، فإنها ذاتها منذ عدة سنوات حتى اللحظة، فضعف التوريدات هو المشكلة الأساسية بحسب ما قال مدير فرع المحروقات في حلب رشاد السالم لـ”963+”، والذي أضاف أن “عدد الطلبات من المحروقات إلى محافظة حلب يبلغ في الحالة الطبيعية 14 طلباً يومياً، أما الآن فإن 8 طلبات تصل المدينة يومياً مما يجعل توزيع مازوت التدفئة بطيء وهو ما يشتكي منه الناس”.
وبين السالم، أن توزيع مازوت التدفئة يتم عبر البطاقة الإلكترونية (الذكية) وبدأ التوزيع هذا العام من المناطق الشرقية لحلب التي سيطرت عليها القوات الحكومية في عام 2016، وهو إجراء لأول مرة يبدأ من تلك المناطق على خلاف الأعوام الماضية التي كان يبدأ فيها التوزيع من الأحياء الغربية.
ويشير إلى أن “عدد البطاقات الإلكترونية (الذكية) في محافظة حلب يبلغ حتى الآن 760 ألف بطاقة أسرية وذلك يعني 760 ألف حصة مازوت منزلية، بعدد ليترات إجمالي يبلغ 38 مليون ليتر مازوت وهو الرقم الذي تحتاجه المحافظة لتغطية احتياجات مازوت التدفئة للأهالي”.
وعن تأخر استلام مازوت التدفئة لوقت متأخر من الشتاء قال السالم لـ”963+” إن “فصل الشتاء هو متعب بالنسبة للمحروقات فضعف الإمكانيات يحد من التحرك بحرية في هذا الملف، ومع توزيع كمية كبيرة من المادة للناس، يكون انخفاض الكمية في المخزون الأساسي للدولة هو السبب”.
وبالتالي، بحسب السالم، “يتحتم علينا الانتظار حتى تصل شحنات أخرى من المازوت للحكومة وبعد ذلك نستمر بالتوزيع، وهي مشكلة معتادة لأن طلبات الاستيراد لا تتم بانتظام ولم تعالج هذه المشكلة في زمن الحكومة الراحلة، ونأمل أن يتم حلها في الحكومة الجديدة”، مضيفاً بأن الأولوية الآن لوسائل النقل العام خاصة مع وجود أزمة مواصلات حقيقية في المدينة.
شماعة الحرب المعجزة
يصف محمد الخليل (54 عاماً) أعذار الحكومة بأنها “شماعة لطالما كانت تتمناها الحكومة”، ويقول: “عندما كانت كمية مازوت التدفئة 200 ليتر، كانت حينها الحكومة تعلم أنها لا تكفي لفصل الشتاء، وبعد ذلك تم تخفيض الكمية لـ100 ليتر فازداد الأمر سوءاً، والآن أصبحت 50 ليتراً وأصبح الأمر كارثياً، فكم يوم تكفي هذه الكمية من أيام كانون (إشارة إلى شهري كانون الأول/ديسمبر، وكانون الثاني/يناير، وهما عادة ما يشهدا تساقط الثلوج والبرد القارس)؟ وهو تساؤل يطرحه كل سكان سوريا، لكن دون أي جواب من الحكومة”.
ويضيف الخليل لـ”963+” أن “كل الناس تحولت إلى استخدام الحطب والبيرين في التدفئة، ولو استلموا مازوت التدفئة يقومون ببيعه وشراء الحطب لأنه لا يكفي سوى أيام معدودة، ولذلك لا جدوى من هذه الكمية التي أصبحت حلم… ياحيف بس”.
ويشير إلى أن “سعر مدفئة المازوت بلغ 750 ألف ليرة (50 دولار أميركي) وهو راتب موظف حكومي لشهرين في أحسن الأحوال، ولذلك لا أحد يشتريها إلا المقتدرين، وغالبية الناس غير قادرين على شراء المازوت ولا حتى المدفئة”.
ويلجأ بعض الأهالي في حلب إلى جمع الكرتون وبقايا القماش من ورشات الخياطة، ليتم تخزينها وحرقها عند اشتداد البرد، روغم المضار الصحية الناجمة عن احتراق هذه المواد، إلا أن معظم من يجمعون هذه الأشياء يقولون جملة واحدة “ما يجبرك عالمر غير الأمر منه”، فهل تستمع الحكومة لهذا المثل الشائع منذ مئات السنين؟ أم أنها منشغلة في سماع المثل القائل “مد رجليك على قدر لحافك”، يتساءل الأهالي.