أحمد الجابر – دمشق
رغم دحر تنظيم “داعش”، وإنهاء سيطرته الجغرافية منذ آذار/مارس 2019، حينما أعلنت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) عن هزيمته في بلدة الباغوز شرقي محافظة دير الزور شرقي سوريا، وهي آخر البقاع الجغرافية له، إلا أنه لا زال يشكل خطراً.
في 2017، تعرض التنظيم لهزيمة كبير، وتحوّل بعد ذلك من جماعة منظمة إلى فلول وخلايا تنفذ عمليات خاطفة ضد “قسد” والقوات الحكومية. وطيلة سنوات اتبع “داعش” استراتيجيات مختلفة، حرصاً على إثبات وجوده. لكن الخسائر الكبيرة التي تعرض لها أفقدته عوائد مالية ضخمة كان يستخدمها لتمويل عناصره وعملياته في سوريا بالمرتبة الأولى.
وعانى “داعش” أزمة مالية كبيرة لا تقل وقعاً عن ملاحقة خلاياه، وقتل القادة الذين تعاقبوا على زعامته، حتى أنه لم يعلن عن هوية زعيمه الأخير أبو حفص الهاشمي القرشي، الذي عينه في آب/أغسطس 2023.
ومنذ سنوات، عانى تجّار ورؤوس أموال ومستثمرو آبار نفطية من تهديدات عناصر التنظيم الذين يطلبون إتاوات عليهم لا سيما في محافظة دير الزور شرقي سوريا، ويلجأ عناصر “داعش” إلى تنفيذ تهديداتهم لإجبار الأشخاص على دفع المال.
استراتيجية تمويل العمليات
تقول لامار أركندي، متخصصة في شؤون الإرهاب، إنه من الصعب توقع استراتيجية “داعش”، إلا أنه يستهدف بشكل أساسي الشخصيات المؤثرة في المجتمع والعناصر الأمنيين والعسكريين بشكل أساسي في مناطق “قسد”، وأخرى خاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية.
وتضيف لموقع “963+” أن التنظيم يسعى لتجنيد عناصر بصفوفه سواء بالترغيب أو الترهيب، ويسعى للسيطرة على بقاع جغرافية وإن كانت متباعدة، لاستخدامها مستقبلاً منطلقاً في هجماته “الإرهابية”.
ويعمل تنظيم “داعش” على تشكيل معسكرات مصغرة لا سيما في البادية السورية والتي ينشط فيها، وسعى في فترات سابقة إلى تهريب “أشبال الخلافة” من مخيم الهول بريف محافظة الحسكة الجنوبي، إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة، تمهيداً لنقلهم إلى البادية وتدريبهم لتنفيذ هجمات ضد القوات الحكومية و”قسد”، وفقاً لأركندي.
والشهر الماضي، قال أحد عناصر تنظيم “داعش” في اعترافات مصورة نشرتها قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، إنه نقل 11 عنصراً من جنسيات أجنبية إلى بادية الرقة وقام بتسليمهم للتنظيم.
ومطلع العام الماضي 2023، وجّه المتحدث باسم التنظيم حينها أبو عمر المهاجر، قبل مقتله في إدلب، عبر كلمة ضمن إصدار مرئي، عناصر “داعش” لاستهداف المنشآت الاقتصادية لخصومه، وهي الاستراتيجية التي تصاعد تنفيذها خلال هذا العام.
وتقول أركندي إن التنظيم يهدف من خلال استهداف ناقلات “الفيول”، فرض إتاوات على مستثمري النفط في المنطقة لتحقيق عوائد مالية تسهم في تمويل أنشطته، مشيرةً إلى أن عناصر التنظيم اختطفوا سائقي صهاريج نفطية لمعرفة العوائد التي تحققها التجارة لتحديد المبالغ الواجب دفعها.
ويستهدف مسلحو التنظيم صهاريج تحمل مواد نفطية في مناطق سيطرة “قسد” والقوات الحكومية، وتصاعدت خلال الفترة الماضية هجماته ضد ناقلات النفط في دير الزور والرقة والحسكة وريف حماة.
ويكاد لا يخلو يوم من استهداف التنظيم لصهاريج تحمل مواد نفطية تتبع لشركة “القاطرجي” التي تنقل النفط من مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، وكذلك توجيه تهديدات لمستثمري آبار نفطية في دير الزور، وإشعال نيران في آبار رفض مستثمروها دفع إتاوات.
وتقول المتخصصة في شؤون الإرهاب، إن “داعش” يسعى لخلق أدوات جديدة لتمويله عبر فرض الإتاوات والسيطرة على الطرقات التجارية التي تربط بين المناطق السورية، مضيفةً أن التنظيم لن يسمح بعبور شاحنات نقل النفط دون تحصيل أتاوات.
استنزاف الخصوم
في شباط/فبراير الماضي، قالت الأمم المتحدة في تقرير، إنه “رغم أن داعش والجماعات المنتسبة إليه ظلوا يواجهون استنزافاً في القيادة ونكسات مالية، إلا أنهم احتفظوا بقدرتهم على شن هجمات إرهابية والتخطيط لتهديد خارج مناطق عملياتهم. وظل خطر عودة ظهور التنظيم قائماً في سوريا والعراق”.
وعلى مدى سنوات كانت أنظار العالم والدول والمسؤولين الأمميين تتجه على نحو كبير إلى سوريا والعراق و”مخيم الهول” الذي يضم عائلات وأبناء عناصر “داعش” السجناء والقتلى. كما ينشط “داعش” في سوريا بمجموعات تنتشر في منطقة البادية السورية مترامية الأطراف والتي تعتبر مركز قيادة التنظيم.
ويقول أحمد بان وهو باحث في الجماعات المتطرفة، إن تنظيم “داعش” يتبع استراتيجية متوسطة المدى، تهدف إلى تجنيد عناصر جدد لتعويض النزيف في عديد قواته.
ويضيف لـ”963+” أن التنظيم وإن لم يستعد بعد كامل “لياقته” التنظيمية والقتالية، لكنه يمر في الفترة الحالية بمرحلة بناء وتنظيم هيكليته.
ويلجأ تنظيم “داعش” لمهاجمة الأنشطة الاقتصادية لإحداث صدى لهجماته من جهة، واستنزاف خصومه من جهة أخرى، كما يعمل على جني الإتاوات من السكان المحليين والتجّار لتمويل أنشطته من جديد، وفقاً للباحث.
ويشير بان، إلى أن التنظيم ينفذ هجماته في مناطق جغرافية متباعدة، بسبب ضعف خلاياه وعدم قدرته على تنظيم هجمات كبيرة، لذلك يلجأ إلى استراتيجية “شوكة النهاية والإنهاك لخصومه” عبر عمليات محدودة في مناطق متباعدة جغرافياً.
يشكّل خطراً
في نهاية الشهر الماضي، حذر القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية، مظلوم عبدي، من أن خطر تنظيم “داعش” في شمال شرقي سوريا مازال قائماً، مشيراً إلى أن العمليات المشتركة، التي تنظمها قواته مع قوات التحالف الدولي ضد التنظيم ساعدت على إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة.
ورغم أن الإنتاج الإعلامي لتنظيم “داعش” على الإنترنت، لم يعد مكثفاً كما كان عندما كانت “خلافته” قائمة، لكنه مازال قادراً على تجنيد مصممي المؤثرات ومصممي المواقع الإلكترونية الموهوبين لنشر رسالة الكراهية والتحريض على الانتقام.
وفي أغسطس الماضي، قالت وزارة الدفاع الأميركية، إن “داعش” لايزال يشكل خطراً في المناطق التي ينتشر فيها، وخاصة في سوريا. وذكر السكرتير الصحفي لـ”البنتاغون”، بات رايدر، في إحاطة صحفية، أن التنظيم لايزال يشكل تهديداً، “لكنه بالتأكيد لا يملك نفس القدرة التي كان عليها قبل عشر سنوات”.
وفي ذات الشهر، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن محاولة التنظيم للعودة مجدداً تمثل تحدياً مختلفاً عن الذي فرضه في أوج قوته، عندما كان يسيطر على مساحات في سوريا والعراق تقدر بـ38 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى توجه عناصر من مختلف البلدان للانضمام إلى صفوفه.
ونقلت الصحيفة عن ضباط في التحالف، بأن تنظيم “داعش” يحشد قواته في البادية السورية، ويدرب مجندين جدد ليوجهوا ضرباتهم ضد القوات الحكومية السورية والتحالف الدولي و”قسد” ويستعيدوا “حلم الخلافة”.
وكانت قد أعلنت القيادة المركزية الأميركية، في تموز/يوليو الماضي، عن تنفيذ 153 عملية ضد تنظيم ”داعش” في سوريا والعراق، أسفرت عن مقتل 44 عنصراً واعتقال 166 من التنظيم المتطرف خلال النصف الأول من العام الجاري.
وأشار البيان حينها إلى أن الزيادة في الهجمات يحاول التنظيم من خلالها إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض قدرته. وقال الجنرال مايكل كوريلا، وهو قائد قوات التحالف الدولي ضد “داعش”، حينها، إن ملاحقة حوالي 2500 من عناصر “داعش” في جميع أنحاء العراق وسوريا “عنصر حاسم في الهزيمة الدائمة للتنظيم”.