خاص – عمّان
في مخيمات عشوائية أقيمت للاجئين السوريين بمحافظة المفرق، في الشمال الشرقي من المملكة الأردنية، الواقع المعيشي مرير، والواقع التعليمي أمرّ: قيود مالية قاسية، مسافة بعيدة إلى المدارس، عنف منزلي، غياب أي مرافق مخصصة لأطفال من ذوي الإعاقة.
تقول الدكتورة عبلة عماوي، الأمينة العامة للمجلس الأعلى للسكان، إن الأردن شهد تطوراً ملحوظاً في قطاع التعليم العام، “حيث تمكن من إرساء نظام تعليمي شامل وعالي الجودة يعتمد على مجانية التعليم وإلزاميته حتى سن السادسة عشرة”، موضحة لـ”963+” أن هذا التقدم “انعكس إيجاباً على العديد من المؤشرات الوطنية، فبلغت نسبة الالتحاق في التعليم الأساسي 98.02% خلال العام الدراسي 2018 – 2019، بواقع 98.17% للذكور و97.87% للإناث”.
رغم هذا النجاح، تعترف عماوي بوجود تحديات لا تزال تواجه النظام التعليمي، “أبرزها مشكلة التسرب المدرسي، حيث يتسرب عدد لا يستهان به من الطلاب والطالبات قبل بلوغهم سن السادسة عشرة”، مشيرةً إلى أن هذا الأمر يخالف نصوص المادة (10/أ، ج) من قانون التربية والتعليم الأردني، “فضلاً عن تعارضه مع الالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة الأردنية”.
التسرّب إلى ارتفاع
تلفت عماوي إلى أن التسرب المدرسي ليس مشكلة أردنية فحسب، إذ يشير تقرير صادر عن اليونيسف بعنوان “منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – جيل 2030” إلى وجود 10 ملايين طفل خارج مقاعد الدراسة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في المنطقة، متوقعاً ارتفاع العدد إلى 12 مليوناً بحلول عام 2030.
ورغم الدعم الأممي المستمر، وخصوصاً من منظمة اليونيسف، لمبادرات تعليم الأطفال السوريين في الأردن، ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الأردنية لتنفيذ إلزامية التعليم، ثمة 115 ألف طفل غير ملتحقين بالمدارس في الأردن، يمثلون نحو 6.2% من إجمالي عدد الأطفال.
وتشير بيانات حكومية أردنية إلى أن أغلبية هؤلاء الأطفال من غير الأردنيين، وأن عدد الأطفال السوريين بينهم نحو 50 ألفاً. كما تُظهر الإحصائيات أن الفتيان أكثر عرضة للتسرّب المدرسي مقارنة بالفتيات، علماً أن 3200 طفل سوري و3000 طفل أردني استفادوا جهود مكافحة التسرّب المدرسي، إذ قدمت الحكومة الأردنية ورقة رسمية للدول المانحة وللأمم المتحدة تطالب فيها بدعم التعليم للأطفال السوريين، مشددةً على ضرورة تنفيذ خطة الاستجابة الأردنية للاجئين السوريين بمبلغ إجمالي قدره 562,215,332 دولاراً.
وأشارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن التزام توفير التعليم للاجئين، وفقاً للاتفاقيات الدولية، يواجه عقبات كبيرة، حيث أظهرت البيانات أن نحو 48% من الأطفال اللاجئين في دول الجوار السوري خارج المدارس.
وبحسب المفوضية، في مستوى التعليم الابتدائي، بلغت نسبة الالتحاق بالمدارس للأطفال اللاجئين في الدول التي قدمت بياناتها 68% بين آذار/مارس 2019 ومارس 2020، بينما كانت نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي 34% فقط. أما في مجال التعليم العالي، فوصل معدل الالتحاق إلى 5% خلال نفس الفترة، ما يمثل زيادة بنسبة 2% عن مارس 2018، ما يُعد تغييراً جوهرياً لملايين الشبان والشابات.
ما تكلفة تعليم الطفل السوري؟
خلال العام الدراسي 2022، بلغ إجمالي عدد الطلاب في الأردن 143,938 طالباً، بمتوسط تكلفة لكل طالب تقدر بـ 1251 دولاراً. وأشارت دراسة حديثة بعنوان “النزوح القسري والتعليم: بناء الأدلة على الحلول الناجحة”، أصدرتها منظمة اليونيسف، إلى أن تكلفة تعليم الطالب السوري تزيد بنسبة 15% عن تكلفة الطالب الأردني، “ما يُبرز الحاجة الملحة إلى تحسين البنية التحتية للمدارس وصيانتها بشكل دوري”.
علاوة على ذلك، أظهرت البيانات ارتفاع عدد الأطفال السوريين اللاجئين في المدارس الحكومية الأردنية، حيث زاد العدد من 134,121 طالباً في العام الدراسي 2018-2019 إلى 136,437 طالباً في العام الدراسي 2019-2020. وتشير دراسة السكان لعام 2019، التي أعدتها مؤسسة VAF التابعة للأمم المتحدة، إلى أن 19% من الأطفال السوريين “يعتبرون في حالة تعرض شديد للتسرّب والتوقف عن الدراسة”.
متسربات ومتزوجات تحت سن الرشد!
ليست تكلفة التعليم السبب الوحيد للتسرب، فالزواج المبكر سبب ايضاً، لكنه يردّ بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تدفع الفتيات إلى ترك مدارسهن والسعي وراء الزواج كحل لتخفيف الأعباء المالية على أسرهن، في ظل غياب فرص التعليم والتوعية. وصارت هذه الظاهرة عائقاً أمام تمكين الفتيات وتطوير مستقبلهن.
وأظهرت بيانات اليونيسيف في عام 2021 أن الزواج المبكر “قضية ملحة في الأردن، خصوصاً بين اللاجئات السوريات”، فنحو 8% من الفتيات في الأردن يتزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً، وترتفع هذه النسبة بين اللاجئين السوريين فتصل إلى 32%. لذا، تدعو اليونيسيف إلى “تكثيف الجهود عبر برامج توعوية وتعليمية للحد من الزواج المبكر، لحماية حقوق الفتيات وفتح آفاق مستقبلية أفضل لهن”.
من ناحية معاكسة، أكد المجلس الأعلى للسكان أن التسرب من التعليم يساهم في تفشي ظاهرة زواج القاصرات. فقد أظهرت دراسة صادرة عن المجلس عن “زواج القاصرات” في عام 2017، مستندةً إلى بيانات التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2015، أن عدد المتزوجات دون سن 18 عاماً ويعتبرن من المتسربات من التعليم بلغ 414,358 امرأة، أي ما يعادل 21% من إجمالي المتزوجات في المملكة الأردنية، وبينهن 253,155 أردنية (17.6% من مجموع المتزوجات).
المطلوب استجابة وطنية
أوضح المجلس الأعلى للسكان أن التصدي لمشكلة التسرب من التعليم يتطلب جهداً وطنياً مشتركاً لوضع وتنفيذ خطة شاملة تعتمد على تحديد أسباب التسرب وتحديد الإجراءات الوقائية والعلاجية. وأوصى المجلس بضرورة إنشاء نظام إنذار مبكر لرصد الإشارات الدالة على التسرب، مثل التغيب والسلوك العدواني وضعف الأداء الأكاديمي.
كما شدد المجاس على أهمية تفعيل دور المرشدين التربويين لمساعدة الطلبة في معالجة مشكلاتهم بالتعاون مع الجهاز التعليمي والمجتمع المحلي، وخلق بيئة مدرسية جذابة، ودعم الأجهزة التنفيذية في تطبيق التشريعات التي تضمن إلزامية التعليم الأساسي ومنع تشغيل الأطفال، إضافة إلى نشر الوعي المجتمعي لحث الأسر على توفير بيئة ملائمة للدراسة، والحد من ظاهرة زواج الفتيات دون سن 18 عاماً.
في تقرير صادر في حزيران/يونيو 2020، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية إن نحو 80% من اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، “حيث يمتلك 2% فقط منهم مدخرات، بينما يرزح معظمهم تحت الديون، وتعتمد معظم الأسر السورية في الأردن على الدعم المالي من الوكالات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، إلا أن المساعدات المقدمة لهم قد تم قطعها أو تقليصها بشكل كبير في السنوات الأخيرة”.
وأوصت المنظمة بـ”ضرورة الاستمرار في توسيع نطاق برنامج التعليم غير الرسمي المخصص للمتسربين والمتسربات، والذي يخدم حالياً جزءاً صغيراً فقط من الأطفال الذين كانوا خارج المدرسة، وضمان حصول الأطفال على برامج تعليمية علاجية واستمرارهم في التعليم”. كما دعت إلى “رفع الحظر المفروض على الأطفال الذين أكملوا برنامج التسرّب، وتمكينهم من الالتحاق بالمدارس الفعلية إذا اختاروا ذلك، مع السماح لهم بخيار الدراسة في المنزل للتقدم لامتحانات المرحلة الثانوية”.
دعم المجتمع المدني ضروري
في ظل الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها اللاجئون السوريون في المخيمات العشوائية بمحافظة المفرق الأردنية، يقول راشد الشرعة، رئيس جمعية زمزم الخيرية في الأردن، أن جمعيته تركز جهودها منذ عام 2015 على مواجهة مشكلتين رئيسيتين: التعليم والصحة، إضافة إلى تأمين الماء والخبز.
ويضيف الشرعة لـ”963+”: “توجهنا إلى الجهات الممولة والداعمة لتلبية احتياجات المخيمات، التي تعاني نقصاً كبيراً في الخدمات الأساسية. فهناك نحو 12 مركزاً تعليمياً في تلك المخيمات، ونسعى إلى رفع العدد إلى 25 مركزاً بنهاية العام الجاري، رغم تراجع الدعم الأممي”، مؤكداً التزام الجمعية تقديم الدعم التعليمي للأطفال، ومتطرقاً إلى إشكالية الترحال بحثاً عن لقمة العيش، “التي تدفع بعض العائلات إلى إرسال أطفالهم للعمل، ما يؤثر سلباً في تعليمهم”. ويشدد على أهمية دعم منظمات المجتمع المدني والجهات الممولة، “فنحن نسعى لتخفيف وطأة الحرب والضغط النفسي على هؤلاء الناس، وندعو الجميع للوقوف إلى جانبهم في هذه الأوقات الصعبة”.
للاطلاع على الجزء الأول: https://963media.com/29201/#