خاص – طهران
بدأ مسؤولون إيرانيون توجيه رسائل لدونالد ترامب منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تتضمن الدعوة لوقف التصعيد بالمنطقة والتحذير من تبعات استمراره على العالم بأسره، وإظهار عدم النية لامتلاك سلاح نووي، وتجنب العودة للسياسات السابقة، ما يظهر مخاوف طهران من نهج أميركي أكثر تشدداً ضدها بعد استلامه السلطة.
وأظهر ترامب خلال ولايته السابقة الممتدة بين عامي 2016 و 2020، نهجاً أكثر تشدداً تجاه إيران، على خلاف سلفه الديموقراطي باراك أوباما، حيث أعلن في 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعه الأخير معها في 2015، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
كما استهدفت في عهده غارة أميركية، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” العراقي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني/ يناير 2020، قرب مطار العاصمة العراقية بغداد، ما أدى لمقتلهما.
تحركات واجتماعات لـ”الثوري الإيراني” شرقي سوريا.. هل بدأت مرحلة استقطاب جديدة؟
وقال محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، في تصريحات صحفية أمس السبت، إنه “يجب على ترامب إظهار أنه لن يعود إلى اتباع سياسات الماضي الخاطئة”، معتبراً أن “نهجه السياسي الذي اتبعه تجاه إيران خلال ولايته السابقة أدى لزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم”.
إبداء مرونة بالبرنامج النووي
وأضاف: “لا بد أن ترامب أدرك أن سياسة الضغوط القصوى التي بدأها تسببت في وصول تخصيب إيران لليورانيوم إلى 60% من 3،5%، كرجل حسابات عليه أن يقوم بالحسابات ويرى ماهي مزايا وعيوب هذه السياسة، وما إذا كان يريد الاستمرار فيها”.
سبق ذلك، توجيه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة إلى ترامب، قال فيها إن “إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، والطريق إلى الأمام وتغيير النهج خيار مطروح”، مضيفاً أن “إيران تحترم خيار الشعب الأميركي في اختيار رئيسه”.
ونفى عراقجي خلال منشور على منصة “إكس” أمس السبت، اتهامات الولايات المتحدة بوجود صلة بين إيران ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب قبل أسابيع خلال حملته الانتخابية، داعياً إلى “بناء جسور الثقة بين واشنطن وطهران”، فيما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في بيان، أن “تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأن الأوساط الإسرائيلية والمعادية هي من تقف وراءها من أجل تعقيد العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل أكبر”.
وكانت وزارة العدل الأميركية، قد قالت الجمعة الماضي في بيان، إن “الحرس الثوري الإيراني كلف فرهاد شاكري (51 عاماً)، وهو مواطن أفغاني يعتقد أنه في إيران، بتقديم خطة لقتل ترامب”. وقال وزير العدل ميريك غارلاند في بيان: “قليلة هي الجهات في العالم التي تشكل تهديداً خطراً على الأمن القومي للولايات المتحدة مثل إيران”، كما وجهت اتهامات منفصلة لشاكري وشخصين آخرين هما كارلايل ريفيرا (49 عاماً) و جوناثان لودهولت (36 عاماً) بالتخطيط لقتل معارضة أميركية من أصل إيراني في نيويورك.
رسائل استباقية
كما حذر وزير الخارجية الإيراني، من “خطر انتشار الحرب في قطاع غزة ولبنان إلى خارج منطقة الشرق الأوسط”، وقال في كلمة بثها التلفزيون الإيراني أمس السبت: “على العالم أن يعلم أن الحرب إذا انتشرت فإن آثارها الضارة لن تقتصر على منطقة غرب آسيا فقط، انعدام الأمن والاستقرار يمكن أن ينتشرا إلى مناطق أخرى، حتى إلى أماكن بعيدة”.
وفهمت تصريحات عراقجي، على أنها “رسائل استباقية للإدارة الأميركية قبيل استلام ترامب لمهامه كرئيس للولايات المتحدة، تحملها للتوصل إلى اتفاق ووقف التصعيد بالشرط الأوسط في ظل مخاوف طهران من نشوب حرب إقليمية شاملة تحاول تجنبها”.
وتسلط تصريحات المسؤولين الإيرانيين المتتالية الضوء على الحديث عن “مخاوف إيرانية حقيقة” بشأن السياسة الأميركية تجاهها بعد تسلم ترامب السلطة في كانون الثاني/ يناير القادم، والتماهي مع توجهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة عزل طهران وتحجيم نفوذها ونفوذ الفصائل المدعومة منها بالمنطقة، ومنع وصول الأسلحة إليها”.
وبشأن ملامح سياسة ترامب تجاه إيران، كتب جو حمورة في موقع “963+”، أنه “في السابق كانت السياسة الأميركية تجاه طهران تتجه إلى تخييرها بين العقوبات أو تقليص نفوذها بالشرق الأوسط، لكن ترامب خيرها في ولايته الأولى وسيخيرها في ولايته الجديدة، بين بقاء النظام الإيراني وبين تقليص نفوذها”.
تقليص النفوذ
واعتبر، أن “ترامب لا يكترث ببقاء النظام الإيراني، ولا يكترث حتى بالبديل عنه، وهو يعرف كيفية استخدام الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية الناجحة من أجل لوي ذراع طهران وشبكات مصالحها في سوريا ولبنان وغيرها. وكما حصل يوم ألغى ترامب “الاتفاق النووي”، يمكنه الآن بسهولة الضغط على إيران بشكل جدي كما أشار أكثر من مرة في خطبه الانتخابية، فيما ستضع طهران بقاء النظام كأولوية قصوى، مما يعني قبولها بتقليص نفوذها في البلاد العربية المجاورة والانسحاب منها، سواءً كان ذلك عن قناعة أو على مضض”.
ووسط “المخاوف الإيرانية من الانجرار إلى حرب بالمنطقة تقود إلى خسائر كبيرة”، كشفت وسائل إعلام إيرانية أن “مجلس الأمن القومي الإيراني بحث خلال اجتماع قبل أيام، دعوات مسؤولين بالحكومة لتأجيل الرد على إسرائيل، وسط تشديد من قبل الرئيس مسعود بزشكيان وحكومته على ضرورة تأجيل الرد لعدم تحقيق هدف نتنياهو باستدراج إيران والولايات المتحدة إلى حرب مباشرة”، كما دعا علي لاريجاني مستشار خامنئي إلى “العقلانية وعدم الانجرار وراء الفخ الإسرائيلي”.
ويرى محللون، أن السياسة الأميركية تجاه إيران بعد تسلم ترامب السلطة، ستكون مرتبطة بشكل كبير بالملفات الأخرى وشكل التفاهمات المقبلة بمنطقة الشرق الأوسط بدءاً من قطاع غزة ولبنان وصولاً إلى خارطة السيطرة في سوريا ومصالح إسرائيل و”أمنها القومي” وحل الدولتين، في ظل توقعات باتجاه واشنطن نحو بحث شامل لجميع الملفات، وعدم تجزئة الحلول.