ما المنتظر من دونالد ترامب؟ هذا هو السؤال المحوري في الوقت الراهن. ما تأثير وصوله إلى البيت الأبيض على بلاد وشعوب الشرق الأوسط؟ كيف سيتعامل مع إيران ومع إسرائيل؟ هل سيوقف الحرب في لبنان وسوريا وقطاع غزة، وكيف؟
من المؤكد أن الرجل استثنائي، حكم كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، ثم أُقصي انتخابياً عن السلطة، وعاد إليها الآن. حارب مجموعات كبيرة التأثير داخل بلاده وخارجها، وكانت له نجاحات استثنائية، خاصة في مجال العلاقات الدولية، خلال فترة ولايته الأولى بين 2016 و2020.
في خطابه الأول بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، قال ترامب إنه سوف يؤيد “حق إسرائيل في الفوز بحربها ضد الإرهاب”. الرسالة واضحة وصريحة؛ لن يتراجع الرئيس الأميركي القادم عن سياسة واشنطن الداعمة لأعمال تل أبيب، بل سيزيد عليها دعم حقها في الفوز بالحرب. في السابق، كان حكّام أميركا يؤيدون حق إسرائيل في الوجود والتنعم بالأمن والدفاع عن النفس، أما ترامب فيريد أيضاً فوز إسرائيل على أعدائها “الإرهابيين”، قاصداً “حركة حماس” و”حزب الله”، وربما حتى على إيران.
سيُقابل دعم إسرائيل المطلق بسياسة أكثر حزماً في الشرق الأوسط، وتحديداً ضد إيران. في السابق، كانت السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران تتجه إلى تخييرها بين العقوبات على النظام الإيراني وبين تقليص نفوذها في الشرق الأوسط. مع ترامب، الأمر مختلف، إذ خيّرها في فترة ولايته الأولى، وسيخيّرها غداً، بين بقاء النظام الإيراني وبين تقليص نفوذها في الشرق الأوسط. لا يكترث ترامب ببقاء النظام الإيراني، ولا يكترث حتى بالبديل عنه، وهو يعرف كيفية استخدام الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية الناجحة من أجل لوي ذراع طهران وشبكات مصالحها في سوريا ولبنان وغيرها. وكما حصل يوم ألغى ترامب “الاتفاق النووي”، يمكنه الآن بسهولة الضغط على إيران بشكل جدي كما أشار أكثر من مرة في خطبه الانتخابية، فيما ستضع طهران بقاء النظام كأولوية قصوى، مما يعني قبولها بتقليص نفوذها في البلاد العربية المجاورة والانسحاب منها، سواءً كان ذلك عن قناعة أو على مضض.
أما بالنسبة لسوريا، فلم تأخذ الحرب فيها حيزاً مهماً في خطابات ترامب في السنوات القليلة الماضية، ولا تبدو ذات أولوية له ولإدارته القادمة. الأولوية الأساسية عند ترامب وحزبه الجمهوري هي إخراج الجنود الأميركيين من سوريا، وهو الأمر الذي لن يقوم به الرئيس الأميركي قبل تحقيق تسوية سياسية تؤمن الحد الأدنى من الأمن والاستقرار في سوريا. وعليه، سيكون الدفع الأميركي نحو تحريك المياه الراكدة في الصراع الدموي السوري حافزاً للسوريين للاقتراب خطوة نحو إنهاء الحرب الداخلية. أما تحقيق تلك التسوية فليس مستحيلاً، ولكنه مرتبط بمدى الضغط الأميركي على إيران بوصفها لاعباً أساسياً في سوريا، وبطبيعة العلاقات التي ستقوم بين واشنطن وأنقرة، كما بين واشنطن وأكراد سوريا.
لترامب نفسه تجربة حسيّة في هذا المجال، وقد تحققت في أفغانستان، عندما توصّل إلى تسوية سياسية مع قادة “طالبان” مبنية على “الانسحاب المشروط” (Condition-based Withdrawal) كما أشار ترامب أكثر من مرة. قامت تلك السياسة على تنفيذ الجيش الأميركي انسحاباً عسكرياً بطيئاً من أفغانستان بشرط تنفيذ مطالبها، وهو النموذج الممكن تطبيقه في سوريا، فيكون الانسحاب مشروطاً بالتوصل إلى تهدئة عسكرية، خروج إيران من سوريا، وخلق نظام عسكري أمني أو سياسي جنوب البلاد يؤمن أمن إسرائيل على المدى المنظور.
أما بالنسبة للحرب بين إسرائيل وكل من “حركة حماس” و”حزب الله”، فلا يكترث ترامب بسيرها، إنما يهتم بنتيجتها. هو لا يريد سوى فوز إسرائيل فيها، مهما كان الثمن أو كانت الطريقة. وكما ذكر أكثر من مرة، هو يريد انتهاء هذه الحروب بسرعة داعياً إسرائيل إلى فعل ما تريده. لا اكتراث حقيقي لدى ترامب بعدد الضحايا أو بحجم الدمار في قطاع غزة أو لبنان، بل إن جل ما يريده هو الانتهاء من هذه الحروب التي يصفها بأنها “غير مجدية” وتحقيق إسرائيل لما تصبو إليه. يقف ترامب مع تحقيق السلام بعد هذه الحروب، ولكن بما يخدم إسرائيل وأمنها القومي.
لذلك، فإن “حزب الله” ومن خلفه لبنان سيدفعون ثمن المغامرة التي دخلا فيها، تماماً كما دفعت “حركة حماس” وقطاع غزة الثمن الأغلى. إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي قُمع من إدارة جو بايدن والحزب الديمقراطي، لم يتوانَ عن ممارسة معظم أنواع الأعمال العسكرية، فكيف بالحري مع إدارة أميركية جديدة تريد منه الانتهاء سريعاً من الحرب والفوز فيها؟
واللافت في الخطابات اللبنانية الرسمية وتلك التابعة لـ”حزب الله” خلال الأيام الأخيرة هو استجداؤهم وقف إطلاق النار، فيما نتنياهو لا يبدو أنه يكترث لهذه المطالب، لا بل غيّر وزير دفاعه “المتوازن” واستبدله بوزير يميني متطرف أعلن أكثر من مرة نيته تدمير لبنان وقطاع غزة بشكل كامل. كما ظهر نتنياهو، كأول مهنئي ترامب بفوزه، مزهواً بفوز “صديقه”، وسعيداً بمعرفته بأن أيام غياب الشروط الأميركية على التحركات الإسرائيلية قد أوشكت على الأفول.
أمام شعوب سوريا وفلسطين ولبنان وإيران الكثير من التغييرات القادمة، بعضها سيكون دموياً وبعضها الآخر إيجابياً ومسالماً. إلا أن الأكيد أن إسرائيل ستكون اللاعب الأساسي الذي ينتظره المزيد من الدعم الأميركي والكثير من حرية العمل في أجواء وأراضي البلاد المجاورة لها.