خاص – عبد الحي عبد الحي / إدلب
فكرة خاطئة سائدة بين السوريين، خصوصاً سكان شمال سوريا، عن عمل المرأة في المجال القانوني أو الحقوقي، “فالمجتمع لم يكن يتقبل فكرة أن تدافع امرأة عن حقوق الرجل أمام قوس المحكمة، خصوصاً في فترة الثورة، مع ما شهدته المنطقة من تخبط أمني وسياسي، ومع محاولة إعادة هيكلة عمل نقابة المحامين التي انقسمت بين حلب وإدلب”، كما تقول سمر لطوف، قاضية الجزاء في محكمة إعزاز شمال حلب.
عملت لطوف في المجال الحقوق منذ عام 2017، لديها الكثير لتقوله عن عن الصعوبات التي واجهتها في عملها، وعن انتسابها إلى نقابة المحامين التابعة للمعارضة السورية. تقول لـ”963+”: “كنت أول محامية تنتسب إلى فرع النقابة في حلب، وكانت هذه واحدة من أهم الصعوبات، فالجميع مؤمن بأن المحاماة مهنة الرجال، ولتذهب المرأة إلى المدرسة لتعلّم فيها، أو إلى المستشفى لتمرّض فيها، رغم أن المحاميات يملأن المحاكم وقصور العدل في أنحاء سوريا”.
أخلاقي والقانون
أتاحت التشريعات والقوانين السورية منذ الاستقلال للمرأة أن تعمل في أغلب المجالات، ومنها الحقل القانوني، فبرز بين السوريات محاميات بارعات، وقاضيات بارزات، إلا أن الثقافة الغالبة على الشمال السوري تبقى حذرة إزاء هذا الموضوع، رغم إنتساب عدد كبير من الحقوقيات لنقابة محامي سوريا الأحرار بفروعها المختلفة، خصوصاً في حلب وإدلب، إلا أن عدداً قليلاً منهن يمارس المهنة بشكل فعلي، إذ يرتحن في الإسرار بمكنوناتهن لامرأة أكثر مما يفعلن مع رجل”.
اليوم، لطوف قاضية جزائية، تواجه مشكلات مختلفة عن المشكلات التي واجهتها وهي محامية. تقول: “التشكيك دائم في قدرتي على الحكم بموضوعية بعيداً عن عاطفتي كوني امرأة، لكنني أمارس بما يمليه علي ضميري المهني وما تمليه أخلاقي… والقانون”.
يعترف المحامي عبد المجيد حمروش بأن المرأة في شمال غرب سوريا تؤدي دورًا مهماً في عملية التعافي المبكر ومواجهة التحديات المتعلقة بالظروف الصعبة التي يواجهها المجتمع، ولكنه يردّ محدودية دور المرأة في القضاء في المنطقة إلى “واقع تشهده المنطقة في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي يجعل من الصعوبة بمكان تولي المرأة منصب القضاء، حيث لا تتوفر بيئة عمل مستقرة، فضلاً عن أن عمل المرأة في قطاع القضاء في ظل الظروف الراهنة قد يعرضها لمخاطر كثيرة”، كما يقول لـ”963+”.
وفي رأس المخاطر التي يشير إليها الانتهاكات الكثيرة التي تمارسها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في مناطق تواجدها، آخرها اعتداء فصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” المدعوم من تركيا، والذي يقوده محمد الجاسم المعروف بلقب “أبو عمشة”، على نساء كنّ يتظاهرن في قرية كاخرا (ياخور) في منطقة عفرين، معترضاتٍ على الانتهاكات المتكررة بحق السكان، وفرضت حصاراً مشدداً على البلدة بعد قطع خدمة الإنترنت عنها.
سلك المحاماة
لم يكن سبيل المحامية إيمان أحمد في الشمال السوري سهلاً. منذ البداية، أي منذ كانت طالبة في كلية الحقوق، تعرضت لضغوط كبيرة، ولانتقادات حادة على اختيارها المحاماة “فهذه الكلية للرجال يا ابنتي، فقد سمعتها كثيراً”، كما تروي لـ”963+”.
تخرجت أحمد في عام 2020 بمعدل جيد جداً وانتسبت تواً إلى نقابة المحامين، لتبدأ مسيرتها مع صعوبات المهنة، ولتعرب عن أسفها من نظرة المجتمع إليها “وحديث الناس عن أعراف وتقاليد تقيّد عملها”، كما تقول، مضيفة: “واحدة من أهم الصعوبات التي توجهنا نحن المحاميات هي التنقل بين المحاكم المنتشرة على امتداد جغرافي واسع في الشمال السوري، وتخطينا الكثير من هذه الصعاب والمعوقات بعد تشكيل لجنة حقوق المرأة ولجنة المرأة النقابيّة”.
من جانبها، اضطرت المحامية زينة حلبي إلى النزوح عن حلب والابتعاد عن مهنتها 7 سنوات، لتستقر في مدينة أعزاز. تقول لـ”963+”: “يتطلب عملي قوة شخصية وقدرة على الإقناع، خصوصاً أنني أعمل في أجواء صعبة تتميز بنسبة عالية من الجهل”، مستدركةً: “لاحقاً بدأ الأهالي يلجؤون إلي بفضل خبرتي، يوكلونني بدعاويهم الصعبة، وقد حققت نجاحات كبيرة”.
حلول ممكنة
يقول حمروش إن حضور المرأة ضعيف في مهنة المحاماة بسبب قلة الكوادر النسائية المتخصصة في هذه المهنة، “لكن، مع تأسيس عدد من الجامعات في شمال غرب سوريا، وتخريج دفعات جديدة من الطلاب والطالبات، نشهد حضوراً لافتاً للمرأة المحامية، فعدد جيد من الطالبات اللاتي تخرجنَّ من كليات الحقوق بدأنَّ يتقدمنَّ بطلبات انتساب إلى نقابة المحامين السوريين الأحرار، ويمارسن العمل كمحاميات، ويتمتعن بكافة الحقوق التي يقرها قانون تنظيم المهنة، بالتساوي مع زملائهم المحامين”.
وتضيف لطوف: “بعد الكثير من الصعوبات، بدأ يظهر نوع من التقبل لعملي، ترافق مع انتساب بعض من زميلاتي للنقابة فشكلنا مجموعة خاصة لمواجهة التحديات، وانضمت إلينا محاميات في مناطق الشمال السوري، وصرنا ندخل مختلف المحاكم، حتى صار الرجال يُقدمون على توكيلنا، بعدما شاهدوا من إخلاصنا لعملنا، وكفاءتنا العالية، وسرعتنا في العمل، وهذا انعكس إيجاباً على كل محامية في هذا المجتمع”.
وبحسب لطوف، تأسست لجنة تابعة لمجلس فرع المحامين الأحرار بحلب في عام 2020، “وتضم 6 قاضيات و 10 محاميات أستاذات، ونحو 15 محامية متمرنة، حيث تم تقديم طلب مساعدة من الفرع بمساعدة منظمات للتمثيل القضائي للنساء والأطفال، وهذا العدد يشمل المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل الموالية لتركيا”.
وتقول المحامية سلاف رجب، العضو في فرع إدلب بنقابة المحامين، إن عدد المحاميات المسجلات في النقابة بإدلب يصل إلى 30 محامية أستاذة، إضافة إلى 15 محامية متمرنة.
وتقترح القاضية إقرار هذه اللجنة معونة قضائية لمساعدة النساء بالترافع عنهن في المحاكم، وإقرار مساعدة قضائية لتمرين المحاميات المتمرنات على يد محاميات أستاذات لينلن المهارة المطلوبة، والسعي دولياً لتجنيب هؤلاء المحاميات المخاطر التي يتعرضن لها، خصوصاً في مناطق ينتهك فيها الجيش التركي والفصائل السورية الموالية لأنقرة حقوق الناس، من دون أي وازع.
وكان مركز توثيق الانتهاكات في سوريا قد وثق عدداً كبيراً من الانتهاكات التي اقترفتها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في الشمال السوري حتى بداية عام 2024، في مقدمها اختطاف 44 شخصاً، مع تعرض 27 شخصاً منهم للتعذيب، إضافة إلى اختطاف 25 شخصاً للمطالبة بفدى. كما اعتقلت هذه القوات والفضائل 1051 شخصاً، تعرّض 352 شخصاً منهم للتعذيب.