خاص – أحمد قطمة
تشهد مناطق شمال غربي سوريا تصعيداً عسكرياً ملحوظاً زادت وتيرته بشكل ملحوظ منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي، أرجعته مصادر خاصة إلى حادثة عسكرية مهمة تمثلت في استهداف فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا و”هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة سابقاً لغرفة عمليات للقوات الروسية.
وقالت المصادر لموقع “963+”، إن غرفة عمليات “الفتح المبين” والقوات الروسية تسترا على الحادثة، فروسيا من جهتها سعت لذلك حفاظاً على سمعة قواتها، فيما عمدت “هيئة تحرير الشام” لإخفاء الأمر، تجنباً لإثارة انتفاضة شعبية في إدلب، قد تنجم عن الرد الروسي المتوقع.
تصعيد عسكري
أعقب الحادثة تصعيد عسكري إذ شنت المقاتلات الروسية في السابع عشر من أكتوبر الماضي سلسلة غارات عنيفة على أطراف مدينة إدلب، طال بعضها منشآت مدنية تضم مشغلاً للأثاث ومنشرة أخشاب ومعصرة زيتون.
وأسفر القصف حينها، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل عشرة مدنيين، بينهم طفل، وإصابة 32 آخرين بجروح، غالبيتهم من العمال الذين كانوا داخل هذه المنشآت.
ولم يقتصر التصعيد على هذه الحادثة، فقد رصد المنصات الإخبارية، في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2024 حملة عسكرية واسعة، شملت تكثيف القوات التركية لهجماتها على عدة مناطق في ريف حلب الشمالي الشرقي، خاصة قرى شعالة، خربة شعالة، طعانة، ورادار في منطقة الشهباء، وفي تطور متزامن، استهدفت قوات الحكومة السورية قرى تديل وكفرنوران بريف حلب الغربي بطائرات مسيّرة انتحارية.
قوات روسية محدودة
وفي تصريحات حصرية لـ”963+”، يكشف الدكتور سيرغي فارابيوف، المحاضر في جامعة موسكو الروسية، عن حقيقة مثيرة تتعلق بطبيعة الوجود العسكري الروسي في سوريا.
حيث يقول فارابيوف: “القوات الروسية في سوريا غير كبيرة، وهي عبارة عن إمكانيات عسكرية محدودة جداً – بعض الطيران، وبعض عناصر الاستطلاع، وبعض الدفاع الجوي، وليس هناك أي سلاح هجومي للحرب المتواصلة”.
ويضيف أن “الوضع في إدلب ليس في قائمة الأولويات في الأجندة الروسية في الوقت الحالي”، مشيراً إلى انشغال موسكو بجبهات أخرى: “عندنا المعارك على الجبهة الأوكرانية، وعندنا أحداث دامية ومؤلمة في لبنان وقطاع غزة”، وهو ما يضع التصعيد الأخير في سياق مختلف، ويثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء العملية العسكرية الروسية.
معادلة تركية – روسية
وتكشف الأحداث عن معادلة جديدة في العلاقات التركية-الروسية نشأت في أعقاب الحرب في أوكرانيا، إذ يوضح درويش خليفة، الكاتب السياسي السوري المعارض، في حديث خاص لـ”963+” أن “موسكو غضّت الطرف عن ملف إدلب محاباةً لتركيا”، مقابل حصولها على امتيازات استراتيجية تمثلت في “تسهيل مرور الصادرات الروسية عبر البحر الأسود، واستضافة أطراف الصراع في إسطنبول عدة مرات”.
كما ترتبط تلك المعادلة بتعقيدات الملف السوري ككل، حيث يؤكد فارابيوف أن “التنسيق مع أنقرة له وضعه الخاص ومع دمشق له وضعه الخاص”، في ظل “غياب العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا”، ويشير إلى أن العقبة الأساسية تكمن في موقف دمشق، حيث إن “الشرط الأول والأخير للرئيس بشار الأسد هو انسحاب القوات التركية من محافظة إدلب”.
تفاقم الأزمة الإنسانية
أدى التصعيد العسكري في إدلب، إلى موجة نزوح جديدة، وقد وثقت التقارير الميدانية، نزوح عشرات العائلات من القرى والبلدات القريبة من محاور المواجهة، متجهين نحو المناطق المحاذية للحدود التركية.
ويربط خليفة هذا التطور بالوضع الاقتصادي التركي، مشيراً إلى أن “النزوح يشكل ضغطاً إنسانياً هائلاً على أنقرة، التي تعاني أصلاً من أوضاع اقتصادية متأزمة”.
وهو ما يبدو أنه يدفع بالأتراك للتوجه نحو الحلول السياسية مع الروس، وفي سياق المساعي الدبلوماسية تلك، كشف فارابيوف عن تفاصيل مهمة تتعلق بلقاء الرئيسين الروسي والتركي خلال مؤتمر قمة بريكس في مدينة قازان بالثالث والعشرين من أكتوبر، فخلال اللقاء، طلب الرئيس التركي من موسكو “مواصلة الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات التركية-السورية”، وهو ما أكد فارابيوف أنه “قائم وفي أجندة السياسة الروسية في المشرق العربي”.
ويضيف أن الحل يجب أن يشمل “عودة إدلب إلى حضن الدولة السورية بكافة المرافق والإمكانيات الإدارية والتعليمية… وانسحاب الوحدات التركية من تلك المناطق السورية، والانتقال إلى إعادة الإعمار”.
تعقيدات المشهد الميداني وتوازنات القوى
وتسيطر “هيئة تحرير الشام” مع فصائل معارضة أخرى على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، إضافة إلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة، وتضم هذه المناطق أكثر من خمسة ملايين نسمة، غالبيتهم من النازحين، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
ويكشف درويش خليفة عن تعقيدات إضافية في المشهد الميداني، موضحاً أن “هيئة تحرير الشام تمتلك ترسانة عسكرية تتفوق على باقي الفصائل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري”.
وعليه، يستبعد حدوث عملية عسكرية واسعة النطاق في الوقت الحالي، معللاً ذلك بـ”انشغال الأطراف الداعمة للنظام السوري في معارك إقليمية؛ بما في ذلك الاشتباكات المتبادلة بين الإسرائيليين والإيرانيين، والحرب الروسية في أوكرانيا، فضلاً عن الضربات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف الميليشيات الداعمة للنظام”.
السيناريوهات المستقبلية والحلول المحتملة
ويقدم خليفة رؤية مستقبلية للوضع في إدلب، متوقعاً استمرار توزع القوى وخطوط السيطرة كما هي عليه حالياً “لمدة قد تمتد إلى 4 أو 5 سنوات قادمة”.
ويربط مستقبل المنطقة بتنفيذ القرارات الدولية، قائلاً إن “تدخل المجتمع الدولي لإيجاد حلول في إدلب يستلزم أولاً تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، مثل القرارات 2254 و2118 وبيان جنيف 1”.
وفي ظل غياب هذا التنفيذ، يحذر خليفة من أن “استمرار الحالة الفصائلية قد لا يكون في مصلحة سوريا والمنطقة على المدى المتوسط والبعيد”، كما يشير إلى أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تحديد مسار الأحداث، مؤكداً أن “دول المنطقة ستعيد صياغة استراتيجياتها” بناءً على نتائجها.
وفي ظل هذه التعقيدات المتشابكة، يبدو مستقبل إدلب رهيناً لتطورات إقليمية ودولية متسارعة، فبين التصعيد العسكري المتجدد والمساعي الدبلوماسية المتعثرة، يواجه أكثر من خمسة ملايين سوري، غالبيتهم من النازحين، مصيراً غامضاً، لتبقى المنطقة ساحة لصراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، في ظل غياب أي أفق واضح لحل سياسي شامل في المستقبل المنظور.