دمشق
أطلق منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا آدم عبد المولى، أمس الإثنين من العاصمة دمشق، استراتيجية التعافي المبكر في البلاد لمدة 5 سنوات، تتضمن أربعة مجالات رئيسية، ما أثار تساؤلات بشأن إمكانية نجاح الخطة والقدرة على الوصول إلى المحتاجين في جميع المناطق السورية، ومدى استغلالها من قبل الحكومة لإعادة تعويم نفسها.
ولا تزال سوريا تشهد عمليات عسكرية مستمرة أعنفها في شمال غرب البلاد، في ظل قصف متبادل شبه يومي بين القوات الحكومية وروسيا من جهة، والفصائل الموالية لتركيا و”هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً” من جهة أخرى، إضافةً للقصف التركي المتكرر على الشمال الشرقي، الذي كان آخره نهاية الشهر الماضي، واستهدف بنى تحتية ومنشآت للطاقة، ومواقع لقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
كما تصاعدت بشكل ملحوظ هجمات تنظيم “داعش” في مناطق متفرقة من البادية السورية وشمال شرق البلاد، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
وقال منسق الأمم المتحدة المقيم خلال مؤتمر صحفي في دمشق، إن “استراتيجية التعافي المبكر تهدف إلى دعم بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل ومعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة، التي خلقت عواقب مدمرة على الفئات الأكثر ضعفاً، ونشأت عن ذلك احتياجات إنسانية طويلة الأمد”.
بين العطاء والدعاية: كيف يوظف الأسد أزمة اللاجئين اللبنانيين لصالحه؟
وأضاف أن “استراتيجية التعافي المبكر للأعوام 2024 – 2028 تغطي كامل سوريا، من خلال نهج قائم على المناطق، وتنطوي على إطار متوسط الأجل ومتعدد السنوات للتخطيط وإعداد البرامج، يهدف إلى تعزيز التغيير النوعي والقابل للقياس والموائم لمختلف السياقات التشغيلية في كل المناطق السورية”، موضحاً أن “الاستراتيجية تركز على تعزيز القدرات المحلية، إلى جانب معالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية والحد من الاعتماد على المساعدات، وتدعم التدخلات المستدامة التي تستجيب للنوع الاجتماعي”.
وأشار المسؤول الأممي، إلى أن “مؤشرات التنمية في سوريا تراجعت، حيث لا يزال أكثر من 1.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات منقذة للأرواح”، مؤكداً أن “تقديم المساعدات غير كافٍ لبناء المرونة ودفع التعافي المستدام والشامل”.
جهات سيطرة متعددة وغياب الاستقرار
وطرح الإعلان الأممي عن الخطة التي تم وضعها أساساً خلال مؤتمر بروكسل السادس بشأن سوريا عام 2022، تساؤلات بشأن إمكانية تطبيقها في كامل الأراضي السورية، على اعتبار أنها تخضع لسيطرة جهات متعددة، ومدى إمكانية سماح الحكومة بوصول المساعدات والدعم إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، سواءً في الشمال الغربي أم الشمال الشرقي.
ومنذ طرح الخطة أثيرت الكثير من التساؤلات بشأن إمكانية تطبيقها في غياب الاستقرار الكلي بالبلاد، كما أن الوصول إلى تفعيل الاقتصاد كهدف بعيد كما تضمنت الاستراتيجية، يبدو صعب التحقيق في ظل الظروف القائمة واستمرار التصعيد العسكري، وانهيار البنى التحتية الأساسية جراء الحرب، والمعوقات الأخرى المتعلقة بجهات السيطرة.
كما أثار ناشطون مسألة إمكانية استغلال الحكومة للخطة من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإعادة تعويم نفسها، على اعتبار أن ساحة عمل المنسقية الأممية في هذا المجال حالياً هي مناطق سيطرة القوات الحكومية، كما أن إطلاق الاستراتيجية بدأ من دمشق، إلى جانب أن الحكومة سبق وأن استغلت خطط إنسانية أخرى لتحقيق مثل هذه المكاسب ككارثة الزلزال التي ضربت البلاد في 6 شباط/ فبراير 2023، وفق ما أكدت حينها تقارير حقوقية.
غياب الآليات
ومن المعوقات الأخرى التي قد تعترض طريق نجاح الخطة الأممية بحسب محللين، هي “عدم تحديد آليات التطبيق في جميع المناطق السورية بشكل دقيق، وهل بالإمكان التعاون مع “سلطات الأمر الواقع” في جميع المناطق السورية دون استثناء، إلى جانب إمكانية تحرك الفرق بين تلك المناطق بشكل آمن وبدون عوائق”.
وبعد تقارير متعددة تحدثت عن “عدم وصول المساعدات إلى المتضررين إبان الزلزال الذي ضرب سوريا العام الماضي، واستيلاء سلطات الأمر الواقع على تلك المساعدات خاصةً في شمال غربي البلاد، تسود مخاوف بشأن القدرة على وضع آليات وبرنامج محدد يضمن تنفيذ خطط “التعافي المبكر” في حال تجاوز المعوقات الأساسية السابقة”.
استغلال حكومي
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد حذرت في تقرير صادر في كانون الثاني/ يناير 2022، من أن “وكالات الأمم المتحدة والحكومات تخاطر في التواطؤ بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، من خلال ارتباطها مع النظام السوري في تنسيق وصول المساعدات، إذ لم تضمن تلك الوكالات الدولية الشفافية والرقابة الفعالة”.
وقالت: “لا بد للأمم المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار التوزيع السكاني السوري في نظام تقسيم المساعدات، فعلى سبيل المثال: يعيش 4 ملايين نسمة في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، و3.3 ملايين في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، و4 ملايين في تركيا يتلقّون مساعدات من دول الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع الجانب التركي، وفي لبنان أكثر من مليون، ويعيش في الأردن تقريباً 700 ألف”.
وقالت منظمات حقوقية، إن “الحكومة السورية تستغل قرار الأمم المتحدة رقم 46/182 ، وتفرض على الوكالات الأمية أن يتم تسليم المساعدات بواسطة “الهلال الأحمر السوري”، بعد موافقة لجنة الإغاثة العليا التابعة للحكومة، ما سمح لها بالتحكم فيمن يتلقى الإغاثة ومكانها وزمانها”.
وسبق أن اتهمت رئيسة مكتب سوريا الإقليمي التابع لمنظمة الصحة العالمية التركمانستانية أكجيمال ماغتيموفا، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بإساءة إدارة ملايين الدولارات وإرسال هدايا إلى مسؤولين بالحكومة السورية بما في ذلك أجهزة كمبيوتر وعملات ذهبية وسيارات، وتعيين مقربين من مسؤولين في مكتب المنظمة.
كما أظهرت وثائق وشكاوى حصلت عليها وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية حينها، أن “المسؤولة الأممية ضغطت على موظفي منظمة الصحة العالمية لتوقيع عقود مع سياسيين بارزين في الحكومة السورية، إلى جانب تورطها المستمر في إساءة إنفاق أموال المنظمة والجهات المانحة”.