تتوالى التقارير عن تحركات عسكرية وعمليات تضييق مستمرة تمارسها الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية، ضد الفصائل الموالية لإيران في ظل تكثيف إسرائيل ضرباتها ضد تلك الفصائل والحديث عن توجه دمشق للابتعاد عن المحور الإيراني لصالح التقارب مع المحيط العربي.
القوات الحكومية السورية مدعومة بآليات عسكرية وجرافات تابعة للقوات الروسية وبإشراف مباشر من الأخيرة، نفذت أمس السبت، عمليات مداهمة لمقرات ومعابر تابعة للفصائل الموالية لإيران في ريف دير الزور شرقي البلاد، وفق ما كشف مصدر من تلك الفصائل لموقع “963+”.
وداهمت قوات من “الحرس الجمهوري” والأجهزة الأمنية التابعة للقوات الحكومية معبراً نهرياً سرياً على نهر الفرات بين بلدتي خشام والمريعية بريف دير الزور الشرقي، وأغلقته باستخدام جرافات، حيث يستخدم المعبر كنقطة رئيسية لتهريب الأسلحة بما في ذلك الصواريخ من قبل الفصائل المدعومة من إيران إلى مجموعات تابعة لها في القرى المحيطة، بحسب المصدر، الذي أكد أن العملية جاءت بعد تلقي القوات الروسية معلومات عن تهريب أسلحة، وأسفرت أيضاً عن اعتقال 3 قياديين بالفصائل المحلية الموالية لإيران، هم علي الجامل، المسؤول عن تنسيق عمليات التهريب، ومصطفى العكيدي، وأيمن الشعيطي، وجميعهم ينحدرون من محافظة دير الزور.
الابتعاد عن إيران
ومما يعزز فرضية توجه دمشق نحو “الابتعاد عن إيران”، مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أيام خلال اجتماع بالعاصمة دمشق مع وجهاء من الساحل السوري بعضهم في “المجلس العلمي الفقهي” بـ”التزام الهدوء والامتناع عن بيع أملاكهم للعناصر الإيرانية واللبنانية” كما أفصح عن “قرار انتقال سوري من المحور الإيراني إلى المحيط العربي، وعن تدخل خليجي سيحدث لتحسين الوضع الاقتصادي خلال مدة أقصاها 3 أشهر”، وفق ما أفادت وسائل إعلام محلية.
وتشير المصادر، إلى أنّ الاجتماع جاء على خلفية “الاستياء والتذمر الحاصل من قبل أبناء الساحل السوري نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، إضافةً لما جرى مؤخرا من حركة لجوء لبناني إلى الساحل وتخوف السكان من تداعياته وما قد يسببه من قصف إسرائيلي لمناطقهم السكنية”.
ويقول محللون، إن تصريح الأسد يعكس تغيّراً استراتيجياً محتملاً، إذ تحاول الحكومة السورية الاستجابة للضغوط الإقليمية المتزايدة التي تدفع باتجاه تقليل اعتمادها على المحور الإيراني، والاقتراب أكثر من المواقف العربية التي تضغط نحو خفض التصعيد، في ظل تزايد الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تستهدف بشكل خاص نقاط تمركز قوى محسوبة على إيران.
الجبهة السورية هدف قادم
ويرى المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات والمتخصص في الشأن الإيراني هاني سليمان، أن “الجبهة السورية هي الهدف القادم لإسرائيل” مستشهداً بتنفيذ إسرائيل قبل نحو شهر عملية إنزال بري في سوريا، رغم أنه منذ فترات لم تنفذ عمليات إنزال بري بالمنطقة، إلى جانب استمرار هجماتها داخل الأراضي السورية، في ظل التقارير عن عودة الإمداد الإيراني لـ”حزب الله” اللبناني بالأسلحة عبر سوريا”.
ويضيف في تصريحات لموقع “963+”، أن “إسرائيل لن تحاول فقط تصفير وقطع خطوط الإمداد بين إيران وحزب الله عبر قصف المعابر وطرق الإمداد، بل ستواصل تحييد وتقويض قدرات الفصائل الموالية لإيران في الأراضي السورية”.
توجه روسي لتقليص نفوذ إيران
وتسلط المشاركة المتكررة للقوات الروسية في المداهمات لمقرات الفصائل الموالية لإيران في سوريا وعمليات التضييق عليها، الضوء على التقارير التي تتحدث عن “تنسيق روسي إسرائيلي” بشأن عمليات تل أبيب في الأراضي السورية، إلى جانب “العمل من جانب موسكو على تقليص النفوذ الإيراني لصالح نفوذها وحليفتها القوات الحكومية خاصةً في المواقع الاستراتيجية كالمطارات العسكرية ومحيط دمشق والمناطق القريبة من الحدود”.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كشف ضابط في القوات الحكومية من داخل مطار الحمدان العسكري في البوكمال بدير الزور الشرقي لموقع “963+”، أن “روسيا تضغط على دمشق لإخراج “الحرس الثوري” الإيراني من المطار، بهدف تمكين الحكومة من تقليل اعتمادها على إيران، وبالتالي تعزيز سيادتها على المواقع الاستراتيجية، ما يعكس توترات بالعلاقات الروسية – الإيرانية”.
جبهة إسناد
وبحسب سليمان، فإن “سوريا هي جبهة دعم وإسناد وحديقة خلفية، تمارس فيها إيران بسهولة العديد من الأنشطة وقنوات التواصل، ولذلك بالنسبة لإسرائيل فالسيطرة على المنافذ السورية هو جزء من ترتيبات القضاء على قدرات “حزب الله” وإيران”.
وتدرك الحكومة السورية بحسب محللين، أن إسرائيل تتجه نحو تكثيف هجماتها وعملياتها ضد إيران والفصائل الموالية لها في المنطقة، بشكل يفوق استهدافات جوية كما جرت العادة منذ مشاركة إيران و “حزب الله” في الحرب السورية، وبدء طهران استخدام الأراضي السورية كطريق لإيصال الأسلحة للحزب، لذلك تتجه لتقليص النفوذ الإيراني لصالح روسيا.
وعزز هذا الإدراك التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد خلال قيامه بجولة على الحدود الشمالية لإسرائيل، بشأن “إصرار تل أبيب على وقف إمداد الأسلحة والدعم من إيران إلى “حزب الله” عبر سوريا، وقال: “مفتاح استعادة السلام وإعادة سكاننا بالشمال إلى منازلهم هو وقبل كل شيء إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وقطع أنابيب الأكسجين التابع لحزب الله من إيران عبر سوريا”.
ويرى المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات، أن “إسرائيل لديها المقومات والقدرات العسكرية للحد من نفوذ إيران في سوريا، رغم عدم قدرتها على حسم المسألة بشكل سريع، لذلك ستتجه لتكثيف الهجمات داخل الأراضي السورية”.
وتتزامن التحركات الحكومية السورية ضد الفصائل الموالية لإيران، مع الحديث عن تحركات عربية منسقة لـ”إبعاد دمشق عن فلك طهران، وإعادتها إلى الحضن العربي، تقودها الأردن بتوجيه من دول خليجية، أكدتها زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، حيث كشفت وسائل إعلام مقربة من الحكومة، أن “الزيارة ستثمر عن نتائج مهمة خلال الفترة القادمة”.