بيروت
يبدو أن الخسائر الباهظة التي تكبدها “حزب الله” أضعفت تأثيره في مسار الأمور الداخلية في لبنان، حتى تصاعدت أصواتٌ ما كانت لتخرج من تحت العباءة الإيرانية، التي كان الحزب يفرضها بقوة السلاح.
ففي صحيفة “واشنطن بوست”، يقول ديفيد إغناثيوس إن نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، قال له “إن الأولوية اليوم هي للتنفيذ الكامل للقرار 1701، الذي يدعو إلى نزع سلاح ’حزب الله‘ في جنوب لبنان” وهو ما كان طرحه محرماً من قبل، وإن نبيه بري، رئيس مجلس النواب الذي كان أحد أشد المناصرين لـ”حزب الله”، قال له: “أريد وقف إطلاق النار أمس واليوم وغدًا”، وإن جبران باسيل، حليف “حزب الله” منذ عام 2006 الذي فض تحالفه معه بعد مصرع أمينه العام حسن نصر الله، قال له: “اللبنانيون سعداء لأن سلطة النقض التي كان يتمتع بها ’حزب الله‘ في لبنان قد انهارت”.
ويضيف إغناثيوس أن ميقاتي موافق على كل بنود الاتفاق الذي اقترحه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وفي مقدمها نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان، وتنفيذ آلية مراقبة لضمان وجود استجابة دولية سريعة إذا لم يتمكن الجيش من لجم “حزب الله”، وأن بري نفس أكد دعمه لخطة هوكشتاين، التي تفرض تراجع “حزب الله” كلياً إلى ما قبل نهر الليطاني، ومنعه من العودة إلى المناطق المحاذية للحدود الإسرائيلية.
ويختم أغناثيوس: “حين ضغطتُ على بري بشأن التأثير الإيراني في لبنان، الذي أحكم قبضة الحزب على مفاصل السياسة اللبنانية، قدم لي جواباً مشجعاً، إذ قال: ’إذا ساعدت أميركا لبنان، فلن نتلقى الأوامر من إيران‘، في أوفى تعبير عن التقهقر الإيراني في لبنان، بعد الهزائم التي تقاها الحزب الذي كان يعدّ درّة تاج الأذرع الإيرانية في المنطقة”.
من العراق!
تشبّه صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية النزال الإيراني – الإسرائيلي بلعبة كرة الطاولة، في ابتعاد شبه كامل عن صيغة “عض الأصابع”، لأن هذه الحرب، وفقاً للإعلام الإسرائيلي نفسه، باردة دائماً يتخللها بعض الحرارة أحياناً، “خصوصاً قبل أي جولة مفاوضات عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري”، كما تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
ينقل باراك رافيد، مراسل موقع “أكسيوس” الأميركي في تل أبيب، والمعروف بقربه من دوائر القرار الأمني – العسكري في إسرائيل، عن مصدرين إسرائيليين قولهما إن ما توافر من معلومات استخبارية يؤكد اللآتي: “إيران تستعد في هذه المرة للردّ على إسرائيل انطلاقاً من العراق، من خلال إطلاق الفصائل العراقية المسلّحة الموالية لطهران عدداً كبيراً من المسيّرات والصواريخ الباليستية على أهداف محددة في الأراضي الإسرائيلية، من منطلق أن مداها سيكون أقصر، وبالتالي ستكون أسرع في الوصول إلى أهدافها، ما يحرم الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية من اصطياد هذه الصواريخ والمسيّرات قبل انقضاضها على هذه الأهداف”.
ويضيف رافيد: “هذا الأمر مرجّح، فأي ردّ من العراق يعني تفادي طهران ضربات في عمقها، ويعني أيضاً إقحام العراق في التصعيد الإقليمي أكثر، تماماً كما تم إقحام لبنان في هذه الحرب بدفع ’حزب الله‘ اللبناني إلى التورط في حرب ضد إسرائيل في اليوم التالي لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الذي شنته ’حماس‘ على مستوطنات غلاف غزة”.
أقل فعالية
وكانت الفصائل العراقية الموالية لإيران قد دخلت الحرب ضد إسرائيل، من منطلق “وحدة الساحات”، الشعار الذي يرفعه المحور الذي تتزعمه إيران، وشاركت في إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل وعلى القواعد الأميركية في الأراضي العراقية والسورية.
وتلاحظ “نيويورك تايمز” أن تورط الفصائل العراقية في هذه الحرب “كانت أقل فعالية من تورط ’حزب الله‘ في لبنان و’أنصار الله الحوثيين‘ في اليمن، ولم تُقدم إسرائيل بعد على استهدافها، لكن هذا سيتغير حكماً إن أتى الرد الإيراني من الجانب العراقي”، وهذا ما يزيد الخشية من اختلال التوازن الدقيق في العلاقات العراقية – الأميركية، “إن لم تنجح حكومة بغداد برئاسة محمد شياع السوداني في إقناع الفصائل العراق بوقف هجماتها على إسرائيل”، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
وتضيف الصحيفة نفسها أن مسؤولين عراقيين زاروا طهران مرتين، لإقناع المسؤولين فيها بلجم الفصائل العراقية الموالية لهم، إلا أنهم فشلوا في مهمتهم، وكانت الحجة الإيرانية أن لهذه الفصائل قرارها المستقل في كيفية دعم لبنان وغزة.