خاص ـ دمشق
تشهد سوريا سلسلة من التحركات السياسية والديبلوماسية غير الاعتيادية، وسط تصاعد التوتر الإقليمي، وعودة الاهتمام العربي بملف الحرب السورية. أحدث هذه التحركات كان اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد مع وجهاء من الساحل السوري، ومجموعة من القيادات الدينية ضمن المجلس العلمي الفقهي في دمشق، والذي تأسس عام 2018، ويضم كافة الطوائف والمذاهب السورية.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل استياء متصاعد بين سكان الساحل السوري، بسبب التدهور الاقتصادي وتصاعد مخاوفهم من القصف الإسرائيلي المتكرر لمناطق حيوية، إضافة إلى موجات نزوح لبنانيين إلى مناطقهم، ما زاد من حالة القلق من تهديدات عسكرية جديدة قد تطالهم.
وقد طلب الأسد من وجهاء الساحل التزام الهدوء والامتناع عن بيع أملاكهم للعناصر الإيرانية واللبنانية، في إشارة ضمنية إلى ضرورة الحفاظ على التماسك السكاني السوري في المنطقة.
تحوّل محتمل
حسب تقارير إعلامية محلية، نقل الأسد تطميناتٍ بشأن تحسّن الوضع الاقتصادي المرتقب بمساعدة دول خليجية، مؤكداً على بداية “انتقال سوري من المحور الإيراني إلى المحيط العربي”.
ويعكس هذا التصريح تغيّراً استراتيجياً محتملاً، بحسب محللين، إذ تحاول الحكومة السورية الاستجابة للضغوط الإقليمية المتزايدة التي تدفع باتجاه تقليل اعتماده على المحور الإيراني، والاقتراب أكثر من المواقف العربية التي تضغط نحو خفض التصعيد، خاصة مع استئناف الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والتي تستهدف بشكل خاص نقاط تمركز قوى محسوبة على إيران.
ويقول حسن المومني، محلل سياسي أردني لموقع “963+”: “الدور الأردني مركزي ومحوري في السياق الثنائي والجمع العربي، لإعادة سوريا إلى الحضن العربي”.
وتزامن هذا التطور الداخلي مع زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق، في الـ20 من الشهر الماضي، حيث التقى الأسد ونقل رسالة شفوية من العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، تتعلق بالتوترات في المنطقة.
وأشارت مصادر ديبلوماسية إلى أن الأردن، الذي وصف بدور “صندوق البريد” الحامل للرسائل الإقليمية إلى دمشق منذ شباط/ فبراير الماضي، يعمل بجدية على كبح تصاعد الأزمة ومنع امتدادها إلى الحدود الأردنية.
وخلال اللقاءات التي أجراها الصفدي في دمشق، أكدت سوريا والأردن على ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، مع إشارة من الأسد إلى أن حكومته اتخذت إجراءات قانونية لتسهيل العودة “الآمنة”، وهو طرح لاقى انتقادات من منظمات حقوقية دولية بسبب توثيق انتهاكات متزايدة ضد العائدين في سوريا.
ويقول المومني، أن “الأردن مؤمن بضرورة أن تستعيد الحكومة السورية عافيتها وسيادتها، وألا يكون هناك أي تدخلات خارجية سواء من إيران أو تركيا”.
زيارات متكررة وأهداف متنوعة
تعد هذه الزيارة الثالثة للصفدي إلى دمشق منذ فبراير 2023، ورغم تباين ظروف كل زيارة، فإن جميعها ركزت على جهود إعادة سوريا إلى الحضن العربي وتخفيف الاحتقان الإقليمي.
وبينما كانت الزيارة الأولى عقب زلزال فبراير لأسباب إنسانية معلنة، حملت الثانية تحذيرات للأردن من عواقب تساهل دمشق في قضايا مثل تهريب المخدرات وملف اللاجئين، ما عرقل آنذاك عمل لجنة الاتصال العربية.
وتأتي الزيارة الأخيرة وسط تصعيد إسرائيلي مستمر في غزة والجنوب اللبناني، مع احتمالات اتساع دائرة المواجهة إلى سوريا، ما يجعل دمشق بحاجة إلى تعزيز التنسيق مع المحيط العربي، وخاصة الأردن، الذي يطالب بوقف التصعيد على حدوده.
ويفسَّر محللون زيارة الصفدي على أنها “خطوة استكشافية للأردن لمعرفة مدى استعداد الحكومة السورية لتقليص نفوذه الإيراني”.
ويرى المحلل السياسي الأردني أن “الأردن ذهب إلى سوريا لتشجيع وتعزيز الدعم لعودة سوريا للحضن العربي بناءً على التأشيرات التي وجهها الأسد، ليتمكن من التخلص من مسألة الاستقطاب الدولي”.
ويؤكد على وجود “حتمية واقع جيوسياسي” يفرض دوراً كبيراً للأردن “لاستعادة سوريا سيادتها على كامل أراضيها، في ظل حالة عدم التوازن الحاصلة في المنطقة وتصاعد الأوضاع في غزة”.
ويثير هذا التحول قلق العديد من الأطراف الإقليمية، في ظل الحضور المكثف للفصائل الموالية لإيران في جنوبي سوريا، الأمر الذي تعتبره عمّان تهديداً مباشراً لأمنها، وسط مخاوف متزايدة من تهديدات إسرائيلية جديدة قد تشمل مناطق إضافية في سوريا.
ويشير محللون أردنيون، إلى أن الأردن يدرك حجم التحديات التي تفرضها المرحلة المقبلة، إذ يسعى إلى منع تحول الحدود الأردنية السورية إلى جبهة مفتوحة في صراع إقليمي لا يرغب الأردن في التورط فيه.
وبحسب تقارير صحفية، فقد بدا أن الصفدي “لم يحمل في زيارته الأخيرة إلى دمشق أي تفويض عربي بل حرص على إبقاء الحوار مع الحكومة السورية مفتوحاً، وإن كانت هناك حالة عدم ثقة تسيطر على طبيعة هذه العلاقة”.