“أحلم أن يتحوّل جسمي إلى جسم عارضات الأزياء”، تقول “فاديا” (27 عاماً) التي تعاني السُمنة والترهل عحد قولها، مضيفة لـ”963+”: “أخشى أن يتجاوزني قطار الزواج، فالشباب يحلمون بالأجسام المثيرة، الرفيعة والخالية من الدهون والضخامة، خاصة في مناطق الورك والصدر والحوض والأفخاذ”.
يُلاحظ كثافة المقبلين على ممارسة الرياضة في فصل الصيف في الملعب البلدي والحديقة العامة بالقامشلي شمال سوريا. تقول نوجين علي (23 عاماً)، الموظفة في مركز لتعليم اللغات: “بصراحة، لا أملك مالاً كافياً لزيارة مراكز التنحيف، لذلك أتردد على الملعب. أما من يقول إن الأدوية وأجهزة الليزر غير صحية، ورُبما تتسبب بالأمراض، أقول لهم: هل يوجد شيء في هذا البلد لا يجلب الوباء؟ أنظروا إلى دخان المولدات والطعام والهواء الملوث، هل الأمر مختصر على مراكز التنحيف، أريد تخفيض وزني لأبدو أكثر جاذبية ورشاقة”.
وتحولت مراكز التنحيف وتخفيف الوزن إلى ظاهرة مقلقة في عموم محافظة الحسكة في الشمال السوري، بعد أن غدت السمنة معضلة اجتماعية وصحية تأخذ أبعاداً كثيرة. وتلجأ تلك المراكز، سعياً منها لاستقطاب الناس، للاعتماد على الإعلانات والصور اللافتة للانتباه، خصوصاً لأجساد نسائية نحيفة حول الخصر ومناطق أخرى، وعرضها بطريقة احترافية للوصول إلى الشهرة، بغض النظر عن الجودة والضمان الصحي.
هوس المراكز وأبر التنحيف
حالياً، يتم الحديث والإقبال على أبر mesotherapy أو ما تُسمى بإبرة الليمون، لإذابة الدهون والشحوم من الجسم، ولم يعرف بعد مدى نجاحها أو أضرارها.
وحول علاقة التطور والرّقي، بقضية التنحيف وارتياد مراكز التجميل والتنحيف قالت الأخصائية والمرشدة النفسية لافا هسام من أهالي ديرك بالمالكية لــ”963+” إن اللجوء إلى تلك المراكز له تأثيرات متعددة، “يمكن أن يعتبره بعضهم خطوة إيجابية نحو تحقيق أهدافهم الشخصية في تحسين مظهرهم وصحتهم، مع ذلك قد يعكس أيضاً ضغوطاً اجتماعية أو شخصية تتعلق بمفاهيم الجمال و المثالية”. ووفقاً للأخصائية، فإن للقضية جانب آخر سلبي، “إذا كان مدفوعاً بالضغط الخارجي أو قلة الثقة بالنفس، وبالتالي الأهم هو التوازن والوعي الشخصي، وأن يكون الإنسان على دراية بالدوافع الحقيقية وراء هذه القرارات”.
تضييف لافا أن تلك المراكز والإبر والليزر ومختلف الأجهزة “يمكن أن تساهم في تعزيز الشعور بالرضا عن النفس بعد الوصول إلى النتائج المرجوة، مع القلق من الإخفاق في الحفاظ على النتائج المحققة”.
من يديرها؟
رفض العديد من مسؤولي المراكز منح “963+” تصريحات باسمهم، ما يثير الكثير من الشبهات والاستغراب حول الجانب الصحي والطبي في آليات التنحيف المتبعة.
قي إدلب عدد كبير من مراكز التجميل والتنحيف، “لا يديرها أطباء بل خريجات من معاهد الرياضة الحكومية، أو زوجات مقاتلين أجانب وافدين إلى سوريا، وموجودين حالياً في شمال غرب سوريا”، كما يقول عبدالله عبدالله من إدلب، مضيفاً أن شهادات هؤلاء لا علاقة لها بالطب أو تخصص التغذية، بل يعتمدون على خبرتهم لا أكثر.
وتقول جراحة التجميل مهاباد عبدالله لـ”963+”: في ظل غياب تخصص ’تنحيف وتغذية‘ في الجامعات السورية، أغلب من يديرون هذه المراكز خضعوا لدورات تجميل وشفط دهون وتنحيف عبر الإنترنت، أو في لبنان أو كردستان، أو حصلوا على شهادة جامعية في تخصّص الطب التجميلي بعد دراسة 4 سنوات فقط في جامعة سورية خاصة، لكن هذا يختلف كلياً عن الجراحة التجميلية التي يتخصص فيها طلبة الطب البشري بعد الانتهاء من دراسة 6 سنوات”.
تنحيف أونلاين!
انتشرت أخيراً مجموعات خاصة في وسائط التواصل الاجتماعي تدّعي منح المشاركين خططاً وبرامج حمية صحية غير مجانية لتخفيف الوزن. فعلى المشترك الدفع أولاً بحوالة مالية، قبل استلام الوصفة الصحية عبر تطبيق “واتسآب”.
تواصل “963+” مرتين من رقمين مختلفين مع ثلاث جهات، مرة باسم سيدة ترغب في التنحيف، والثانية باسم صحافي يستقصي عن الموضوع. في المرة الأولى، طلبوا من “السيدة” إرسال رسوم الاشتراك، وارسلوا عبر واتسآب “بروشوراً” يحتوي على أسماء وتخصصات مجموعة من “متخصصي التغذية”، والمُلاحظ أن أغلبيتهم من غير المتخصصين طبياً، أي لم يدرسوا في كلية الطب البشري، بل درسوا في مراكز طبية عربية أو أجنبية مجهولة المستوى المهني، أو يحملون شهادة في التغذية، وهو التخصص الموجود في جامعات سورية خاصة لا ترتقي إلى مستوى الطب البشري. وفي المرة الثانية، لا إجابات!
تقول مختصة في التغذية، رفضت الكشف عن هويتها، لـ”963+” إن تسعيرة وصفة الأونلاين للتنحيف تختلف داخل سوريا عن خارجها، فالوصفة تباع لمن هم في سوريا بـ 10 دولارات، فيما تصل تكلفة إبرة mesotherapy إلى 20 دولاراً، بحسب نوعها ومكان صنعها. أما تكلفة استشارة طبيب للتنحيف أونلاين، فتقول علي إنها “تخضع لمزاج الطبيب، فثمة أطباء يمنحونها بالمجان، ومنهم من يطلب بين 5 دولارات و15 دولاراً، تبعاً للشهادة التي يدعي أنه يحملها”. غالباً ما تكون الوصفات المجانية إنشائية، أي مجرد مجموعة من النصائح يمكن العثور عليها في أي موقع إلكتروني صحي، من دون برنامج مخصصة.
ماذا لو؟
تقول هسام إن التنحيف أونلاين قد يكون مجدياً “شريطة أن يشمل استخدام التكنولوجيا لتحليل البيانات الصحية، وتقديم الخطط المخصصة لكل مريض، بناء على المعلومات التي يقدمها”. وبحسبها، تعتمد فاعلية هذه الخطط على دقة المعلومات وجودة التفاعل بين الطبيب والمريض، “فالتعامل عبر الإنترنت يتطلب ضمانات قوية لحماية المعلومات الشخصية و الطبية، وينبغي حصر وصف الأدوية والعلاجات عبر الإنترنت بأطباء معتمدين لتجنب المشكلات الصحية الناتجة عن وصفات غير ملائمة، والتأكد من أن الطبيب أونلاين معتمد و له خلفية طبية جيدة، والأهم أن التفاعل عبر الإنترنت قد يفتقر الى بعض جوانب التفاعل الشخصي الذي يحدث في الزيارات المباشرة”، وإلا وقعت المشكلات، ودخل الطرفان إلى المحاكم.
يقول المحامي معاذ اليوسف، في القامشلي، إن وجود شهادات تخصصية ونقابة أطباء يعني حتماُ وجود قانون ناظم للعلاقة بين المريض والطبيب، “هو بمثابة عقد بين الطرفين أساسه تقديم خدمات طرف لطرف آخر ربما تكون نصائح او إرشادات، لقاء مبلغ من المال، وبرنامج التغذية مثالاً”.
يضيف اليوسف: “في حال ادعاء الإخلال بالنصائح وبنود الاتفاق، ولم يحصل المريض على الفائدة التي تم التعهد بها، فعلى المريض إثبات هذا الإخلال والإهمال، فإن كانت النصائح المقدمة لا تعود لطبيب متخصص تابع لنقابة الأطباء، توجد حينها مسؤولية أخلاقية”. في المقابل، تبرير الطبيب جاهز أيضاً، وهو “أنه غير معني بالنتيجة بل بالإرشاد والتوجيه، ليدخل الجانبان في دوامة من الصراع والمحاكم”.
ولفت اليوسف إلى انتشار ظاهرة افتتاح عيادات يُقال إنها تفتقد للمختصين، “والكارثة الأكبر إذا كانت خارج موافقة نقابة الأطباء، فهذا طعن كبير بالقانون، لكن قضايا الريجيم والحميات والرياضة والتجميل والحقن والتنحيف ليست من تخصصات الأطباء في سوريا”.
العقاقير لا تُغني عن الرياضة
من جانبها، تنتقد الاخصائية الاجتماعية ميديا عكو، من الحسكة، الرغبة الجامحة في خسارة الوزن بسرعة من دون حساب للعواقب. تقول لـ”963+”: “ألاحظ لجوء عدد كبير من النسوة إلى العقاقير والأدوية الطبية المنحفة من دون استشارة طبيب، ودفع مبالغ كبيرة للوصول إلى الوزن المثالي، وعلي أن أقول إن اللجوء إلى طبيب أونلاين مسألة خطيرة جداً، إلا إذا كان متخصصاً فعلياً في التنحيف، فالمشكلة أن من فقد وزنه بمعجزة ما صار مرشداً يُفتي في مسائل التنحيف، فيقدم الوصفات للجيران والجارات، وللأصدقاء والصديقات، بغض النظر عن التأثيرات والتداعيات، علماً أن لكل إنسان طبيعته وجسمه وهروموناته المختلفة… ويتطور الوضع إلى النصب والاحتيال”.
وتذهب الصحفية أفين علو (29 عاماً) مذهب آخر. تقول لـ”963+”: “أفضل طرق التنحيف هي الحمية الصحية وممارسة الرياضة، وأنا لم أجرب أقراص التنحيف، إنما أهتم بجسمي، فأخفف من تناول السكريات والنشويات من خبز وأرز، وأتابع برنامجاً رياضياً بشكل مستمر”.
لا تقتنع علو بالتنحيف أونلاين، “على الرغم من أن والدتي استفادت منه، إذ تواصلت مع طبيب أونلاين وتابعت نظامه الغذائي الغني بالأعشاب الطبية، لكني أرى أن الرياضة هي أفضل الحلول، وأنفع من الحبوب والإبر”، مضيفةً أن المشكلة لا تكمن في اجتراح الحلول السحرية، إنما في الـتأخر فيها. تقول: “السمنة تزيد كثيراً، وصار الترهّل مشهداً عادياً في الشوارع، بين النساء والرجال، ولا يلجأ هؤلاء إلى الرياضة إلا بعدما تنال منهم السمنة وأمراضها، وبعدما يتعبون من برامج ’ريجيم‘ عشوائية من دون وعي”.
أخيراً، ترى علو أن القضية “لا موضة ولا ظاهرة، فنحن الشرقيين لا نهتم بأنفسنا إلا بعد مرورنا بأزمات صحية، وكأننا لم نسمع بأن الوقاية خير من قنطار علاج”.