رزق العبي – إسطنبول
تستعجل تركيا تطبيع علاقاتها مع سوريا، بينما تبطئ دمشق ذلك بشكل مقصود، وهو ما يستدعي تدخُّلاً روسياً وصل حدّ الوساطة بين الطرفين، وظهر ذلك جليّاً من خلال تصريحات أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحفيين على متن الطائرة خلال عودته من قازان بعد حضوره قمة “بريكس” بروسيا.
الإصرار التركي بدا من خلال قول أردوغان: “بحثنا سبُل تطبيع العلاقات مع سوريا وبحثنا مع بوتين كل هذه القضايا ذات الصلة وموقفنا وتوقعاتنا، وطلبنا منه اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان استجابة بشار الأسد لدعوتنا للتطبيع”.
خلافات تُجهِض التطبيع
في آذار/مارس 2012، قررت تركيا إغلاق سفارتها في دمشق، مُبررة ذلك بتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، وقمع السلطات السورية للمحتجين، وجرى تنظيم مؤتمرات عديدة للمعارضة في تركيا، هدفها الاتفاق على خطة موحدة للإطاحة ببشار الأسد.
لكن، خلال السنوات الأخيرة تراجعت أنقرة عن مواقفها السابقة، المناهضة للرئيس السوري، ووصلت تصريحات المسؤولين الأتراك إلى حد استجداء الأسد للقبول بالجلوس على طاولة حوار، إلا أن المحاولات التركية قُوبلت بصد من المسؤولين في دمشق، والذين أكدوا أن تركيا “ليست جدية” في محاولاتها.
ويعتبر التواجد التركي في شمالي سوريا أبرز العراقيل التي تحول دون تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، إلى جانب موقف تركيا من فصائل المعارضة السورية، وهما شرطان يُصر عليهما الأسد للقاء أردوغان.
واليوم الجمعة، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حديث نقلته صحيفة “حرييت” التركية: إنّ “روسيا تبذل جهوداً لإنهاء الصراعات بين دمشق وأنقرة، وناقشنا هذا الموضوع في اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لعملية أستانا في 27 أيلول/سبتمبر الماضي”.
ويرى المحلل السياسي غسان يوسف، أن تركيا تحاول “شرعنة” وجودها في سوريا “بحجة حماية أمنها القومي”، في الوقت ذاته، فإن دمشق غير قادرة على حماية الحدود مع تركيا.
ورغم ذلك، تُصر دمشق على انسحاب أنقرة من الأراضي السورية، الأمر الذي ترفضه تركيا،تحاول أن تشاركها دمشق بترتيبات معينة في الشمال مع الإبقاء على القواعد التركية في سوريا. لذا تظهر خلافات شاسعة بين دمشق وأنقرة، بحسب يوسف.
وعلل سبب مراوحة التطبيع في مربعه الأول، إلى معادلة الانسحاب التركي من الأراضي السورية أو جدولته بضمانات دولية، كشرط يمهد للقاء بين الرئيسين بشار الأسد، ورجب طيب أردوغان.
وتوقع يوسف أن تتصاعد الخلافات بين أنقرة ودمشق، بسبب الموقف التركي حيال الفصائل التي تدعمها، والتي تصنفها الحكومة السورية على إنها جماعات “إرهابية”، لا سيما “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً”، حيث تدعم تركيا “الهيئة” لوجستياً وعسكرياً، واعتبر المحلل أن هذا الاختلاف هو الأقوى بين الأسد وأردوغان.
بينما يقول الصحافي السوري عقيل حسين، لـ ”963+”: إنّ “تصريحات سيرغي لافروف، وما سبقها من أخبار بخصوص عمليات إعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، تؤكد مجدداً أنّ أنقرة “مستميتة” بشكل لا لبسَ فيه إلى إعادة التطبيع مع دمشق.
ويضيف: أن “الأسد لا يريد الانسحاب التركي من البلاد، ولكن يضعه كشرط من أجل إبطاء صفقة التطبيع، وليس إفشالها، لأنه لا يحتاجها الآن، وإنما هو بحاجة إلى تنازلات أكبر تُقدِّمها تركيا، وكذلك يحتاج إلى مكافئات من خصوم أنقرة”، وفقاً لرأيه.
ويشير حسين إلى أنّ “الأسد يضع سوريا في بازار من يقدِّم له ضمانات من شأنها أن تطيل فترة بقائه في الحكم، وإعادة إنتاج وتعويم نظامه. وبات يُدرك تماماً أن سوريا اليوم أصبحت أكثر أهمية لدول المنطقة مع التحولات الجارية”، بحسب قوله.
محاولات بلا نتائج
في ظل المحاولات التركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، وما تخللها من وساطة روسية، تؤكد الولايات المتحدة التي يتواجد 900 من جنودها في سوريا، وتدعم قوات سوريا الديموقراطية (قسد) على أنّها لا تؤيد تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، قد قال إنّ “واشنطن لا تؤيد تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، موضحاً أنّ “تلك المحاولات بلا نتائج”. وأشار في تصريحات نقلتها وكالة “روداو” إلى أنّ واشنطن تتابع تقارير عن جهود تركيا وسوريا لتطبيع العلاقات، “الولايات المتحدة لا تدعم هذه الجهود ولن تقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا ما لم يكن هناك تقدم حقيقي نحو حل سياسي للأزمة”.
ويعتقد الكاتب والباحث عبد الرحمن الناصر أن “الوضع في سوريا يسير ليكون في شطرين، أميركي وروسي، يتضمن الأول قوات سوريا الديموقراطية، وقوى في الجنوب (درزية وسنية)، أما الثاني فيجمع بين قوى المعارضة المتمثلة بالائتلاف المدعوم من تركيا، في مصالحة تبدو مستحيلة”.
ويشير إلى أن التصريحات من قبل الحكومة السورية وروسيا وتركيا بشأن التطبيع تكشف عدة عقبات أساسية، تتعلق بجوهر المواقف المتعارضة لكلا الطرفين. لأن “النظام السوري” يصرّ على ضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أو تقديم تعهد بذلك، بينما ترى تركيا أن تواجدها ضروري لضمان أمن حدودها، مع الإشارة إلى أنها تؤكد التزامها بوحدة الأراضي السورية. وهذا التباين يظهر صعوبة الوصول إلى توافق مستدام بين الطرفين، بحسب الناصر.
ويضيف في حديث لـ”963+” أنّ دمشق تتبع سياسة “الصمت الاستراتيجي” لقلة خياراتها والافتقار إلى نقاط قوة تستند إليها أثناء المطالبة بما تريد. بينما تسعى بإلحاح للتطبيع لمحاولة حيازة أكبر قدر ممكن من المكاسب وشرعنة تواجد قواتها في الداخل السوري.
وفي نهاية المطاف، “يبقى نجاح التطبيع مرهوناً بمدى استعداد دمشق لتقديم تنازلات ملموسة تسهم في تعزيز الثقة، والتزام تركيا بتقديم ضمانات تتعلق بسيادة سوريا، ما قد يمهد الطريق نحو حلول دبلوماسية وتخفيف التوترات الأمنية في المنطقة، وفقاً للصحافي السوري.