خاص ـ رزق العبي/ إسطنبول
وسط استمرار الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية وامتناع الحكومة السورية عن الرد، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب محللين، يستفيد من هذه الأوضاع لتعزيز موقفه السياسي والاقتصادي، مستغلاً تدفق اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية. في غضون ذلك، تباينت الآراء بشأن هذه السياسة بين من يراها فرصة للتهرب من أزمات داخلية ومن يعدها محاولة لإظهار النظام كفاعل إنساني وسط تحديات كبيرة.
واستقبل الأسد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، وعبر عن استعداده للتعاون مع المنظمات الدولية لمساعدة اللاجئين اللبنانيين.
ويصف الكاتب والصحفي فراس علاوي هذا التحرك بأنه “استثمار من الأسد في مسألة اللاجئين لتصدير أزمة إنسانية جديدة للعالم، وإظهار سوريا كدولة آمنة ومستعدة للتعاون”.
ويضيف علاوي لموقع “963+”، أن الأسد “يسعى لاعتبار أزمة استقبال اللاجئين مشكلة دولية تتطلب دعماً خارجياً”، وهي خطوة “للهروب من الأزمات الداخلية تحت غطاء الاستجابة الإنسانية”.
على الصعيد الداخلي، تجاهلت الحكومة السورية اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، حيث افتتحت مراكز إيواء للبنانيين فقط.
ويؤكد علاوي أن “النظام يحاول إرسال عدة رسائل بهذا التصرف، أبرزها الإيحاء بأن سوريا آمنة بما يكفي لاستقبال الآخرين، بينما يمر سكانها بمآسٍ يومية، مما يجعله يظهر كحكومة مسؤولة، وإن كان ذلك على حساب أبنائها”.
دعم دولي أم تعزيز للحكومة السورية؟
في إطار طلبات الدعم الدولي، دعا وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري، لؤي خريطة، خلال اجتماعه مع المدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سوديبتو موكرجي، إلى ضرورة دعم الاحتياجات الطارئة للاجئين من لبنان.
وقال إن “الظروف تفرض على سوريا استضافة لاجئين من دولة مجاورة، وعلى المجتمع الدولي الاستجابة لهذا العبء”. ويعتقد علاوي أن مثل هذه الدعوات جزء من حملة سياسية موجهة للغرب، مؤكداً أن “الأسد يسعى لإرسال رسالة تفيد بأن العقوبات الاقتصادية تحرمه من القدرة على توفير الاستقرار”.
ورغم ذلك، يرى البعض أن الدعم الدولي الذي تطالب به الحكومة السورية ليس بالضرورة موجهاً لخدمة احتياجات اللاجئين أو الشعب، بل لتعزيز سيطرة الحكومة.
ووفقاً لما ذكره تقرير مركز “جسور” للدراسات، فإن “السلطات السورية تستغل أزمة اللجوء لخلق انقسام داخل الاتحاد الأوروبي”، مما يشير إلى أنها تحاول إقناع الدول الأوروبية بإمكانية عودة اللاجئين من أراضيها إلى سوريا.
ويتزامن هذا مع تأكيد ثماني دول أوروبية على ضرورة إعادة تقييم العلاقات مع الحكومة السورية، في إطار ما سُمي بـ”وثيقة اللاورقة”.
وأكدت المفوضية الأوروبية، الاثنين 29 من تشرين الأول، أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، يدرس تعيين مبعوث إلى خاص إلى سوريا.
وذكرت المتحدثة باسم المفوضية، نبيلة مصرالي، أنها لن تقدم مزيدًا من التفاصيل في هذه المرحلة لأن هذه العملية مستمرة.
ووفق صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإن أي خطوات يُنظر إليها على أنها قد تخفف الضغوط عن نظام السوري من المرجح أن تُقابل بمقاومة من عواصم أخرى، نظرًا للانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يُتهم النظام بارتكابها.
ولا يزال الاتحاد الأوروبي محافظًا على موقفه المقاطع للنظام السوري على خلفية الانتهاكات التي ارتكبها خلال قمع احتجاجات السوريين على مدار 13 سنوات من عمر الثورة السورية.
وفي 28 من أيار الماضي، مدد الاتحاد الأوروبي العقوبات الأوروبية على النظام السوري حتى حزيران 2025.
عواقب محلية
ورغم محاولات الحكومة السورية استغلال أزمة اللجوء لإظهار استعداده لاستقبال اللاجئين، تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان بحق العائدين من لبنان، مما يعكس تناقضاً صارخاً بين الخطاب الرسمي والممارسات على الأرض. فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 26 شخصاً منذ 23 أيلول/سبتمبر، بينما وردت أنباء عن وفاة أحد المعتقلين تحت التعذيب. وتصف الشبكة هذه الانتهاكات بأنها “جزء من السياسة القمعية التي تمارسها الحكومة السورية بحق شعبها”.
الدكتور علاء تباب، الخبير في الإعلام والتسويق السياسي، يقول لـ”963+”: “الحقيقة أن النظام غير مضطر أن يلعب على التوازنات لإطالة عمره في الجسم الدولي السياسي، فوجوده أساسا هو وجود وظيفي وكأنه حاصل على وكالة دولية في إدارة القطاع السوري”.
تعزيز النفوذ
ويرى تباب أن الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” في لبنان، “يصب في مصلحة النظام ومحاولة تكريس وإعادة تدوير الأقلية في إدارة سوريا، وذلك من خلال تصفية النفوذ الإيراني وأدواته التي باتت أقوى نفوذاً من النظام السوري ذاته اليوم”.
ويضيف: “الفاعل الدولي اليوم يحاول بمبادراته السياسية إبقاء النظام ورأسه وهو مستعد أن يقدم الكثير من التنازلات لكن من المحال أن يتنازل عن الطائفية السياسية التي تتحكم فيه”.
بينما يشير بعض المحللين إلى أن هذا الصراع يمكن أن يخدم الحكومة السورية عبر تخفيف الضغوط عليه، إلا أن علاوي يرى أن “النظام السوري في نهاية المطاف ليس بحاجة للعب على التوازنات الداخلية أو الخارجية؛ فهو موجود بفضل دعم القوى الدولية، التي لا يهمها إلا مصالحها”.