خاص – أحمد كنعان / دمشق
تشهد مهنة تصليح الأحذية انتعاشاً في أسواق دمشق، بعدما كادت تختفي قبل اندلاع الحرب في عام 2011، بسبب الارتفاع في أسعار الأحذية الجديدة وعدم تناسبها مع دخل المواطن، ورداءة الإنتاج، لذا يفضل المواطنون تصليح أحذيتهم القديمة والحفاظ عليها أطول مدة ممكنة، حتى تهلك تماماً.
تتراوح أسعار الأحذية بين 150 ألف ليرة سورية (10 دولارات تقريباً) للأنواع العادية و600 ألف ليرة سورية (40 دولاراً تقريباً) للأنواع الجيدة، في حين يتراوح دخل الموظف بين 400 ألف ليرة سورية (27 دولاراً تقريباً) و600 ألف ليرة سورية (40 دولاراً تقريباً)، ما يعني أن راتب الموظف لا يشتري أكثر من حذاء واحد في أحسن الأحوال.
تتوزع محلات تصليح الأحذية بين الحارات في المناطق المتوسطة والعشوائيات، كما تنتشر ورش التصليح على الأرصفة، لعل أشهرها ورشة تحت جسر الثورة وسط العاصمة دمشق.
رب ضارة نافعة
يقول “أبو شريف”، وهو صاحب محل لتصليح الأحذية في مدينة جرمانا، لـ”963+”: “أعمل في هذه المهنة منذ 30 عاماً، وقد تحسّن عملنا نتيجة ارتفاع أسعار الأحذية الجديدة، بعدما كان المواطن يرمي حذاءه حين يعطب، لأنه كان قادراً على شراء غيره، واليوم يُضطر لإصلاحه، وأجور التصليح مهما ارتفعت تبقى أقل كثيراً من ثمن حذاء جديد”.
تبلغ قيمة تصليح الحذاء، بحسب العطب طبعاً، بين 5 آلاف ليرة سورية (35 سنتاً تقريباً) و30 ألف ليرة سورية (دولاران تقريباً). يعلّق “أبو شريف” قائلاً: “أقدّر السعر بحسب الحذاء وما يحتاج، فالدرزة تكلف بين 10 آلاف (70 سنتاً تقريباً) و15 ألفاً (دولار واحد تقريباً)، فيما كانت تكلف في السابق نحو ثلاثة آلاف ليرة (20 سنتاً تقريباً)، فأسعار الخيطان ارتفعت أيضاً”.
مشفى الاحذية
يقول “أبو شريف”: “أحياناً، أصّلح الحذاء ذاته أكثر من مرة”، فيعلّق المواطن حيدر حسن قائلاً لـ”963+” إنه لا يستطيع أن يشتري حذاءً إلا كل 3 أو 4 أشهر، “لذا أتجه إلى التصليح”.
أما “أبو حبيب”، وهو أيضاً صاحب محل تصليح أحذية، فيتفق مع أبو شريف على أن لا تعرفة محددة للتصليح. يقول لـ”963+”: “نحن أشبه بمشفى للأحذية. يأتينا حيناً حذاء بحاجة الى تبديل نعل، ويأتينا أحياناً حذاء بحاجة إلى درزة جانبية، أو أمامية. وثمة حذاء رجالي، وآخر ولادي، كما يأتينا أشخاص ليس في جيبهم ما يسد رمقهم، فنراعيهم لأنهم إخوتنا في هذا البلد، وهذا واجبنا”.
يضيف “أبو حبيب”: “لم يكن هذا عملي، فأنا كنت بائع جلود صناعية، لكني خسرت تجارتي في الحرب، فالتحقت بأبني أعمل معه في هذه المهنة التي كانت ضعيفة حين كانت الناس قادرة على شراء أحذية جاهزة جديدة، واليوم، تبدّل الحال، وصار صعباً على الجميع دفع نحو 500 ألف ليرة (35 دولاراً تقريباً) لشراء حذاء جديد”.
جمود حركة البيع
يُجمع أغلب أصحاب محلات بيع الأحذية في دمشق على أن حركة البيع شبه معدومة، “فالناس لا تأبه للعروض والحسومات”، كما يقول إياد القط، العامل في أحد محلات بيع الأحذية، لـ”963+”: “لا إقبال على شراء الأحذية، يدخل الناس إلى المحل زواراً، يسألون كثيراً عن الأسعار، ونادراً جداً أن يشتروا”.
هذا ليس مستهجناً، فالبنك الدولي يصف إحصاءاته عن الفقر في سوريا في 2024 بـ “الأرقام الصادمة”، حيث جاء في التقرير – وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) – أن نسبة 27% من السوريين يعيشون في فقر مدقع، اي نحو 5,7 مليون نسمة. وقال البنك الدولي في تقريره إن “الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، يبقى في تراجع مع استمرار تأكل البنية القوة الشرائية بسبب ارتفاع الاسعار “.
وتوقع التقرير أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الامني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات، “وبسبب تداعيات تراجع قيمة العملة، وارتفاع العجز في أرصدة العملات الأجنبية، توقع التقرير أن يستمر ارتفاع منسوب التضخم، وأن يستمر خفض دعم الغذاء والوقود”، لافتاً إلى أهمية التحويلات المالية، التي تشكل شريان الحياة للأسر السورية.
وفي تقرير أممي صدره في يوم الفقر العالمي، الموافق 17 ترشين الأول/أكتوبر الجاري، فقد صنفت سوريا أفقر بلد في العالم، إذ وصلت نسبة الفقر فيها إلى 82%، وتأتي بعدها زيمبابوي بنسبة فقر تصل الى 72%.