دمشق
تشهد سوريا في الآونة الأخيرة تركيزاً كبيراً من الحكومة على دعم القطاع السياحي والترويج للمواقع التاريخية والدينية، في وقت تتفاقم فيه أزمة النزوح، خصوصاً على الحدود مع لبنان.
وفي الأسابيع الأخيرة، سجلت الحدود السورية-اللبنانية تدفقاً كبيراً للنازحين السوريين الهاربين من التصعيد العسكري جراء الغارات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية.
ويقدر أن ما يزيد على 400 ألف شخص، معظمهم من السوريين، دخلوا إلى سوريا خلال هذه الفترة هرباً من الحرب المستعرة في لبنان، ما يبرز الحاجة إلى استجابة إنسانية عاجلة من الحكومة السورية.
وعلى الرغم من الظروف الإنسانية الصعبة، تواصل الحكومة السورية، عبر وزارة السياحة، الترويج لجذب السياح كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية، مركزة على السياحة الدينية والثقافية، التي تستقطب الزوار من بعض الدول المجاورة.
ترويج للسياحة رغم الظروف الإنسانية
في السياق، يأتي حديث الحكومة السورية عن عودة النشاط السياحي كإشارة على تغييب واضح للأولويات، إذ تركز الدولة على إبراز زيادة عدد القادمين من دول مثل العراق وإيران لأغراض دينية، متجاهلة الضغوط الاجتماعية والمعيشية التي يعاني منها السكان العائدون أو المقيمون.
فوفق تصريحات وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، بلغ عدد القادمين إلى سوريا مليوناً و680 ألف زائر منذ بداية العام حتى نهاية أيلول/ سبتمبر، مع زيادة طفيفة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويعزو الوزير هذه الزيادة إلى جهود التطبيع العربي مع سوريا وتزايد السياحة الدينية من دول الجوار، حيث زار سوريا نحو 150 ألف سائح ديني خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، قضوا ما يزيد على مليون ليلة فندقية.
في حين بلغ عدد النزلاء العرب والأجانب 227 ألف نزيل لنهاية شهر آب/ أغسطس من عام 2024 بزيادة 2% عن الفترة نفسها من عام 2023 بعدد ليال 1.218 مليون ليلة فندقية بزيادة 3% عن الفترة نفسها من عام 2023 منهم عرب 193 ألف نزيل بعدد ليال 108 آلاف ليلة، وأجانب 34 ألف نزيل بعدد ليال 140 ألف ليلة.
وذكر الوزير أن عدد النزلاء السوريين لنهاية شهر أغسطس/آب هذا العام نحو 676 ألف نزيل سوري، بزيادة 9%عن الفترة ذاتها من العام الماضي قضوا خلالها 1.355 مليون ليلة.
وقال: “تجاوزت نتائج أعمال الفنادق المملوكة للوزارة 166 ملياراً خلال 9 أشهر من هذا العام مقارنة مع حوالي 90 ملياراً في الفترة ذاتها من العام الماضي، في حين بلغ إجمالي الربح المحقق للفنادق نحو 37 مليار ليرة منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر من هذا العام مقارنة مع نحو 21.5 مليار ليرة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي”.
وكانت قد استقطبت سوريا قبل الحرب المستمرة منذ عام 2011، نحو 8.5 ملايين سائح عام 2010 بحسب تصريح سابق لوزير السياحة وقتذاك، سعد الله آغا القلعة، بلغ العرب منهم 4.6 ملايين مقابل 2.3 مليون سائح أجنبي ونحو 1.5 مليون سوري مغترب.
ويشير مرتيني إلى أن السياحة السورية بدأت تنتعش تدريجياً، إلا أن الأرقام تبقى بعيدة عن مستويات ما قبل الحرب التي حقق فيها قطاع السياحة عائدات بلغت حوالي سبعة مليارات دولار في عام 2010.
تشكيك بالأرقام الرسمية للسياحة
يشكك العديد من الخبراء الاقتصاديين في مصداقية الأرقام الصادرة عن وزارة السياحة حول أعداد القادمين إلى سوريا، مشيرين إلى أن جزءاً كبيراً من القادمين هم من النازحين أو زوار مؤقتين ولا يمكن تصنيفهم كسياح فعليين.
ويشيرون إلى أن معظم الوافدين السوريين يدخلون البلاد “لأغراض تتعلق بالأوراق الرسمية أو لرؤية ذويهم، كما أن كثيرين منهم يضطرون للعودة لتصفية ممتلكاتهم بسبب القيود القانونية التي تمنع البيع بالوكالة أو عن بعد، مما يسهم في تضخيم أرقام القادمين بصورة لا تعكس حقيقة النشاط السياحي”.
ويرى خبراء أن توجه الحكومة السورية نحو التركيز على الترويج السياحي، خاصة مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة، “يظهر وكأنه انعكاس لغياب استجابة متكاملة للأولويات الملحة”. فبينما يتم تسليط الضوء على زيادة عدد الوافدين وتسجيل إيرادات أعلى من الفنادق المملوكة للدولة، تتجاهل الحكومة المعاناة اليومية للنازحين والضغوط الاجتماعية التي يتحملها المواطنون نتيجة نقص الخدمات الأساسية.
ورغم عودة بعض الدول العربية إلى فتح سفاراتها واستئناف العلاقات الديبلوماسية مع دمشق، يبقى أثر هذه التحركات محدوداً في ظل التحديات المتزايدة على أرض الواقع، بدءاً من احتياجات النازحين وصولاً إلى إعادة تأهيل المناطق المتضررة والمباني الأثرية.
تضرر السياحة السورية
تسببت الحرب في سوريا بدمار هائل في البنية التحتية، حيث خرجت حوالي 1468 منشأة سياحية عن الخدمة، بما في ذلك 365 فندقًا و1103 مطاعم، إلى جانب تدمير آلاف المباني التاريخية في مدن كحلب وحمص ودرعا ودمشق، وفق بيانات سابقة لوزارة السياحة.
لكن بعض تلك المنشآت أعيد ترميمها بعد عودة سيطرة الحكومة السورية على مدن “حلب، حمص، درعا، حماة، ريف دمشق” بعد أضرار كبيرة لحقت بالمدن والمنشآت، وصلت عام 2015 في مدينة حلب نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بـ35 ألف مبنى مدمر، وجاءت حمص في المرتبة الثالثة بـ13778 بناء، ثم الرقة بـ12781 بناء، ثم حماة بـ6405 أبنية، ودير الزور بـ6405 أبنية إضافة إلى مخيم اليرموك بـ5489 بناء.
وقدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا كلفة إعادة الإعمار في سوريا، وقتذاك، بنحو 400 مليار دولار، علماً أن قطاع الإسكان يستحوذ على 65% منها بحسب البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
وبرغم بعض الجهود الرامية إلى ترميم المواقع السياحية في المناطق التي استعادت الحكومة سيطرتها عليها، لا تزال العديد من المنشآت خارج الخدمة، وتظل المدن والمواقع الأثرية السورية، مثل تدمر، ضمن المناطق الخطرة، مما يعوق عودة السياحة الدولية إليها.