أخرج عمران أكياس البلاستيك الموصولة ببعضها البعض وبدأ بوضعها على سطح بيته في إحدى مخيمات إدلب استعداداً “خجولاً” لشتاء اعتاد عليه أن يكون ضيفاً ثقيلاً لما يحمله من ضرر على “بيوت” مصنوعة على عَجلٍ تأويه وعائلته منذ نزوحهم من بلدتهم كفرنبل جنوبي المحافظة السورية الواقعة شمال غربي سوريا، إلى مخيمات “البردقلي” عند الحدود مع تركيا.
يقول عمران إنّ “الشتاء بات يحمل الكثير من المأساة للناس هنا في مخيمات إدلب فهو ريح شديدة تتطاير منها الخيام، وأمطار غزيرة تُغرق تلك البيوت المؤقتة التي تأوينا”. مؤكّداً في حديث لـ”963+” أنّ “السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً في الدعم المقدّم من قبل المنظمات للنازحين في إدلب”.
ومع حلول فصل الشتاء تتضاعف الاحتياجات بسبب العوامل الجوية، وتبرز الحاجة إلى تأمين مواد التدفئة والأغطية والملابس الشتوية واستبدال الخيام المهترئة، إضافة إلى تعبيد الطرقات التي تنقطع بسبب السيول والفيضانات.
ومنذ سيطرة قوات الحكومة السورية على مناطق في جنوبي إدلب وريف حماة، في 2020، اضطر مئات الآلاف من سكّان تلك المناطق إلى النزوح نحو قرى وبلدات شمال غربي سوريا، وتمّ بناء مخيمات على عجل في مناطق جبلية وعرة وأخرى زراعية، يقيم فيها 4 ملايين و186 ألفاً، نصفهم من النازحين، إضافة لوجود 6.5 آلاف لاجئ من العراق وفلسطين.
ويتوزّع النازحون في تلك المناطق على ما يزيد عن 1250 مخيّماً، أغلبها مخيمات عشوائية، يتعرّض قاطنوها لصيف حار وشتاء بارد تأتي أمطاره على سقوف خِيمهم وتُمزّق عواصفه جدراناً من قماش تأويهم.
في هذا الصدد، يقول محمد الخلف، وهو عامل في الشأن الإنساني بإدلب، لـ”963+” إنّ “الشتاء يُمثّل تحدّياً مستمراً للسكّان هنا في إدلب نظراً لفقر حالهم وصعوبة مواجهة ظروف الطبيعة، فغالباً ما تأتي أمطار غزيرة أو رياح وعواصف تجعل الخيام تتطاير أو تغرق، وهي مأساة متجددة في كل عام، باتت حالة اعتيادية للسكّان”.
كل شيء قابل للحرق
“نستخدم كلّ شيء قابل للحرق كوسيلة للتدفئة”، جملة قالها أكثر من 10 أشخاص في ريف إدلب عن استعدادهم لفصل الشتاء هذا العام، لكنّ ذلك يترتّب عليه أعباء طبية قد تكون خطيرة في بعض الأحيان، وهو ما كشفت عنه سلمى سيف، التي تسكن في ريف إدلب، مشيرةً إلى أنّ كثرة استخدام الأدوات البلاستيكية أو قطع القماش للتدفئة خلال العام الماضي تسبب بمرض لدى أطفالها الصغار، الأمر الذي جعلها تُقلع عن استخدام هذه الأشياء للتدفئة، مستعيضة عن ذلك بأعباء مالية إضافية ترتّبت عليها لتأمين التدفئة عبر الكهرباء.
ولفتت في حديث لـ”963+”، إلى أنّ للشتاء أعباء أخرى تتمثل في صعوبة وصول الأطفال للمدارس نظراً لوعورة الطرقات أو وجود طين فيها، ما يجعل الأهالي مضطرين إلى تأمين وسيلة نقل لتوصيل الأطفال إلى صفوفهم لتلقّي التعليم. وهو ما يُرتّب أعباء مالية جديدة عبر الاستعانة بوسيلة نقل مأجورة.
وتنتشر في شمالي سوريا حوالي 100 منظمة محلية عاملة في الشأن الإنساني والإغاثي، لكنّ السكّان يتّهمون أغلبها بالتقصير عن تلبية احتياجاتهم، في حين أنّ المنظمات تبرر التقصير باتساع دائرة الحاجة لدى النازحين وطول فترة النزوح، وقلّة الموارد المالية.
وبحسب وحدة تنسيق الدعم، العاملة في المنطقة، فإن العام الماضي شهدت تلك المخيمات 42 حالة وفاة مرتبطة بالبرد.
دلامة علي، المدير التنفيذي للاستجابة الطارئة، أشار في حديث لـ”963+” إلى أنّ “فريقهم قدّم خلال العام الماضي ألبسة ومواد تدفئة بما يزيد عن نصف مليون دولار لسكّان المخيمات في إدلب”، مشيراً إلى أنّ خدماتهم تستهدف بين 60 إلى 70 مخيم، وهم خلال العام الحالي سيُقدِّمون ألبسة وغيرها.
لكنّ “علي” نوّه إلى أنّ هذا الشتاء مختلف لكون المنطقة تشهد تصعيداً مستمراً من قبل القوات الحكومية وروسيا، وهو ما يجعلهم غير قادرين على تأمين مستودعات لشراء وسائل تدفئة أو معدّات لتقديمها لاحقاً للسكّان، خشية تعرّض تلك المستودعات للقصف.
ولكن عدداً من أهالي إدلب أكدوا على أنّ المنطقة تشهد ركوداً عاماً نتيجة خوف السكّان من حملة عسكرية تلوح في الأفق، وهو ما جعل الحركة في الأسواق تقتصر على تأمين الحاجيات اليومية.
وبدأت أسعار أدوات التدفئة وموادها بالارتفاع مع دخول الشتاء، حيث بلغ سعر طنّ “القشر” 170 دولاراً، وهي قشور فستق أو غيرها، يستخدمها السكان للتدفئة في شمال سوريا. وكذلك يتراوح طن الحطب بين 170 إلى 185 دولاراً أميركياً.
ويبلغ سعر ليتر المازوت المستورد 1.2 دولار أميركي، والمازوت مُحسَّن 0.6 دولار، وأسطوانة الغاز 11.08 دولار. فيما تُباع مدفأة الحطب أو المازوت بين 40 إلى 60 دولاراً أميركياً، ويصل بعضها إلى 100 دولار، حسب نوعيتها وجودتها. وطن الحطب يبلغ سعره ١٥٠ دولاراً، بحسب أهالي المنطقة.
وأطلق فريق “منسقو استجابة سوريا”، اليوم الأربعاء، نداء استغاثة عاجلاً لتغطية الاحتياجات الإنسانية للنازحين في شمال غربي سوريا مع اقتراب فصل الشتاء وزيادة أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية.
وقال الفريق في بيان، إن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية وصل إلى أكثر من 4.4 ملايين شخص، منهم 80% من سكان المخيمات، مشيراً إلى تزامن هذه الاحتياجات مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية وزيادة معدلات البطالة إلى نحو 88.82%.
وسجلت مخيمات النازحين في الشمال السوري تزايداً ملحوظاً في عدد الحرائق خلال الأسبوع الماضي، حيث تجاوز عددها 14 حريقاً نتيجة عوامل متعددة.
وبحسب “منسقو الاستجابة”، فإن إجمالي الحرائق المسجلة في المخيمات منذ بداية العام الحالي بلغ 184 حريقاً، مشيراً إلى أن هذه الحرائق تسببت في احتراق أكثر من 241 خيمة ومسكناً، بالإضافة إلى وقوع إصابات ووفيات بين النازحين.
وأوضح الفريق أن هذا التزايد في الحرائق يأتي وسط انخفاض كبير في درجات الحرارة واعتماد النازحين على وسائل تدفئة بدائية غير آمنة، حيث تلجأ 90% من العائلات النازحة إلى استخدام مواد غير صالحة للتدفئة، مثل البلاستيك والنفايات، داخل الخيام.