يواجه اللاجئون السوريون العائدون من لبنان إلى مناطق شمال غربي سوريا، جراء الحرب في لبنان بين إسرائيل و”حزب الله” في 19 سبتمبر/أيلول الفائت، واقعًا مريرًا لم يكن في الحسبان. فبعد سنوات من اللجوء القسري هرباً من الحرب السورية، يعودون اليوم إلى مناطق مدمرة، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة: منازلها مهدمة، وبنيتها التحتية شبه معدومة، ولا خطط واضحة لتأمين المأوى والدعم اللازم. فيقف هؤلاء على مفترق طريقين: أحلام العودة الكريمة وواقع قاس من التشرد والضياع.
يروي فرحات الشمالي لموقع “963+” بمرارة وألم عن معاناة عاشها برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة خلال عودتهم مرغمين من لبنان إلى مخيمات محافظة إدلب، بعد 11 عامًا من اللجوء القسري في لبنان. وصل الشمالي إلى مخيم ابن عثمان، المشيّد على أطراف بلدة كلي، بجسد مثقل بالألم وذاكرة تعج بمشاهد الموت والعذاب، ليس بسبب الظروف التي كانت تنتظره في المخيمات، بل بسبب إنفاقه كل ما جناه من عمله في فترة لجوئه، وبسبب إصابة في يده تعرض لها في أثناء وجوده في حي برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية. عاد إلى أرض طالما حلم بالعودة إليها، لكنه وجدها أطلالاً لا توازي حتى الأحلام التي رسمها في مخيلته، لا سيما بعد أن وجد نفسه بلا مأوى، وفي واقع جديد أشد قسوة.
تزايد عدد الوافدين
في 28 تشرين الأول/أكتوبر، أكدت لجنة الطوارئ في لبنان عبور 353,410 مواطنين سوريين و165,030 مواطناً لبنانياً إلى الأراضي السورية، منذ 23 أيلول/سبتمبر الفائت. وتجاوز عدد الوافدين الموثوقين الذين وصلوا إلى مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” بريف حلب الشمالي 4000 فرد، جلهم من النساء والأطفال، وفق احصائيات “منسقو استجابة سوريا”، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد قد يكون ضعف ذلك نتيجة دخول عدد كبير من العائدين من طرق التهريب، بسبب إغلاق المعابر بين المناطق بين الحين والآخر.
يقول طارق العلي، مسؤول العلاقات في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في “حكومة الإنقاذ”، لـ “963+” إن الحرب التي يشهدها لبنان “أجبرت معظم العائلات السورية اللاجئة هناك على الهجرة العكسية، فأكثر من 1500 شخص عادوا إلى محافظة إدلب تم توثيق دخولهم في مديرية الوافدين التي أحدثتها الوزارة لتيسير أمور هذه العائلات، وسط توقعات بازدياد عدد القادمين نتيجة توسع رقعة الحرب”.
ويضيف: “معظم الوافدين توجهوا إلى أقرباء لهم للإقامة معهم مؤقتاً بسبب ضعف استجابة المنظمات الأممية والمحلية”.
من حرب إلى حرب
لم تكن رحلة غصون بكار وأولادها للوصول إلى زوجها في لبنان قبل 10 أعوام سهلة، لكنها كانت الخيار الوحيد مع اشتداد زخم الحرب في سوريا لتبقي أسرتها في مكان واحد وآمن محاولة التأقلم مع حياة اللجوء، إلا أن الحرب الإسرائيلية التي جاءت مفاجئة وضعت المرأة وزوجها أمام خيار النزوح العكسي في اتجاه بلدهم، لكن ليس إلى قريتهما أو منزلهما، بل إلى أقارب في مخيمات النزوح بشمال غرب البلاد، التي تعاني أوضاعاً كارثية أصلاً، بسبب الاكتظاظ السكاني وتضاؤل الدعم الأممي.
يشكو أبو رائد، وهو رب الأسرة المتحدرة من بلدة كفروما بريف إدلب الجنوبي، فقدان المأوى ومستلزمات المعيشة الضرورية، بعدما وجد نفسه مشرداً بين المخيمات، بلا سقف يحميه وأسرته من قسوة الطقس وصعوبة العيش، خصوصاً أنه أنفق كل ما في حوزته من مال مقابل وصول آمن إلى إدلب. فالأمور المالية تزداد سوءاً مع الأيام، إذ يجد الرجل نفسه عالقًا بين تكاليف الحياة المتزايدة وبين وضعه الصحي وندرة فرص العمل الملائمة معه.
كان فريق “منسقو استجابة سوريا” قد حث في وقت سابق كافة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة على التحرك الفعلي لمساعدة اللاجئين الوافدين إلى المنطقة والنازحين داخلياً، الذين اضطروا إلى ترك منازلهم على خلفية التصعيد العسكري الذي تشهده المنطقة منذ أكثر من شهر. كما طالب السلطات والجهات المحلية بالعمل على منع استغلال المدنيين وضبط الإيجارات.
استجابة ضئيلة
يعيش سكان المخيمات في الشمال السوري تحت وطأة ظروف قاسية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، مع نقص التمويل الأممي المقدم للمنظمات المحلية. فبعد سنوات طويلة من النزوح، صار الاعتماد على المساعدات الإنسانية ضرورة للبقاء. إلا أن هذه المساعدات تضاءلت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ما فاقم معاناة النازحين داخليًا، فضلاً عن الوافدين من لبنان.
يقول عبدالله الصطوف، مدير مخيم الرحمة في قرية الشيخ بحر شمالي إدلب، لـ”963+”: “لم تقدم المنظمات والجهات المحلية أي نوع من أنواع الاستجابة الطارئة للعائلات الوافدة إلى المخيم، ما أجبرها على المغادرة إلى أماكن أخرى بحثًا عن مأوى، وأي نوع من مقومات الحياة اليومية”، مضيفاً: “المساكن والخيام المؤقتة ومستلزماتها إلى جانب السلال الغذائية والمياه من أهم المتطلبات التي يبحث عنها السوريين اليوم”.
اقتصرت استجابة المؤسسات والجمعيات المحلية للأفراد، الذين دخلوا المنطقة عبر معبر عون الدادات في جرابلس شمالي حلب، على تقديم الرعاية الطبية والإسعافات الأولية والدعم النفسي ونقل المرضى والحالات الطبية إلى المشافي، والأصحاء إلى مراكز المدن.
يقول مصدر في منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” لـ “963+”: “تعاني العائلات السورية الوافدة من لبنان إلى منطقة شمال غرب سوريا صعوبات كبيرة ومتعددة، تحديدًا المرضى المصابين بأمراض مزمنة والنساء الحوامل، في إثر الإرهاق والضغوط النفسية التي سببتها الحرب والنزوح الشاق”.
وأشارت المنظمة إلى أن واقع الوافدين صعب جدًا، “فهم بحاجة ماسة إلى سكن آمن ومستلزمات المعيشة بشكل كامل لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء”، فيما قالت المنظمة إن المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعاني هجمات مستمرة تشنها روسيا والقوات الحكومية السورية، وضعفاً كبيراً في الاستجابة الإنسانية للمحتاجين.