خاص ـ إدلب
أعلنت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، المدعومة من أنقرة، عن إعادة فتح معبر “أبو الزندين” في ريف حلب في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أمام اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الأطراف السياسية والفصائل المسلحة، وموجة احتجاجات محلية. ففي حين بررت الحكومة هذا القرار بأنه استجابة للأوضاع الإنسانية المتفاقمة، عبّر المحتجون عن رفضهم، معتبرين فتح المعبر “خطوة خفية نحو التقارب مع الحكومة السورية”.
ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان من تدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة الحرب والصعوبات الاقتصادية المتفاقمة، ما دفع العديد منهم للتفكير في العودة إلى سوريا، وتحديداً إلى مناطق الشمال التي تسيطر عليها المعارضة.
وقد صرحت وزارة الدفاع السورية المؤقتة في بيان رسمي، بأن فتح معبر “أبو الزندين” يأتي لتلبية رغبة أعداد متزايدة من السوريين في العودة، خصوصاً بعد المضايقات التي تعرضوا لها أثناء محاولات العبور من معبر “عون الدادات” الذي يربط مناطق شمال غربي سوريا بشمال شرقي البلاد، الذي أغلق مؤخراً، مما اضطر العائدين إلى المبيت في العراء.
وأكدت الوزارة أنها تعمل بالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لضمان تقديم الاحتياجات الأساسية للعائدين.
حجج وتشكيك
إعلامي في وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، قال لـ”963+”، إن “افتتاح المعبر جاء بقرار رسمي صادر عن الوزارة، فيما لم تعلن مدة زمنية محددة لعبور اللاجئين”، ولم يكشف الإعلامي أي تفاصيل إضافية وإذا ما كان المعبر “سيبقى مفتوحاً امام الحركة التجارية، أم فقط للعائدين من لبنان”.
ولكن، مع كل تلك المبررات، يشير مراقبون إلى أن توقيت القرار ليس بريئاً، بل يعكس تقاطعات مع ضغوط تركية وروسية لإعادة إحياء التواصل مع دمشق، خصوصاً في ظل التطورات الإقليمية التي تدفع باتجاه التطبيع بين أنقرة ودمشق، بهدف إيجاد حلول مشتركة للملف السوري.
ويعتبر البعض أن الخطوة تأتي في سياق تحركات تركيا لتعزيز الاستقرار الأمني على حدودها من جهة، وإعادة ترتيب الأوضاع في الشمال السوري.
وكان “أبو الزندين” مغلقاً منذ آذار/ مارس 2020 بسبب تفشي جائحة كورونا، وأعيد افتتاحه بضغط من تركيا ووفق تفاهمات مع الجانب الروسي، العام الماضي.
احتجاجات محلية
رغم الحجج الإنسانية التي ساقتها الحكومة المؤقتة لتبرير إعادة فتح المعبر، شهدت المنطقة المحيطة بـ”أبو الزندين” احتجاجات واسعة من قبل أهالي المنطقة.
وأغلق المحتجون الطريق المؤدي إلى المعبر بالسواتر الترابية، تعبيراً عن رفضهم لقرار الحكومة الذي يرونه خطوة غير معلنة نحو التطبيع مع الحكومة السورية.
ويرى المحتجون، وكان منهم الناشط علي الشيخ، أن إعادة فتح المعبر ليس إلا “قرار تركي بحت ولا يخدم مصالح السوريين”.
وأضاف لـ”963+”، أن المحتجين يعتبرون أن المعبر هو “مقدمة لإعادة العلاقات بين المعارضة والنظام ضمن مسار تفاهمات أستانا، خاصة أن موقع المعبر الاستراتيجي على طريق M4 يتيح للحكومة السورية تعزيز نفوذه على حساب المعارضة”.
وشدد الشيخ على أن المحتجين على دراية بآثار هذا القرار، وأنهم لن يسمحوا بتنفيذه “تحت أي ذريعة إنسانية”.
أبعاد القرار على الأمن والاقتصاد المحلي
يعد “أبو الزندين” نقطة وصل مهمة بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق المعارضة المدعومة من تركيا. ورغم أن الحكومة المؤقتة لم تصرح بمدة محددة لعبور اللاجئين، ولم توضح إذا ما كان المعبر سيبقى مفتوحاً أمام الحركة التجارية، إلا أن القرار أثار مخاوف بين الناشطين والقادة العسكريين من تداعياته الاقتصادية والأمنية.
العديد من المعارضين يخشون أن يؤدي فتح المعبر إلى تهريب المخدرات والأسلحة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني المتأزم أصلاً في المنطقة، ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار في مدينة الباب والمناطق المحيطة.
كما أشار المجلس المحلي في مدينة الباب إلى أن فتح المعبر يمكن أن يعزز النشاط التجاري، ويخفف من الأعباء الاقتصادية، لكن بعض النشطاء يرون أن ذلك قد يؤدي أيضاً إلى زيادة النفوذ الاقتصادي للحكومة السورية في المنطقة، مما يسهم في تحقيق أهداف سياسية غير معلنة تتعارض مع مصالح المعارضة. و
يرى المحتجون أن هذه الخطوة تسهم في تقويض أهداف “الثورة” وتفتح المجال لتطبيع اقتصادي يمكن أن يمهد لتطبيع سياسي.
التوترات المستمرة
تسعى الشرطة العسكرية التابعة للحكومة السورية المؤقتة بالتعاون مع الشرطة المدنية لمنع المحتجين من الوصول إلى منطقة الاعتصام بالقرب من المعبر، حيث أغلقت الطريق المؤدي إلى الموقع وجلبت نحو 200 عنصر أمني بهدف فض الاعتصام.
وبحسب ما قال مصدر محلي، لـ”963+”، فإن الشرطة حصلت على تعليمات باستخدام القوة إذا لزم الأمر لفتح المعبر وإزالة السواتر التي أقامها المحتجون.
ورغم هذه الجهود، تمكن المعتصمون من إقامة خيمة اعتصام على مقربة من المعبر، مؤكدين عزمهم على مواصلة الاحتجاج حتى يتراجع القرار.
ويعتبر المتظاهرون أن هذه الخطوة تعتبر “مقدمة للمصالحة” مع الحكومة السورية، ويؤكدون أن التراخي أمام هذا القرار يشكل خطراً على استقلالية المعارضة، ويؤدي إلى إضعاف الثورة.
مستقبل المعبر ومسار أنقرة-دمشق
من جهته، يرى الصحفي مصطفى محمد من مدينة مارع بريف حلب، في حديث لـ”963+”، أن إعادة فتح المعبر “يعكس رغبة متزايدة لدى فصائل المعارضة، بدعم تركي، لفتح قنوات تواصل مع دمشق”.
ويشير إلى أن “الحكومة السورية المؤقتة استغلت رغبة اللاجئين في العودة من لبنان لتحقيق أهداف سياسية أبعد”.
ويرى أن استهداف الجيش التركي لمعبر “عون الدادات” الواقع في شمال شرقي سوريا، مؤخراً، دفع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة إلى تبرير قرارها بفتح معبر آخر لاستقبال اللاجئين، رغم المخاوف المحلية.