القامشلي
شهدت مناطق شمال شرقي سوريا، تصعيداً عسكرياً واسعاً من قبل القوات التركية، في أقل من 24 ساعة، حيث استهدفت الهجمات 42 موقعاً خدمياً وحيوياً، شملت منشآت عامة ومناطق سكنية. وأسفرت هذه العمليات عن فقدان 12 مدنياً لحياتهم، بينهم طفلان، بالإضافة إلى إصابة 25 آخرين، من بينهم حالات بليغة. وتنوّعت الهجمات بين غارات جوية بالطائرات الحربية والمسيّرة، وقصف مدفعي مكثف، ما ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وأثّر على الأمن والخدمات الأساسية في المنطقة.
توزع الاستهدافات
وبدأ التصعيد في مدينة تل رفعت، بريف حلب الشمالي، مساء الأربعاء، حيث استهدف القصف التركي بشكل مباشر منازل المدنيين، ما تسبب في مقتل أربعة أشخاص، بينهم طفلة تُدعى ملك شيار، التي لم يتجاوز عمرها خمس سنوات.
كما أُصيب عشرة أشخاص آخرين بجروح، كان من بينهم أحمد رفاعي (15 عاماً) وجميلة وقاص (32 عاماً)، بالإضافة إلى سكينة إسماعيل (55 عاماً).
وواصلت القوات التركية قصفها ليطال 17 قرية في نواحي شرا وشيراوا، التابعة لعفرين، إلى جانب قرى أخرى في محيط المنطقة، ما أسفر عن دمار واسع في الممتلكات.
واستهدفت الهجمات مناطق في منبج بريف حلب، حيث طال القصف قرى الصيادة وعون الدادات والتوخار. هذه القرى، التي يسكنها المدنيون، تعرضت إلى قصف مدفعي ومسيّر، ما أثار ذعراً بين الأهالي وألحق أضراراً بالمنازل والمنشآت الخدمية في المنطقة.
وامتدت الهجمات أيضاً إلى مدينة كوباني، حيث تعرّضت المدينة لقصف مكثف من الطائرات المسيّرة التي استهدفت المدينة سبع مرات، من بينها هجوم مباشر على محطة الكهرباء الجنوبية، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل.
كما أصيب ثلاثة من عناصر قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، في كوباني، أثناء تفقد المواقع المستهدفة. إلى جانب ذلك، استهدف القصف فرناً آلياً في المدينة ذاتها، مما زاد من معاناة السكان الذين يعتمدون عليه لتأمين احتياجاتهم اليومية.
وتعرضت مدينة القامشلي لعدة ضربات بالطائرات المسيّرة. استهدف القصف مراكز “الأسايش” في أحياء العنترية وحلكو، بالإضافة إلى مستوصف حي الكورنيش وصوامع الحبوب في حي العنترية.
كما استهدفت غارة أخرى مركز توزيع المحروقات (سادكوب) في حي قناة السويس، ما أدى إلى تعطيل عمليات التوزيع وتفاقم أزمة الوقود.
وفي ريف ديريك (المالكية)، في أقصى شمال شرقي سوريا، شنت الطائرات التركية أكثر من 10 غارات على قرية ميركا ميرا، إلى جانب ضربات استهدفت محيط جبل قره جوخ وقرى طبكي وكري فري وبانا شكفتي، ما أدى إلى تدمير العديد من المنازل وإلحاق أضرار بالمنشآت الخدمية في المنطقة.
وصباح اليوم استهدفت مسيرة تركية مركزاً خدمياً لطوارئ الكهرباء في محيط قرية هرم شيخو في مدينة عامودا، غربي القامشلي، وألحق القصف أضراراً بالمركز الخدمي.
ويأتي قصف المركز الخدمي، بعد قصف مسيّرات تركية الفرن الآلي لقرية حسين رومي في المدخل الشرقي لمدينة عامودا.
قصف المحطات النفطية والكهربائية
إضافة إلى القصف الجوي، طالت الهجمات محطات الكهرباء والنفط في عدة مدن في القامشلي. تعرضت محطة السويدية للنفط ومعمل الغاز المرتبط بها لضربات جوية، ما تسبب في إصابة أحد العمال وألحق أضراراً جسيمة في المنشأة. كما استهدفت الهجمات محطات طفلة والسعيدية وعودة، مما أدى إلى تعطيل إنتاج النفط في المنطقة.
وأدانت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هذه الهجمات ووصفتها بأنها جريمة حرب وانتهاك صارخ للقوانين الدولية.
وأكدت أن “استهداف البنى التحتية والمدنيين يعكس السياسات العدوانية للدولة التركية، التي تحاول تصدير أزماتها الداخلية إلى المنطقة”.
وذكرت الإدارة الذاتية في بيانها أن “هذه الهجمات ليست إلا امتداداً لمحاولات تركيا لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة”.
كما دعت الإدارة المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم تجاه الهجمات التركية ووقف سياسة الصمت، التي وصفتها بأنها “تشجّع العدوان التركي على التمادي”.
وطالبت التحالف الدولي والقوات الروسية بتحمل مسؤولياتهم، لا سيما في ظل سيطرتهم على المجال الجوي للمنطقة، ووقف الهجمات التي تضر بالمدنيين والبنية التحتية.
وقال الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية، في تغريدة على موقع “إكس” الخميس، إن “تركيا تقصف مناطقنا بشكل عشوائي دون مبرر، مستهدفة المراكز الخدمية والصحية والمدنيين. إنها جريمة حرب حقيقية”.
وتُظهر الهجمات الأخيرة على شمال شرقي سوريا، استمرار التوترات في المنطقة، وسط غياب أي تحرك دولي لوقف الانتهاكات. حيث يهدد التصعيد التركي بدفع المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار، ويزيد من معاناة السكان الذين باتوا عالقين بين الحصار خاصة بعد إغلاق معبر اليعربية/ تل كوجر مع العراق، بقرار أممي صدر في مجلس الأمن عام 2020، بالإضافة للقصف التركي المستمر.