تحتض روسيا ابتداءً من اليوم وحتى الـ 24 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري قمة “بريكس” في مدينة قازان الروسية بمشاركة أكثر من 20من قادة العالم وتعد هي الأكبر منذ عزلة روسيا عن العالم عقب الحرب على أوكرانيا. وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر “بريكس ” إثبات فشل العزلة على بِلاده وطرح نظام مالي جديد في ومواجهة الدولار، تتجه الأنظار إلى قضايا الشرق الأوسط وخاصةً سوريا.
على هامش قمة مجموعة “بريكس” التي تُعقد في قازان بروسيا بين 22 و24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يرجح خبراء أمكانية لقاء مرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، يحمل أبعاداً تتجاوز العلاقات الثنائية، إذ قد يساهم في إعادة تحريك ملف تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وسط وساطة روسية متواصلة ومحاولات لتجاوز العقبات السياسية والأمنية، خاصة أنه يسبق مسار أستانا (22) حول سوريا، وما تشهده منطقة شمال غربي سوريا من تصعيد جرت العادة أن يسبق كل اجتماع للدول الضامنة بصيغة “أستانا”.
وكان زعيم حزب “الوطن” التركي دوغو بيرينجيك قال، اليوم الثلاثاء، أن المحادثات بين بوتين وأردوغان “قد تفشل الخطط الأميركية في سوريا وتسرّع عملية التطبيع بين تركيا وسوريا”. وشدد على أن التعاون الروسي-التركي لا يشمل فقط البُعد الاقتصادي، “بل يركز أيضاً على قضايا أمنية تشمل مكافحة الإرهاب ووحدة أراضي سوريا وتركيا”.
وأكد الكاتب الصحفي محمد نور الدين، المختص بالشؤون التركية، في تصريحات لموقع “963+”، أن لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان “لن يسفر عن نتائج ملموسة، نظراً إلى أن الظروف في السنوات السابقة كانت أكثر ملاءمة لتحقيق تفاهمات، لكنها لم تُستثمر، ومع بداية الحرب الأوكرانية تقلصت قدرة روسيا على التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية”.
وأوضح نور الدين أن تركيا تواجه تردداً في اتخاذ خطوات قد تبدو مستفزة للغرب، خاصة في الملف السوري. وأكد أن الولايات المتحدة أبلغت أنقرة رفضها لأي مصالحة مع دمشق، مما يجعل القرار في ملعب تركيا. ورغم رغبة روسيا في الدفع نحو التقارب بين أنقرة ودمشق، فإن تركيا تتريث خشية التورط في تحركات شرق الفرات قد تستفز واشنطن.
وساطة روسية لِمسار مُعقد
تأتي قمة “بريكس”، قبل اجتماع جديد بصيغة “أستانا”، حول سوريا من المقرر عقده قبل نهاية العام الجاري.
وقال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي ومبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، في الـ16 من الشهر الجاري، إن “اجتماعاً جديداً لصيغة أستانا حول سوريا سيعقد بالتأكيد قبل نهاية العام”، وفق ما نقلت وكالة “تاس” الروسية.
وأضاف: “كانت هناك بالفعل اتفاقيات مبدئية على تواريخ محددة للاجتماع، ولكن بعد ذلك بسبب تغييرات في جداول العمل، قمنا بتأجيلها قليلاً”.
وكان وزراء خارجية روسيا، سيرغي لافروف، وتركيا هاكان فيدان، وإيران عباس عراقجي، قد بحثوا خلال اجتماع مشترك على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، تطورات الحرب السورية.
وتلعب روسيا دور الوسيط بين أنقرة ودمشق ضمن مسار “أستانا”، الذي أُطلق عام 2017 بهدف حل النزاع السوري عبر التهدئة وخلق مناطق خفض التصعيد. وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم على الأرض، يواجه مسار التطبيع تحديات كبيرة نتيجة التباينات في الأولويات بين تركيا وسوريا.
تصعيد يسبق المفاوضات
يشهد شمال غربي سوريا تصعيداً عسكرياً جديداً معقداً تتداخل فيه مصالح العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، في ظل تحركات عسكرية مكثفة وتصريحات سياسية متباينة. في السياق تتصاعد التوقعات باندلاع مواجهات جديدة في المنطقة قبيل جولة “أستانا” بهدف إحداث تغييرات في خريطة التوزع العسكرية.
وتشير تقارير إلى أن روسيا أرسلت قبل بدء هذا التصعيد تحذيرات للفصائل المعارضة من مغبة التحرك لتغيير الوضع الميداني، معبرة عن قلقها من تقارير تحدثت عما سمته تعاوناً بين الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة وأطراف دولية تهدف إلى الإضرار بالمصالح الروسية في سوريا على حد قولِها.
وهذا التصعيد ليس جديداً، حيث استخدمت موسكو تكتيك تصعيد العمليات العسكرية قبل كل جولة من المفاوضات لتعزيز موقف دمشق في المحادثات.
ويعكس التصعيد الأخير في إدلب وحلب النهج الروسي، حيث كثفت القوات الحكومية السورية بدعم روسي هجماتها الجوية والمدفعية في مناطق مثل “جسر الشغور” و”تلال كبانة”، ما يعزز موقف دمشق قبل مفاوضات “أستانا 22”.
بين “الصد والرد”
يأتي الاجتماع الـ22 المقرر ضمن “مسار أستانا” على وقع تصريحات المسؤولين الأتراك المتكررة، عن مضي أنقرة في خطط التطبيع مع الحكومة السورية، و”العمل لإيجاد حل لقضية اللاجئين السوريين”.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قد قال خلال مقابلة مع وكالة “الأناضول” التركية في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، إن “أهم النقاط التي تهم تركيا في التقارب مع الحكومة السورية، تتمثل في ملف اللاجئين ومكافحة الإرهاب” وأضاف “الرئيس التركي أردوغان, على استعداد للقاء بالرئيس السوري بشار الأسد وقد أبدى إرادة قوية لتحقيق هذا الأمر”.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية السوري السابق فيصل المقداد في تصريحاتٍ خاصة لـ “963+” في 10 أيلول/ سبتمبر الماضي: “نحن لا نضع شروطاً على بدء علاقاتٍ عادية بين تركيا وسوريا، بل نحن نضع متطلبات نجاح أي عملية مباحثات بين البلدين”. وأضاف حينها: “من أهم المطالب هو أن يكون هنالك موقف تركي لا يمكن أن يفسر خطأ، وهو أن تركيا ستنسحب من الأراضي التي تحتلها في شمال سوريا”، مؤجلاً البحث في عودة المياه إلى مجاريها.
أنقرة بين المصالح والضغوط
يرى محللون أتراك أن أنقرة تنظر للتطبيع مع دمشق على أنه يعزز أمنها القومي، لكنه يحمل أيضاً أخطار فقدان النفوذ لصالح دمشق وحلفائها. ورغم استعداد أنقرة للتفاوض، فإنها تطالب بضمانات واضحة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وحماية حدودها. في الوقت نفسه، تسعى أنقرة إلى استخدام المعارضة المسلحة كورقة ضغط في إدلب لتحقيق مكاسب سياسية.
وكان قد شدد السفير الروسي في أنقرة، أليكسي إرخوف، على أن بلاده تبذل جهوداً مكثفة لتقريب وجهات النظر بين تركيا وسوريا. وأشار إلى أن الاجتماعات المقبلة قد تفتح المجال أمام اتفاقات تطبيع أوسع.
وفي وقت سابق، أعرب المحلل الروسي أندريه أونتيكوف، في تصريح صحفي، لـ”963+” عن اعتقاده أن “موسكو تسعى من خلال وساطاتها بين أنقرة ودمشق، إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وإعادة ترتيب موازين القوى في سوريا، خاصة في ظل التوترات مع الولايات المتحدة وأوروبا”.
وفي ضوء هذه التطورات، يبقى التساؤل سيد الموقف فيما إذا سيكون اللقاء بين بوتين وأردوغان على هامش قمة بريكس خطوة إضافية نحو تسوية الملف السوري، الذي ما زال يشهد تعقيدات سياسية وأمنية تعكس التنافس بين القوى الإقليمية والدولية.
واستبعد نور الدين في تصريحه، أي نتائج إيجابية قد تصدر عن اللقاء، قائلاً إن “اللقاء المرتقب بين بوتين وأردوغان لن يكون له تأثير جوهري، إذ تمر المنطقة بمرحلة ترقب وانتظار لما ستؤول إليه الأحداث في الحرب الإسرائيلية الدائرة”.