شنت الطائرات الإسرائيلية أمس الاثنين، نحو 20 غارة جوية على فروع لمؤسسة “القرض الحسن” التي تعتبر بمثابة البنك المركزي لـ”حزب الله” اللبناني في مناطق متفرقة في لبنان. وتُدار المؤسسة بطريقة مشابهة للبنوك التجارية إلا أنها تعمل خارج نطاق سلطة البنك المركزي في البِلاد وبالتالي فهي غير خاضعة للقوانين المالية الرسمية. وبالرغم من رفض المؤسسة وصفها كـ مصرف للحزب، إلا أنها مصنفة على لائحة العقوبات الأميركية وتصنفها السعودية ككيان إرهابي.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، إن عدد الضربات على فروع “القرض الحسن” في بيروت بلغ 11 غارة، منها واحدة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، إلى جانب غارات على فروع الجمعية في بعلبك والهرمل ورياق شرقي البلاد، إضافةً لمديني صور وصيدا بالجنوب التي اضطر عشرات النازحين في إحدى المدارس فيها للمغادرة بعد تعرض فرعاً للجمعية قربها للقصف.
وصرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري في إفادة متلفزة، أن “أحد الأهداف الرئيسية كان خزنة تحت الأرض تحتوي ملايين الدولارات نقداً وذهباً، كانت تستخدم لتمويل هجمات حزب الله على إسرائيل”، وقال: “حسب التقديرات المتوفرة لدينا هناك ما لا يقل عن نصف مليار من الدولارات والذهب مخزنة في مخبأ منفصل تحت مستشفى في بيروت”، مشيراً إلى “اغتيال رئيس الذراع المالي لـ”حزب الله” المسؤول عن تحويل الأموال من إيران إلى الحزب عبر غارة جوية في سوريا”.
لبنان: إسرائيل تستهدف مالية “حزب الله”… ونعيم قاسم إلى طهران
لماذا قصفتها إسرائيل؟
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مسؤول إسرائيلي، أن “الغرض من الضربات هو استهداف قدرة حزب الله على العمل أثناء الحرب، ومنعه من إعادة بناء قدراته بعد انتهاء الصراع، وتقليص الثقة بين الحزب والشعب اللبناني وخاصةً أبناء الطائفة الشيعية، الذين يستخدمون هذه الجمعية كنظام مصرفي”، مضيفاً أن “إيران تحوّل نحو 50 مليون دولار إلى جمعية “القرض الحسن” شهرياً، معظمها نقداً عبر سوريا”.
المحلل الاقتصادي ومدير منصة “اقتصادي” في العاصمة الفرنسية باريس يونس الكريم، قال إن “جمعية القرض الحسن هي الذراع المالي الداخلي لحزب الله داخل المجتمع اللبناني، والذي يكسب من خلاله التأييد، ويستخدمه كأداة للتجنيد، لذلك كانت المعلومات بأن القضاء على هذا الذراع يقضي على الشبكة الداخلية للحزب داخل البلاد”.
وأضاف في تصريحات لموقع “963+”، أن “الإسرائيليين يحاولون الآن من وراء القضاء على “القرض الحسن” خلق زعزعة داخلية للبنية المالية لحزب الله”، لافتاً إلى أن “الجمعية تعمل على استثمار جزءاً من أموال اللبنانيين للتغطية على أموال المخدرات والأموال القادمة من الإيرانيين، وبالتالي القضاء على عليها سوف يعرّي الحزب مالياً”.
فيما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي في بيان على منصة “إكس” الأحد الماضي، إن “جمعية القرض الحسن تشارك في تمويل حزب الله ضد إسرائيل”، في حين نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين أن “الضربات تهدف إلى الإضرار بالأصول المالية لحزب الله وإضعاف علاقاته مع المجتمع اللبناني”.
مؤسسة حزبية
وبحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية، فإن جمعية “القرض الحسن” ليس لديها أي ارتباط بالمصرف المركزي اللبناني، ولا تخضع لقانون “النقد والتسليف” الذي ينظم علاقة المؤسسات المالية بمصرف لبنان، كما أنها مسجلة لدى وزارة الداخلية اللبنانية باسم جمعية خيرية”، وتقول وسائل إعلام لبنانية إنها باتت أشبه بمؤسسة مصرفية تعطي القروض بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان عام 2019، وطالت تأثيراتها مصرف لبنان المركزي وفروعه.
ويقول الخبير العسكري الأردني جلال العبادي، في تصريحات لموقع “963+”، إن “القصف على جمعية القرض الحسن، هو نوع من الضغط على حزب الله وقاعدته الشعبية، والجمعية هدف اقتصادي مدني محمي في الحروب حسب قرارات الأمم المتحدة”.
ويضيف: “استهداف الجمعية يعطي مبرر لحزب الله لقصف مطارات وموانئ عسكرية ومدنية إسرائيلية، ومشاريع استثمارية في حيفا وتل أبيب وغيرها من المناطق الإسرائيلية”.
وبدأت جمعية “القرض الحسن” عملها في عام 1983 وحصلت على ترخيص من وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987، وتعرّف نفسها أنها “جمعية خيرية تعمل وفق القوانين اللبنانية” ولا تهدف للربح، وأن “مصادر تمويلها تعتمد على مساهمات من فاعلي خير”.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية، قد فرضت في أيار/ مايو 2021، عقوبات على جمعية “القرض الحسن” وأفراد لبنانيين، وقالت إن الجمعية “تنقل أموالاً بشكل غير مشروع إلى حزب الله، وتقوّض استقرار الدولة اللبنانية”.
وكان حسن نصر الله الأمين العام السابق “لحزب الله ” وصف المؤسسة سابقاً بأنها مدعومة ومحمية من “الحزب ” وفي كلمة له العام الماضي أكد بأن “الحاج حسين الشامي ” الذي كان يشغل عضو مجلس الشورى لدى الحزب “شارك في تأسيس المؤسسة إلى جانب إخوانه ” على حد تعبيره.
تأثير كبير على نشاط “الحزب”
وبحسب مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، فإن “استهداف جمعية “القرض الحسن” سيكون له تأثير كبير على حزب الله، لعدة أسباب أبرزها أن الجمعية كانت الأكثر عملاً ولديها مرونة بالحركة في ظل الأزمة المالية التي يمر بها لبنان، إضافةً إلى أن الاستهداف يواكب الوضع العسكري والخسائر التي مني بها الحزب و”محور الممانعة” عموماً، إلى جانب حاجة الحزب للسيولة خلال هذه الفترة، فضربها سيؤثر على تمويل الكثير من العائلات الشيعية، كما أن الكثير من العائلات وضعت أموالها بالجمعية، والآن سوف تنكشف وينكشف معها الكثير من العمليات والخفايا”.
ويشير، إلى أن “الضربة سوف تكشف القنوات الداخلية لحزب الله بتمويل وتجنيد اللبنانيين، إلى جانب أن هناك الكثير من “اللوبيات” التي صنعها الحزب داخل لبنان سواءً من الشيعة أو الطوائف الأخرى أو “موظفي التكنوقراط”، والذين سوف تقطع عنهم الأموال لأن المعلومات موجودة لدى فروع “القرض الحسن”، وبالتالي هذا كله سوف يعيق سلاسة التمويل ويربك الحزب”.
وقال باحثون أميركيون ولبنانين لإذاعة ” ذا فويس أوف أميركا ” بأن أموال “حزب الله” بدأت تنفد بعد أن أدت الهجمات الإسرائيلية المستمرة على مواقع الحزب إلى تعطيل ثلاثة من المصادر الرئيسية للأموال “
ودمّر الطيران الإسرائيلي، 6 فروع لجمعية “القرض الحسن” خلال حرب تموز/ يوليو 2006، حيث كانت الجمعية تمتلك 9 فروع في جميع أنحاء لبنان، إلا أن وسائل إعلام لبنانية تقول إنها تمتلك الآن أكثر من 30 فرعاً.
ومنذ بدء تصعيدها العسكري في لبنان في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، شنت إسرائيل عدة غارات على مقرات لـ”هيئة الصحة” التابعة لـ”حزب الله” بمناطق متفرقة من لبنان، أسفرت إحداها على منطقة الباشورة وسط العاصمة بيروت في 3 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 7 آخرين، بحسب وزارة الصحة اللبنانية.