خاص ـ حلب
كانت حلب شمالي سوريا تحظى بأهمية اقتصادية كبيرة قبل اندلاع الحرب في البلاد عام 2011، وبعد الحرب باتت شبه معدومة اقتصادياً، في ظل واقع اقتصادي متردي، ونقص كبير في المواد الأولية، وإغلاق عدد كبير من المعامل والمصانع وسرقة محتويات أغلبها، أو نقلها إلى تركيا.
ووسط هذا التراجع الاقتصادي الكبير للمدينة، عقد بين 16 و 19 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، معرض حلب الدولي بنسخته الخامسة على أرض المدينة الرياضية في المدينة، وسط مشاركة خجولة جداً من الشركات الصناعية المحلية والدولية، وغياب القطاع النسيجي الذي تتميز به المحافظة.
وشهدت هذه النسخة غياب التمثيل الحكومي الرسمي ممثلاً بوزير الصناعة عن افتتاح المعرض، كما جرت العادة في النسخ السابقة، حيث افتتح محافظ حلب حسين دياب مع السفير الهندي في سوريا أرشاد أحمد، المعرض الذي جاءت نسخته الحالية بمشاركة 70 شركة، من قطاعات الغذاء والهندسة والكيمياء، بعد أن شهدت النسخة الثالثة مشاركة 400 شركة، من كهربائية ونسيجية وإلكترونية وكيميائية وزراعية وغذائية وأدوية.
“مشاركة 70 شركة فقط في النسخة الحالية، يدل على ضعف الواقع الاقتصادي للمدينة التي سيطرت القوات الحكومية عليها في 2016 “بحسب التاجر محمد بغدادي، الذي قال لموقع “963+”: “في كل أسبوع تغلق عدة ورشات ومعامل في مختلف المناطق الصناعية في المدينة، وهو ما يعكس تردي الواقع الصناعي في حلب”.
وعن الأسباب يضيف بغدادي، أن “الأسباب كثيرة جداً، فمنها ما هو مرتبط بالقرارات الحكومية كالجمارك والضرائب والرسوم المرتفعة والكهرباء التي باتت أغلى من الأردن ومصر على سبيل المثال، وغياب المحروقات وخاصة المازوت الذي يعد أساس حوامل الطاقة في حلب، ومنها ما هو مرتبط بالواقع الخدمي والقدرة الشرائية للمواطن، فالرواتب متدنية بشكل لا يمكن الحديث عنه، حيث أن راتب الموظف بحدود 400 ألف ليرة سورية (30 دولار أميركي تقريباً) وهذا عجز إضافي”.
وبين بغدادي أن “بعض رجال الأعمال أغلقوا معاملهم ومنشآتهم بسبب عدم توفر المواد الأولية للإنتاج بسبب العقوبات والتحكم بها من قبل “مستفيدين معروفين”، مما أدى إلى غياب القدرة الإنتاجية في حلب، وذلك دفع الغالبية العظمى منهم للمغادرة إلى دول ومناطق أخرى مثل الإمارات ومصر وإقليم كردستان العراق”.
تراجع المشاركة
وبدأ معرض حلب الدولي نسخته الأولى في عام 2018، وجاءت النسخة الرابعة منه في عام 2022، حيث شاركت في تلك النسخة 180 شركة.
ويقول دكتور في كلية الاقتصاد بحلب رفض الكشف عن اسمه لـ”963+” إن “الحرب في لبنان أثرت بشكل كبير جداً على الاقتصاد السوري، حيث تعتبر بيروت متنفساً للتجارة السورية وتعد قاعدة أساسية للهروب من العقوبات الأميركية، غير أن تردي الواقع الاقتصادي هو شيء تراكمي وليس لحظي، فقرارات الحكومة السابقة (حكومة حسين عرنوس) كانت مجحفة بحق تجار حلب وصناعييها، وهو ماجعلها خالية من رؤوس الأموال الراسخة في الاقتصاد السوري”.
لا مدينة للمعارض بحلب
منذ عام 2017، طالبت حلب بشقيها التجاري والصناعي الحكومة السورية بإنشاء مدينة معارض مماثلة لتلك التي في دمشق، لإقامة المعارض الكبيرة عليها، لكن الحكومة لم تستجب لهذا المطلب حتى الآن، بحسب ما قال رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي لوسائل إعلام تابعة للحكومة.
وأضاف الشهابي، أن “حلب تحتاج لأمرين للإقلاع بالصناعة، الأول هو تشغيل مطار حلب الدولي للرحلات التجارية، والثاني هو مدينة معارض كبيرة، ودائماً ما ترد الحكومة على هذه الطلبات بأن المعارض الدولية تجري في دمشق، وفي حال إجرائها في حلب فيجب أن يأتي التجار من خارج البلاد إلى مطار دمشق وبعد ذلك يتم نقلهم إلى حلب عبر البر، وهو ما يرفضه أولئك التجار”.
رواية حكومية
وقال علي نظام مدير شركة “نظام” المنظمة للمعرض في تصريحات للصحفيين، إن “الهدف من المعرض هو تكوين جسر للتواصل بين التاجر والمنتج والصناعي، مع العميل الخارجي والداخلي”، واصفين المعرض بأنه بداية لتعافي الاقتصاد”، إلا أن أحد التجار، اعتبر أن “هذا الكلام منفصل عن الواقع، خاصة مع غياب حوامل الطاقة، فمن يريد للصناعة أن تقوم عليه أن يقدم الكهرباء والمازوت والبيئة المستقرة”، واصفاً كلام المسؤولين بأنه “طبيعي لأنو ماحدا بيقول على دبسو حامض”.
وأضاف التاجر في تصريحات لـ”963+”، أن “الآمال معقودة على الحكومة الجديدة، وإذا استمرت هذه المشاكل فإن العام القادم سيشارك بالمعرض 30 شركة فقط، ربما حينها تستفيق الحكومة من سبات عميق دخلته في 2011”.
يذكر، أن القوات الحكومية السورية استعادت في كانون الأول/ ديسمبر 2016، السيطرة على مدينة حلب، بعد أن قُسّمت منذ 2012 إلى أحياء خاضعة لها وأخرى واقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
وبحسب تقرير للبنك الدولي صادر في عام تموز/ يوليو 2017، فإن “الخسائر التراكمية في إجمالي الناتج المحلي خلال فترة الصراع بنحو 226 مليار دولار، أي حوالي أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السوري في عام 2010”.
وقال التقرير، إن “التقديرات تشير إلى أن 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر بسبب الحرب، كما تم فقدان حوالي 538 وظيفة سنوياً خلال السنوات الأربع الأولى، في حين بلغ معدل البطالة بين الشباب 78% عام 2015”.