معاذ الحمد – دمشق
نعت تكتلات وفصائل سورية معارضة مدعومة من تركيا أمس الجمعة مقتل زعيم حركة “حماس” الفلسطينية يحيى السنوار، فيما تلتزم الحكومة السورية الصمت تِجاه العمليات الإسرائيلية ضد “حزب الله” اللبناني والحركة الفلسطينية التي كثفت إيران دعمها لها منذ سنوات.
ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في منتصف آذار/ مارس 2011 ضد الحكومة السورية في ظل الظروف الاقتصادية والتضييق السياسي في ذلك الوقت، توترت علاقة “حماس” مع الحكومة السورية، بعدما أعلن قادة الحركة عن دعم المعارضة السورية ودعوا إلى ضرورة تغيير الحكومة.
وكانت “حماس” تتخذ من العاصمة دمشق مقراً لها لأكثر من عقد من الزمن بعد طردها من الأردن عام 1999. لكن في العام 2012 انتقل زعيم الحركة إلى العاصمة القطرية الدولة. وقال السنوار في كلمة له في نيسان/ أبريل العام الماضي، إن “سوريا بقيادة بشار الأسد لها الفضل بمساندة المقاومة في غزة” ودعا للتصالح مع “سوريا الأسد” وتطوير العلاقات مع “حزب الله”.
المعارضة تنعي ودمشق تصمت
رغم التوتر بين حركة “حماس” والكيانات السورية المعارضة المدعومة من أنقرة بسبب إعادة الحركة لعلاقاتها مع الحكومة السورية برعاية إيرانية العام الماضي. إلا أن هذا الكيانات ومنها “المجلس الإسلامي السوري”، و”حركة أحرار الشام”، و”هيئة تحرير الشام”، نعت رئيس الحركة يحيى السنوار الذي اغتالته إسرائيل الخميس الماضي خلال عملياتها في غزة. الأمر الذي فعله أكاديميون سوريون أيضاً بينهم برهان غليون.
وأثار غياب بيان رسمي من السلطات السورية بشأن مقتل يحيى السنوار تساؤلات حول الدوافع وراء الصمت، خصوصاً مع إصدار الفصائل المعارضة السورية بيانات نعي، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي بين الطرفين وعلاقتهما بحركة “حماس”، التي شهدت تغيرات جوهرية في الأعوام الأخيرة.
في الوقت نفسه، بقيت دمشق متحفظة بشأن مقتل السنوار، رغم أن العلاقات بين الحكومة السورية و”حماس” شهدت تقارباً في الفترة الأخيرة بدعم إيراني، حيث تم الترويج لهذا التقارب باعتباره استراتيجياً. وكان من المفترض أن يصدر موقف من دمشق بعد أن أثنى السنوار على دورها قبل اغتاله.
لكن موقف دمشق لم يكن مستغرباً، فهي قد تأخرت في نعي حليفها الأبرز في “محور المقاومة”، الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله الذي قتل مع كبار قادة الحزب في ضربة إسرائيلية استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
هذا الغياب عن المشهد الإعلامي الرسمي، سواء في وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أو وسائل الإعلام المقربة من الحكومة، يعكس براغماتية سياسية، إذ تحاول دمشق تجنب استفزاز القوى الدولية والإقليمية، خصوصاً في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية الخانقة التي تواجهها.
ويرى مراقبون أن الحكومة السورية تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع عدة أطراف في المنطقة، وتحرص على تفادي مزيد من التوترات التي قد تنجم عن إبداء دعم علني لـ”حماس” في هذه المرحلة الحرجة.
علاقة دمشق و”حماس”
وعلاقة “حماس” بالحكومة السورية مرت بمنعطفات حادة منذ بداية الحرب السورية عام 2011. ففي البداية، اتخذت “حماس” موقفاً محايداً ثم انسحبت من سوريا بعد أن طلبت دمشق، بدعم إيراني، وقوفها مع الحكومة ضد المعارضة. ومع ذلك، ساهمت “حماس” في السنوات الأولى من الحرب السورية في تدريب فصائل سورية معارضة على تقنيات الأنفاق والعمل العسكري.
لكن مع سقوط حكم الرئيس المصري محمد مرسي عام 2013 وتراجع الدعم العربي للحركة، وجدت “حماس” نفسها مضطرة للعودة إلى الحضن الإيراني والسوري. هذا التحول أثار استياء العديد من السوريين المعارضين، رغم تفهم بعضهم للضغوط التي دفعت الحركة لاتخاذ هذا المسار، بحسب مراكز دراسات.
مواقف متباينة داخل المعارضة تجاه “حماس”
على الرغم من إصدار بعض الفصائل المعارضة بيانات نعي للسنوار، فإن هذا الموقف لم يكن موحداً. فصائل أخرى، خصوصاً تلك التي تتلقى دعماً مباشراً من تركيا، بدت أكثر تحفظاً تجاه العلاقة مع “حماس”، بالنظر إلى تقارب الحركة مع دمشق وطهران.
محمد فاضل، قيادي في حركة “أحرار الشام” المدعومة من أنقرة، برر موقف فصيله لموقع “963+” أن “حماس أجبرت على التحالف مع إيران بعد قطع الدعم العربي عنها، ولا يجب محاسبتها على خيارات فرضتها الظروف”، داعياً إلى “دعم حماس باعتبارها حركة مقاومة، بغض النظر عن خلافاتها السياسية السابقة”، وهو ما ينطلق من “مبدأ عقائدي يجمع بين الحركتين”.
طابع عقائدي؟
نعي فصائل المعارضة للسنوار يعكس بُعداً عقائدياً وأيديولوجياً واضحاً، بحسب ما أشار مراكز دراسات أحدها الجزيرة. بالنسبة لهذه الفصائل، “القضية الفلسطينية تتجاوز الخلافات السياسية وتظل رمزاً مشتركاً في مواجهة الهجمات الإسرائيلية”.
عبدو فداء، ناشط إعلامي مقرب من حركة “أحرار الشام”، أشار في حديث لـ”963+” إلى أن “الفصيل تربطه علاقة عقائدية بكتائب القسام، باعتبارهما جزءاً من تيار الإخوان”، مؤكداً أن “نعي السنوار جاء تعبيراً عن التزام الحركة بالمبادئ الإسلامية المشتركة”.
هذا الطابع العقائدي، وإن كان يعزز الروابط بين بعض الفصائل، إلا أنه يعمّق الخلافات مع فصائل أخرى تتبنى توجهات قومية أو مدعومة من أطراف إقليمية تنافس إيران، مثل تركيا، بحسب مراقبين.
حسابات سياسية معقدة
المواقف المتناقضة تجاه مقتل السنوار تعكس تعقيدات المشهد السياسي في سوريا. الحكومة السورية، رغم تقاربها مع “حماس”، تتجنب إعلان موقف قد يُفسَّر كتحالف معلن مع الحركة في ظل تصاعد الضغوط الدولية عليها.
في المقابل، تسعى فصائل المعارضة، من خلال النعي، إلى تعزيز مكانتها في المشهد الإسلامي والعربي، لكنها تواجه في الوقت نفسه تحديات في الحفاظ على وحدة صفها في ظل تباين الأجندات السياسية بين الفصائل، وفق تقارير صحفية.
ويرى مراقبون أن هذا التناقض بين مواقف الحكومة السورية ومعارضتها، يعكس مدى التشابك بين الولاءات الأيديولوجية والمصالح السياسية في سوريا، حيث يتحرك كل طرف وفق حساباته الخاصة، ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً وصعوبة في التنبؤ بمساراته المستقبلية.