شهدت المنطقة سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قادة بارزين في حركة “حماس” و”حزب الله”، مما يعكس تصعيداً كبيراً في الصراع مع إسرائيل، التي لطالما أكدت على نيتها بتصفية كامل قادة “محور المقاومة” وكل مُن تدعمه إيران. بعد أن تمكنت إسرائيل من إسماعيل هنية ونصر الله ومؤخراً يحيى السِنوار العقل المُدبر لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تزايدت التساؤلات عن الشخصية القادمة التي ستكون في مرمى إسرائيل.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أمس الخميس، عن اغتيال السنوار في رفح، بعد مطاردة طويلة حيث اعتبرته إسرائيل العقل المدبر لأحد أكبر الهجمات ضدها. وقد أثار اغتياله ردود فعل متباينة على المستوى الدولي، حيث وصفته الولايات المتحدة بأنه “فرصة استثنائية” لإنهاء الحرب.
وسبق اغتيال “السنوار” قتل إسرائيل في فترة زمنية قصيرة أغلب قادة “محور المقاومة” والمرتبطين بإيران. إذ، قُتل حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، مع عدد من كبار الحزب في هجوم استهدف مقر القيادة في الضاحية الجنوبية لبيروت. كما تم اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أثناء زيارته إلى طهران.
وعلى الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد يُعتبر أحد أبرز الحلفاء لـ”حزب الله” و”محور المقاومة”، إلا أنه منذ أكتوبر الماضي اتخذ خطوات واضحة للابتعاد عن هذا المحور. ظهر ذلك بجلاء من خلال تأخره في نعي حسن نصر الله بعد مقتله، وعدم تطرقه حتى الآن إلى مقتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” ولو مسايرة للحليف الإيراني.
ورغم التصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية بلبنان وامتداده إلى مناطق أخرى مثل البقاع وبعلبك، اكتفت دمشق بإصدار تصريحات مقتضبة ومتكررة بصيغ رسمية معتادة وخجولة. على الجانب الآخر، كثّفت إسرائيل في الأسبوعين الماضيين ضرباتها على مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، مستهدفة مواقع في حي المزة بدمشق والقلمون. وتؤكد إسرائيل أن هذه الهجمات تستهدف شخصيات تابعة لإيران و”حزب الله” داخل سوريا، ما يعكس عزمها على إنهاء وجود الحزب ونزع سلاحه.
رسائل وتهديدات
ولم تقتصر الخطوات الإسرائيلية على القصف المتكرر، بل وصلت إلى تهديدات مباشرة، حيث وجه أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، تحذيراً للرئيس الأسد باحتمال احتلال أجزاء من سوريا إذا استمر في السماح لإيران و”حزب الله” باستخدام الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل.
وفي ضوء هذه التطورات، يطرح خبراء عسكريون سوريين السؤال ما إن كان الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة في القوات الحكومية، وأركان حكمه، ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية بالرغم من محاولة دمشق عدم الانخراط في الحرب بين إسرائيل وإيران، بينما يرجح آخرون حصول تفاهمات غير معلنة بين الطرفين.
وفي تصريحات سابقة قال المختص بالشأن الإيراني وجدان عبد الله، إن “الحكومة السورية نأت بنفسها عن محور المقاومة” رغم الهيمنة الإيرانية على السلطة في دمشق، وحشودها في الأراضي السورية”.
وفي استطلاع ميداني في دمشق وإدلب أجراه فريق”963+”، أشار إلى أن ما يزيد على 40% من السوريين في إدلب المشاركين في الاستطلاع، يرون أن الأسد هدف لإسرائيل، فيما اعتبر الباقون أن الأسد يستمر بحماية إسرائيل، “لأنه يحمي حدودها في جنوبي سوريا”. أما في دمشق، فيرى 50% من المشاركين في الاستطلاع أن الأسد لن يكون هدفاً لتل أبيب، فيما رأى 10% منهم بأن الأسد سيكون هدفاً، بينما رفض الباقون الخوض في هذا الحديث.
وبعد اغتيال نصر الله، يقول يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، في تصريح سابق نقله الإعلام الإسرائيلي، إن “حزب الله” أصبح “منظمة بلا رأس، بعد القضاء على أمينه العام حسن نصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين”، معتبراً أن لهذا الأمر تأثيره الكبير فيما يحدث، “فلا يوجد من يتخذ القرارات في الحزب”.
ويقول روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن، إن إيران تقبّلت مسألة مصرع نصر الله بشكل هادئ جداً، ومفاجئ جداً، فلم تتورط مباشرة في أي تحرك عسكري، على الرغم من الإحراج الذي سببه لها هذا الأمر. يضيف: “نصر الله عربي، وليس فارسياً، لذا لم يكن مهمًا بالنسبة إلى طهران مثلما كان الجنرال قاسم سليماني، الذي أردته مسيّرة أميركية في مطار بغداد في عام 2020، وتسبب مقتله بهجمات انتقامية ضد القوات الأميركية في شمال العراق”.
ربما هذا ما يجب أن يتنبه إليه الأسد، كما تقول لبنى مري في موقع “ذا اتلانتيك” الأميركي، فهو ليس أغلى على إيران من نصر الله.
مُهادن مُسالم
فيما يعتقد كثيرون أن الأسد سيكون هدفاً لإسرائيل، يقول المحامي السوري إدوار حشوة، إن “السلام قائم بين إسرائيل وسوريا منذ عام 1973، وإسرائيل هي من منع إسقاط الأسد والحكومة السورية بحجة عدم وجود بديل سلمي مثله”.
وكان الباحث الإسرائيلي كارميت فالينسي قال إن إسرائيل ظلت ترسل رسائل إلى الرئيس السوري منذ بداية الحرب في غزة، تحذره من البقاء خارجها، وإلا فلن تكون دمشق فقط في خطر، بل سيكون نفسه أيضًا في خطر”، بحسب مجلة زينيث الألمانية المختصة بشؤون الشرق الأوسط.
يضيف حشوة”، الذي كان عضواً في اللجنة الدستورية السورية، لـ”963+”: “بسبب تحالفه مع إيران، صار بشار لزوم ما لا يلزم”، مرجحاً ألا تحتل إسرائيل سوريا، “لأن ما يهمها هو فكّ تحالف دمشق – طهران، وضمان السلام على الحدود بينها وبين سوريا مستقبلية ضعيفة مفلسة، جيشها ضعيف، لا تتمسك بالعداوات، بل تبحث عن لقمة العيش”.
وشهدت الأيام الفائتة توغلاً إسرائيلياً بجنوب سوريا، إذ ذكرت مصادر محلية أن قوة إسرائيلية تقدّمت 400 متر داخل الحدود السورية، بعرض كيلومتر واحد، وقد واكب ذلك انسحاباً للقوات الروسية في تلك المناطق، تَبِعه إعادة تموضع حَذر لهذه القوات بعد أيام من انسحابها.
وكان قد طرح كتاب وصحفيين إسرائيليين، مثل إيهود ياري قبل سنوات فكرة إنشاء منطقة “يسيطر عليها السنة” على امتداد درعا من شأنها أن توفر حاجزاً وقائياً لإسرائيل من الإيرانيين.
كذلك، لا يعتقد العميد الركن مصطفى الشيخ أن التهديدات الإسرائيلية لا تستهدف الأسد وشقيقه ماهر بشكل مباشر، “فهما ليسا أهم من نصر الله”، كما يقول، مضيفاً لـ”963+”: “إذا لم يلتزما بتوجيهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستمرا في دعم ’حزب الله‘، فاغتيالهما غير مستبعد”.
ويستدرك الشيخ بالقول: “يبدو لي أنهما تخليا عن الحزب، وأدركا حدود التغيير الذي يحصل اليوم، وكما أدركا أن هناك رضا روسياً غير مسبوق على توسيع إسرائيل نطاق الحرب وجر أميركا إليها، ولو كانت إيران هي الطعم، فهذه أكبر فرصة لبوتين للخروج من المأزق الأوكراني، لذا حذر الأسد من أي تهور وهذا ما ظهر جلياً في خطابين لنائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، بعد مصرع نصر الله، كما أشارت صحيفة “واشنطن بوست”.
روسيا تدعم الأسد لكن بشروط !
يقول العميد الركن، المنشق عن الحكومة السورية منذ عام 2011، إن روسيا تساعد إسرائيل في خلق مناخ ملائم لانتصارها على إيران ومحورها، “لأن بوتين يعلم أن خيار إيران غربي، وهواها غربي، والعلاقات معها قائمة على ضرورة وليست قائمة على الاستراتيجية، وبالتالي الحكومة السورية كذلك، وأنه دخل سوريا ليستخدمها ورقة على طاولة المفاوضات ضد الناتو.
وفي عام 2018، تفاوضت روسيا مع إسرائيل لإعادة هذه المنطقة إلى سيطرة الأسد ووعدت بعدم مشاركة الفصائل الموالية لإيران في العمليات الهجومية وعدم تمركزها على الحدود الإسرائيلية. بل إن موسكو عرضت إنشاء منطقة عازلة تقوم قواتها بدوريات على طولها.
ويرى الشيخ أن “مصلحة روسيا تفرض عليها أن تكون مع إسرائيل، “ولهذا لن تقتل تل أبيب الأسد حالياً إرضاءً لموسكو، من دون أن ننسى أن الأسد نفسه يحاول أن يصطنع مسافة بينه وبين إيران بتقرّبه من الدول العربية”.
لكن تشارلز ليستر، في “فورين بوليسي” الأميركية، يقول إن “الأسد لم يقدّم شيئاً للعرب مقابل قبوله بينهم مرة أخرى، بعد مقاطعة استمرت نحو 12 عاماً، لأنه لم يستجب لطلباتهم، وتحديداً طلبان المملكة العربية السعودية، التي تريد منه الابتعاد عن إيران تماماً وإخراجها مع “حزب الله” وفصائلها الأخرى من الأراضي السورية، ووقف تصدير المخدرات إلى دول الخليج”.