بيروت
فيما تستمر الحرب الضارية على الحدود الجنوبية، مع تقدّم إسرائيلي في بعض المحاور، وكمائن ضارية في مناطق أخرى، لا توفّر الغارات الإسرائيلية منطقةً، فتصل حتى إلى البقاع حاصدةً قرى وبلدات بكاملها، ومصيبة بلدات أخرى بالتدمير الممنهج، ومركزةً القصف على مناطق محاذية للحدود السورية، التي يمكن أن تمر فيها ممرات تمثل معابر غير شرعية، تنشط عليها عصابات تهريب البشر والسلاح مثل جرود حربتا وجرود وادي فعرا في القاع الشمالي.
وقد أعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 45 قتيلاً و179 جريحاً في الساعات الـ 24 الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 2,412 قتيلاً و11,285 جريحاً منذ بداية الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
رحلة مكلفة
بحسب تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، خلّفت غارة إسرائيلية استهدفت مطلع تشرين الأول/أكتوبر منطقة المصنع اللبنانية الحدودية حفرة كبيرة، ما أدى الى قطع الطريق الدولية بين لبنان وسوريا، من دون أن يعاد فتحها بعد. وتمنع هذه الحفرة، التي يصل طولها إلى محو 30 متراً على مساري الطريق، وعمقها 10 أمتار تقريباً، عبور أي سيارة أو حافلة على المعبر.
وجاء استهداف المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين غداة اتهام الجيش الإسرائيلي “حزب الله” بنقل “وسائل قتالية حساسة” لاستخدامها في جنوب لبنان، محذراً من أنه “لن يسمح بتهريب هذه الوسائل القتالية ولن يتردد في التحرك إذا اضطر لذلك”.
وفيما يعبر مئات الأشخاص، غالبيتهم من لبنان إلى سوريا، هذا المعبر يومياً، يتعين على الجميع النزول في الحفرة سيراً أو على كرسي متحرّك لمن لا يستطيع السير، أو على نقّالة طبية للجرحى أو المصابين.
وقد تصل الرحلة من بيروت إلى دمشق، مع عبور هذه الحفرة، نحو 400 دولار. وتنقل “فرانس برس” عن السائق اللبناني علي المولى (31 عاماً) قوله، بينما يقف قرب الحفرة: “كانت أجرة السيارة تراوح بين 100 و150 دولاراً، لكنها باتت اليوم تراوح بين 400 و500 دولار”.
تباينات خطيرة
ولمن لم يسافر أو يلجأ إلى سوريا، نزح إلى مناطق يظن أنها آمنة. لكن، في الأيام الأخيرة، ظهرت على السطح اللبناني تباينات تنذر بالتحول إلى أزمة خطيرة بين النازحين والقرى والبلدات المضيفة، خصوصاً في جبل لبنان، حيث يسكن اللاجئون في بيئات لا تشاركهم توجهاتهم السياسية، أي لا يؤيدون الانخراط في هذه الحرب، التي جرّ “حزب الله” البلد إليها.
فقد اصدر عدد كبير من البلديات في القرى والبلدات بجبل لبنان وشماله بيانات تحذر أولاً من إيواء اي نازح من دون التأكد من هويته، ومن أنه ليس عنصراً أو قيادياً أو إعلامياً في “حزب الله”، خصوصاً بعد الغارة التي استهدفت مبنى في بلدة أيطو بشمال لبنان، والتي أودت بحياة 7 لبنانيين من النازحين أنفسهم، بسبب الاشتباه بوجود أحد عناصر الحزب في شقة من شقق البناء.
كذلك، حذرت البيانات نفسها النازحين من تجاوز القانون، خصوصاً بعد ظهور عدد كبير منهم مسلحاً بشكل علني، ما أدى إلى حوادث في أكثر من منطقة، اضطرت فيها الأجهزة الأمنية واللجان المحلية إلى التدخل، منعاً لتفاقم الأمر.
وكوليرا أيضاً
قصة العبور المكلف المخيف، والتباين بين الضيف والمضيف، ليسا الهاجسين الوحيدين في نفوس النازحين في لبنان. فبعد ظهور إصابة أولى بعدوى الكوليرا في شمال لبنان، حذرت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء من خطر تفشي هذا الوباء في لبنان بين مئات الآلاف من النازحين، وخصوصاً في مخيمات النزوح السوري التي قصدتها عائلة لبنانية كثيرة، وحتى خارج المخيمات بسبب الاكتظاظ الكبير، وبقاء النفايات أياماً عدة في الحاويات على الطرق، ما يشجع على تفشي الأوبئة.
وقد ظهرت هذه الحالة الأولى للكوليرا في مواطنة لبنانية قصدت المستشفى الإثنين، وهي تعاني من إسهال حاد وجفاف.
والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا ضمات الكوليرا، وفق منظمة الصحة العالمية. وقد أكد عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان أنه “في حال وصول وباء الكوليرا إلى النازحين الجدد، قد يكون انتشاره سريعاً”، علماً أن منظمة الصحة حذّرت منذ أشهر من أن المرض قد يعاود الظهور في ظل “تدهور حالة المياه والنظافة” بين النازحين ومجتمعاتهم المضيفة.